سورة الزمر للشيخ خالد الجليل

MultiHoster

الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير خلق الله

بفضل الله تم الانتهاء من الفيلم الوثائقي القصير * قصة زواج * ويعتبر من أقوي الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

 

فيا أنصار رسول الله فلنتعاون جميعا على الدفاع عن رسول الله و ننشر الفيديو على أوسع نطاق

 

 

 

قناة موقع نصرة رسول الله على اليوتيوب

To say that something is wrong or not, you have to say it is wrong because of what; because it is violating what.

Please check this video to know the truth about Prophet Mohammad & Aisha's Marriage.

 

If you want to read the perfect love story, I recommend that you don't read "Romeo and Juliet" but Read the story of Muhammad and Aisha, in the very words of Aisha herself explaining how beautiful this relationship was between her and Prophet Muhammad (PBUH)

 

            

Sponsored by 
Khalifa Al Hammadi
 
لمن يريد رعاية انتاج الأفلام الوثائقية بموقع نصرة رسول الله  الرجاء مراسلة
 

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

القرآن الكريم ودمار قوم لوط



بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
 قال الله تعالى:(كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ بالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِيْ مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بالنُّذُر) (القمر: 33-36).
عاش لوط(عليه السلام) في نفس زمن إبراهيم عليه السلام مرسلاً إلى بعض الأقوام المجاورة لإبراهيم، كان هؤلاء القوم كما يخبرنا القرآن الكريم يمارسون نوعاً من الشذوذ لم تعرفه البشرية قبلهم، وهو اللواط. عندما نصحهم لوط بأن يقلعوا عن ممارسة هذا الشذوذ وأنذرهم بطش الله وعقابه، كذبوه وأنكروا نبوته ورسالته، وتمادوا في شذوذهم وغيهم، وفي النهاية هلك القوم بما وقع عليهم من كارثة مريعة.
في العهد القديم يشار إلى المنطقة التي أقام فيها لوط على أنها سدوم، وحيث إن هذه المنطقة تقع إلى الشمال من البحر الأحمر، فقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً كما جاء في القرآن الكريم، تدل الدراسات الأثرية أن تلك المدينة كانت في منطقة البحر الميت التي تمتد على طول الحدود الأردنية الفلسطينية.
قبل أن نقوم بفحص آثار هذه الكارثة، يمكننا أن نتأمل السبب وراء عقاب آل لوط، يروي لنا القرآن كيف أنذر لوطٌ قومَه وبماذا أجابوه:
 ( كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ المُرْسَلِيْنَ * إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِيْنٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيْعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِيْنَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ ربُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المُخْرَجِيْنَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القَالِيْن ) (الشعراء: 160-168)
هدد القومُ لوطاً عندما دعاهم إلى اتباع الطريق الصحيح، لقد أبغضوه لأنه يدعوهم إلى الحق والطهر، وعزموا على طرده هو والذين آمنوا معه كما تعرض لنا الآيات الآتية:
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون ) (الأعراف: 80-82).
عرض لوط(ع) على قومه الحقيقة واضحة وأنذرهم بشكل واضح وصريح، إلا أنهم لم يكترثوا لأي تهديد أو وعيد، واستمروا في نكرانهم وتكذيبهم بالوعيد الذي جاء به:
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتقْطَعُونَ السَّبِيْلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيْكُمُ المُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِيْن) (العنكبوت: 28-29) .
وهنا وبعد أن تلقى لوط(ع) هذا الجواب توجه إلى الله يسأله العون:
 ( قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِيْنَ) (العنكبوت: 30).
 ( رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُون) (الشعراء: 169).
وهكذا استجاب الله لرسوله، فأرسل ملكين في صورة رجلين، مر هذان الملَكان على إبراهيم قبل أن يصلوا لوطاً، وأعطوه البشرى بأن امرأته ستلد له غلاماً، وشرح الملكان لإبراهيم سبب إرسالهم إلى قوم لوط: لقد حكم على قوم لوط المتغطرسين بالهلاك...
 ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّها المُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِيْنَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّنْ طِيْنٍ* مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلمُسْرِفِيْنَ ) (الذاريات: 31،34).
 (إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِيْنَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّها لَمِنَ الغَابِرِيْنَ ) (الحجر: 59-60)
.وبعد أن غادر الملَكان - وهما على هيئة رسولين - إبراهيم وصلوا لوطاً، اغتم لوط لمجيء الرسل في بادئ الأمر لأنه لم يكن قد رآهم قبلاً، إلا أنه هدأ بعد أن تكلما معه:
 ( وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ ) (هود:77).
 ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِماَ كَانُوا فِيْه يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِيْنَ ) (الحجر: 62-66).
في هذه الأثناء عرف القوم أن لوطاً يستضيف ضيوفاً، فلم يترددوا في إيذائهم بممارساتهم البشعة، فطوقوا منـزل لوط ينتظرون خروجهم، خاف لوط على ضيوفه من أن يلحق بهم الأذى فخاطب قومه قائلاً:
 ( قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِيْ فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوْا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ ) (الحجر: 68-69) .
فأجابه القوم:(قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِيْنَ ) (الحجر: 70).
ظن لوط أنه أصبح وضيوفه مُعَرَّضِين إلى تلك الممارسة الشيطانية فقال:
 (قَالَ لَو أَنَّ لِيْ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ ) (هود: 80) .
إلا أن ضيوفه ذَكَّروه بأنهم رسل الله إليه وقالوا:
 ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوآ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيْبُها مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ ) (هود: 81).
وعندما وصل شذوذ القوم الذُّرْوَةَ، أنقذ الله لوطاً بمساعدة الملَكين، وفي الصباح أُهلك القوم بالكارثة المدمرة التي أنذرهم بها لوط من قبل:
 (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً
عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ) (القمر: 37-38) .
وتصف لنا الآيات دمار القوم:
 (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِيْنَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيْلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ* وَإِنَّها لَبِسَبِيْلٍ مُّقِيْمٍ ) (الحجر: 73-76) .
 (فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارةً مِّنْ سِجِّيْلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِنْد رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ بِبَعِيْدٍ ) (هود: 82-83).
 (ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنْذَرِيْنَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِيْنَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ ) (الشعراء: 172-175) .
وعندما دُمِّرَ القوم لم ينج منهم إلا لوط ومن آمن معه، وهؤلاء جميعاً لم يكونوا يتعدون عدد أفراد الأسرة الواحدة. إلا أن امرأة لوط لم تكن من المصدقين فهلكت مع الهالكين.
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسآءِ بَلْ أَنْتُم قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الغَابِرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِيْنَ ) (الأعراف: 80-84) . 
وهكذا نجا لوط(ع) ومن معه من المؤمنين وعائلته إلا امرأته كانت من الغابرين. وكما ورد في التوراة : هاجر لوط مع إبراهيم عليهما السلام بعد أن هلك القوم الضالون ومسحت منازلهم وجه الأرض.
توضح الآية 82 من سورة هود ماهية العذاب الذي وقع على قوم لوط: ( فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) .
جملة ( جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) تشير إلى أن المنطقة قد أصابها هزة أرضية قوية، وهنا نجد أن بحيرة لوط، المكان الذي وقع فيه العذاب، تحمل دلائل واضحة عن كارثة كهذه.
يقول عالم الآثار الألماني وورنر كيلر:
غاص وادي سديم الذي يتضمن سدوم وغوموراه مع الشق العظيم، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، في يوم واحد إلى أعماق سحيقة، حدث هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة انفجارات، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل (1).
في الحقيقة، تعتبر منطقة البحر الميت، أو بحيرة لوط، منطقة زلزالية نشطة، أي منطقة زلازل.
وهو يقع في صدع تكتوني متجذر، ويمتد هذا الوادي 300كم على طول الوتر الواصل بين وبحيرة طبريا شمالاً الى منتصف وادي عربة جنوباً  (2).
أما الجملة الأخيرة من الآية: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) فربما تعني حدوث انفجار بركاني على ضفتي بحيرة لوط، ولهذا كانت الحجارة التي انطلقت ( مِنْ سِجِّيل ) تعرض الآية 173من سورة الشعراء لنفس الصورة: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ ).
وعن ذلك يقول وورنر كيلر:
"تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الضفة الغربية، بينما تترسب هنا الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت على مساحة واسعة من السطح الكلسي(3).
تدل هذه الحمم المتحجرة وطبقات البازلت على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة، وتبدو هذه الكارثة بالسياق القرآني ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) فالقرآن يشير، على أغلب الظن إلى هذا الانفجار البركاني، والله أعلم. وقوله تعالى: ( فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) يشير إلى وقوع الزلزال الذي استثار البركان لينفجر على سطح الأرض ليترك آثاراً مدمرة وشقوقاً وحمماً، والله أعلم.
الدلائل البينة والآيات الواضحة التي تظهر في بحيرة لوط مثيرة للغاية، بشكل عام تقع كل الأحداث التي يرويها القرآن في الشرق الأوسط، الجزيرة العربية ومصر، في منتصف هذه المناطق تماماً تقع بحيرة لوط. قد أثارت بحيرة لوط والمناطق المجاورة لها اهتمام الجيولوجيين، إذ تنخفض هذه البحيرة 400 متراً عن سطح البحر الأبيض المتوسط، وبما أن أخفض نقطة في هذه البحيرة تغوص حتى 400 متراً عن سطحها، إذن فقاع البحيرة يكون بانخفاض 800 متراً عن سطح البحر، وهذه أخفض نقطة على وجه الأرض، لا يتعدى عمق المناطق المنخفضة عن سطح البحر في البحر أكثر من 100 متراً. الخاصية الأخرى التي تختص بها هذه البحيرة دون غيرها هي الكثافة الملحية فيها والتي تبلغ 30% ، ولا تسمح هذه النسبة لا تسمح لأي نوع من الكائنات البحرية مثل الأسماك، الطحالب، الإشنيات وما إلى ذلك بالعيش فيها ، ولهذا سميت بالبحر الميت "Dead Seaفي الأدب الغربي
وحسب التقديرات: فإن قصة قوم لوط التي يرويها القرآن تعود إلى 1800 قبل الميلاد، لاحظ كيلر من خلال دراساته الجيولوجية والأثرية أن مدينتي سدوم وغومورا كانتا تقعان في وادي سديم الذي كان يشغل النهاية القصوى والأكثر انخفاضاً من بحيرة لوط، وأن هذه المنطقة كانت من أكثر المناطق سكاناً في هذه الأرض.
من أكثر الخصائص البنيوية لهذه البحيرة هو ذلك الدليل الذي يظهر واقعة الدمار كما رواها القرآن.
هناك قسم يشبه اللسان يشكل شبه جزيرة في شرقي بحيرة لوط،وهو يمتد حو داخل البحيرة وقد أطلق العرب على هذا القسم أسم "اللسان ,وهو يقسم قاع البحيرة تحت الماء الى قسمين,ولا يبدوا هذا ظاهراً للعيان فوق اليابسة.ومع أن القاع في يمين شبه الجزيرة هذه هو على عمق 400 م,الا أن الجانب الأيسر منها ضحل الى درجة محيرة. وقد أظهر السبر الذي أجري منذ عدة سنوات أن عمق الماء هنا يزيد عن 15 - 16 م، هذه المنطقة الضحلة تشكلت فيما بعد تكونت نتيجة الزلازل وما تبعتها من ترسبات للانهيارات الكبيرة التي حدثت في أعقابها .وهذه المنطقة هي منطقة سدوم وعامورا التي عاش فيها قوم لوط (4).
لاحظ وورنر كيلر هذا الجزء الضحل، الذي اكتُشف أنه قد تشكل فيما بعد، أنه حصل نتيجة الهزة الأرضية والانهيار الكبير الذي أحدثته هذه الهزة، هذه المنطقة هي التي كانت تشغلها سدوم وغومورا، أي: مسكن قوم لوط.
كان من الممكن في القديم الانتقال من هنا إلى الضفة المقابلة مشياً على الأقدام.أما الآن فإن الجزء السفلي من البحر الميت يغطي مدن سدوم وعامورا الموجودتان في وادي سديم.ونتيجة لانهيار القاعدة بسبب كارثة طبيعية مرعبة حدثت في الألف الثاني ق.م اندفعت المياه المالحة من الشمال إلى هذا الفراغ والتجويف الحادث وملأت هذا القسم تماماً.
قامت الأقمار الصناعة الأمريكية بتصوير قاع البحر فكشفت الصور ست نقاط على شكل مستطيل هي عبارة عن قرى مغمورة تحت البحر الميت يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

كما قامت إحدى الغواصات البريطانية الصغيرة بمسح قاع البحر الميت فكشفت وجود عدة بروزات كبيرة مغمورة بطبقة سميكة من الملح يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

بقايا من الأشجار القديمة عليها ترسبات ملحية تمتد في إحدى أطراف البحر الميت الضحلة
تبدو آثار قوم لوط واضحة... عندما تبحر في قارب عبر بحيرة لوط إلى أقصى نقطة جنوباً، وعندما تكون الشمس مرسلة أشعتها باتجاه اليمين، سترى شيئاً مذهلاً، على بعد معين من الشاطئ، وتحت ماء البحر الصافي تظهر حدود الغابات التي حفظتها ملوحة البحر الميت بشكل واضح: أغصان قديمة جداً، وجذور ضاربة في القدم تحت المياه الخضراء المتلألئة. وادي سديم... أجمل أماكن تلك المنطقة في ذلك الزمن، حيث كانت هذه الأغصان والأشجار خضراء يانعة ذات يوم والورود متفتحة...
تكشف الأبحاث الجيولوجية عن الناحية الديناميكية لكارثة قوم لوط، تقول هذه الدراسات: إن الزلزال الذي دمر القوم جاء نتيجة لتشكل صدع طويل في الأرض (خط التصدع) على بعد 190 كم ليشكل حوض نهر الشريعة، يشير انحدار نهر الشريعة نزولاً حوالي 180 كم، بالإضافة إلى انخفاض البحر الميت بمقدار 400 متر عن سطح الأرض إلى أن حادثاً جيولوجياً على جانب من الأهمية قد اتخذ مجراه في حقبة من الزمن .
تشكل البنية المثيرة لنهر الشريعة وبحيرة لوط جزءاً صغيراً فقط من الشق أو الصدع الذي يمر من هذه المنطقة من الأرض، لقد اكتُشِفَ مكان وطول هذا الصدع في أيامنا هذه فقط.
صورة للبحر الميت
صورة للبحر الميت عبر الأقمار الصناعية
يبدأ الصدع من مناطق جبال طوروس ويمتد جنوباً حتى بحيرة لوط، ثم يواصل امتداده خلال الصحراء العربية ليصل إلى خليج العقبة، ثم يستمر عبر البحر الأحمر لينتهي في إفريقيا، وعلى امتداد هذا الصدع لوحظت أنشطة بركانية، حيث يمكن ملاحظة الحجارة البازلتية والبركانية في جبل الجليل في فلسطين وفي المناطق المنبسطة والمرتفعة من الأردن وفي خليج العقبة والمناطق المجاورة.
تدل هذه الآثار والمعلومات الجيولوجية مجتمعة على أن بحيرة لوط قد شهدت كارثة جيولوجية مخيفة، كتب وورنر كيلر:
غاص وادي سديم الذي يتضمن سدوم وغومورا مع الشق العظيم، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، إلى أعماق سحيقة في يوم واحد، حدث هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة انفجارات، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل، تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الأردن قرب باشان، بينما تترسب الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت على مساحة واسعة من السطح الكلسي، تدل هذه الحمم المتحجرة وطبقات البازلت على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة."(5).
بقايا المدينة التي انزلقت إلى بحيرة لوط، والتي عثر عليها على ضفاف البحيرة
وتدل هذه البقايا على أن قوم لوط كانوا على مستوى معيشي راقي
أما مجلة "ناشونال جيوغرافي National Geographic"الجغرافية فقد حررت هذه المعلومات في كانون الأول من عام 1957:
يرتفع قمة جبل باتجاه البحر الميت ، لم يجد أحد حتى الآن المدن المدمَّرة: سدوم وغومورا، إلا أن الباحثين يرون أنهما كانتا في وادي سديم أمام المنطقة الصخرية، قد تكون مياه البحر الميت غمرتهما بعد زلزال مدمر(6).
1وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، الصفحات 57-76.2"عالم الإنجيل" علم الآثار والتاريخ تموز- آب 1993.3وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، صفحة 76.4المرجع السابق الصفحات 73-74.5المرجع السابق الصفحات 75-76.6إيرنست رايت "إحياء العهد القديم"، المجلة الجغرافية الوطنية مجلد 112 كانون الأول 1957 صفحة 833.

قصة موسى عليه السلام في التوراة والقرآن



الدكتور منصور العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن محاسن الأشياء تظهر جلية واضحة عند مقارنتها بأضدادها أي تلك الأشياء التي تفتقد إلى مثل هذا الحسن وذلك كما قال الشاعر "والضد يظهر حسنه الضد". وينطبق هذا الحال على القصة القرآنية فإن حسن بيانها وصدق ما ورد فيها من حقائق يتجلى بشكل واضح عند مقارنتها بقصة مماثلة لها ورد ذكرها في مصدر آخر كالتوراة مثلا. ولقد أكد الله في كتابه الكريم أن قصص القرآن هو أحسن القصص وهو كذلك القصص الحق وذلك في قوله تعالى "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ" يوسف 3 وقوله تعالى "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ" آل عمران 62. وعند مقارنة القصة القرآنية مع مثيلاتها في التوراة نجد أنها تتفق معها في بعض الحقائق وتقوم بتصحيح الأخطاء الواردة في البعض الأخر وغالبا ما تضيف القصة القرآنية حقائق جديدة لم تأتي القصة التوراتية على ذكرها أبدا. ونجد كذلك أن القصة القرآنية تأتي على ذكر تفصيلات دقيقة لا يمكن للقاص البشري أن يلاحظها كالخواطر التي تدور في عقول أشخاص القصة والأحداث التي تجري في غياب الشاهد البشري عليها وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم "فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ" الأعراف 7 والقائل سبحانه "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ" الكهف 13. وفي هذه المقالة سنقارن قصة موسى عليه السلام في الفترة الممتدة ما بين مولده وهجرته إلى مدين والعيش فيها بجوار كاهن مدين بعد أن زوجه إبنته وذلك كما وردت في نص التوراة ونص القرآن. وسنبين أن هناك فرقا شاسعا بين مستوى النصين من حيث الفصاحة ومن حيث صحة الحقائق الواردة فيها. وأنصح القاريء بأن يقرأ نص التوراة أولا ويتدبره ليكتشف بنفسه التناقض الموجود في بعض الحقائق المذكورة فيه ثم يقوم بقراءة النص القرآني ويتدبره ويقارن الحقائق الواردة فيه مع الحقائق الواردة في النص التوراتي ليجد أنها هي الحقائق الصحيحة. ولو أن هذا القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وأنه قد أخذ محتويات القرآن الكريم من كتب من سبقه من الرسل كما يزعم المبطلون لتقيد بالحقائق الواردة فيها ولما قام بتصحيحها ولكن هذا القرآن هو تنزيل من رب العالمين القائل سبحانه "وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" القصص 44-46.          
جاء ذكر قصة موسى عليه السلام منذ مولده إلى وصوله إلى مدين في الأصحَاحُ الثَّانِي من سفر الخروج بما نصه "وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي، 2فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ، خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. 3وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ. 4وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. 5فَنَزَلَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى النَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ، وَكَانَتْ جَوَارِيهَا مَاشِيَاتٍ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ. فَرَأَتِ السَّفَطَ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ، فَأَرْسَلَتْ أَمَتَهَا وَأَخَذَتْهُ. 6وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ الْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: «هذَا مِنْ أَوْلاَدِ الْعِبْرَانِيِّينَ». 7فَقَالَتْ أُخْتُهُ لابْنَةِ فِرْعَوْنَ: «هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ امْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ الْوَلَدَ؟» 8فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي». فَذَهَبَتِ الْفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ الْوَلَدِ. 9فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي بِهذَا الْوَلَدِ وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ». فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ. 10وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: «إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ». 11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. 13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟». فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: «حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ». 15فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ الْبِئْرِ. 16وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَاسْتَقَيْنَ وَمَلأْنَ الأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ. 17فَأَتَى الرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ. 18فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي الْمَجِيءِ الْيَوْمَ؟» 19فَقُلْنَ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي الرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ اسْتَقَى لَنَا أَيْضًا وَسَقَى الْغَنَمَ». 20فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: «وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ؟ ادْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَامًا» 21فَارْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ الرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ابْنَتَهُ. 22فَوَلَدَتِ ابْنًا فَدَعَا اسْمَهُ «جَرْشُومَ»، لأَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ»".
أما قصة موسى عليه السلام فقد وردت متفرقة في سور كثيرة من القرآن الكريم ولكن القصة التي تغطي الفترة المذكورة آنفا فقد وردت في أول سورة القصص وذلك في قوله تعالى "طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوَسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)". 
إن الذي يقرأ النص التوراتي والنص القرآني يلاحظ على الفور الفرق الشاسع بين مستوى النصين من حيث قائل النص ومن حيث فصاحة النص. فعند قراءة النص التوراتي تكتشف أن الذي كتبه أحد أفراد البشر فالركاكة واضحة فيه من أول جملة فيه "وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي، فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا" وقد تثير هذه الجملة الضحك لقلة ما تحمله من معاني بل إن بعض كتاب البشر أقدر على الإتيان بنص أرقى منه من حيث المحتوى والفصاحة. أما عند قراءة النص القرآني فتحسن أن المتكلم لا يمكن أن يكون من البشر ولك أن تقارن قول الله سبحانه وتعالى "طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" مع تلك البداية التي بدأ بها كاتب نص التوراة. وسنقارن فيما يلي الحقائق الواردة في النصيين ليتبين للقاريء أن النص القرآني أصدق قيلا من النص التوراتي وصدق الله العظيم القائل "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا" النساء 122.   
فالحقيقة الأولى هي أن الكتب المقدسة أنزلها الله على البشر للتدليل على وجوده سبحانه ولتعريفهم بصفاته وأنه هو الذي يسير كل جزيئة في هذا الكون بمشيئته ولا يتم أمر فيه إلا بإذنه سبحانه. وعند تفحص نص القصة في التوراة نجد أنها تخلو تماما من أي ذكر لله وهي مجرد سرد لأحداث مليئة بالتناقضات علاوة على أنها قد كتبت بلغة غير فصيحة. أما القصة في القرآن فإنها تزخر بذكر الله وتظهر أن يد الله هي التي كانت تسير جميع أحداث هذه القصة وبهذا فهي ترسخ مبدأ الإيمان بالله في نفس القارئ لها. فالله هو الذي أوحى لأم موسى بأن تلقيه في النهر وهو سبحانه الذي وعدها بإرجاعه إليها وهو الذي بشرها بأنه سيكون نبيا من المرسلين والله هو الذي جعل التابوت الذي وضع فيه موسى عليه السلام يرسو على ساحل النهر المحاذي لقصر فرعون وهو الذي ألقى محبة إمرأة فرعون له لكي لا يقتله فرعون وهو سبحانه الذي حرم عليه المراضع وذلك لكي لا ترضعه إلا أمه وإلى غير ذلك من الأحداث. والنص التوراتي كذلك لا يعلق على الأحداث أبدا بينما نجد أن النص القرآني يقيم الأحداث فيمتدح الأعمال الصالحة ويذم الأعمال السيئة فعندما قتل موسى عليه السلام الرجل المصري لم يذكر النص التوراتي أن هذا الفعل فعل خاطيء بينما نجد أن النص القرآني لم يقر مثل هذا الفعل وذلك من خلال ندم موسى عليه السلام على فعلته وطلبه المغفرة من الله.  
أما الحقيقة الثانية فهي أن الذي كتب نص القصة التوراتيه لا بد أن يكون من البشر فقد كان جل إهتمامه أن يذكر أن أب موسى وكذلك أمه كانا من قبيلة لاوي اليهودية "وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي، فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا" وأن يبين كذلك مواصفات التابوت الذي وضع فيه موسى عليه السلام "وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ". أما نص القصة القرآنية فقد كتبها من أحاط علمه بكل شيء فبدأ القصة بذكر الجو العام والظروف التي تمت في أجوائها هذه القصة فذكر الحال الذي كان عليه بنو إسرائيل قبل مولد صاحب القصة موسى عليه السلام حيث أن فرعون قد تسلط عليهم وقام بإذلالهم وكان يقوم بفتل أطفالهم الذكور ويبقي على إناثهم فقال عز من قائل "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ". وذكر النص أن الله أراد أن يمن على بني إسرائيل فينجيهم من هذا الذل ويجعلهم أئمة للناس فقال عز من قائل "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ". ولو أن هذا القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم كما يدعي اليهود لما قال أن الله قد جعل منهم أئمة للناس وأنهم هم الوارثين خاصة وأنهم ناصبوه العداء منذ ظهور دعوته عليه الصلاة والسلام.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن نص التوراة لم يذكر السبب الذي دعا فرعون لقتل المواليد الذكور من بني إسرائيل واستبقاء إناثهم بينما أشار نص القرآن إلى هذا السبب وذلك في قوله تعالى "وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ" وقد شرح رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما الذي كان بحذر منه فرعون وقومه حيث أن الكهنة والمنجمين قد أخبروا فرعون بأن ملكه سيزول على يد فتى من بني إسرائيل فأمر جنوده بقتل كل مولود ذكر منهم. وتؤكد الآية على أنه مهما كانت الاحتياطات التي يتخذها البشر لصرف المكروه عنهم فإن قدر الله عليهم لا بد وأن ينفذ ومهما مكروا فإن مكر الله بهم أشد ولذلك فقد قدر الله أن يعيش الطفل الذي سيزول ملك فرعون على يديه في بيت فرعون وتحت سمعه وبصره فقال عز من قائل "فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ".
أما الحقيقة الرابعة فهي التناقض الواضح في نص التوراة حول الطريقة التي تمت بها عملية إنقاذ موسى عليه السلام من القتل حيث قررت أمه أن تبقيه في بيتها عندما رأت أنه حسن وبعد أن خافت عليه أمرت أخته أن تضع التابوت الذي وضع فيه الطفل بين أشجار الحلفاء على حافة النهر المحاذي لقصر فرعون وأن تراقبه من بعيد وبمجرد أن عثرت إبنة فرعون على التابوت وقامت بفتحه حيث وجدت فيه طفلا صغيرا عرضت أخته عليها أن تدلها على مرضعة له فوافقت على الفور دون إستشارة أبيها فرعون. ويمكن لأي أحد أن يكتشف التناقض في هذا السيناريو فالتناقض الأول أن الأم تخاف على طفلها سواء أكان جميلا أم قبيحا والتناقض الثاني أن أخت موسى عليه السلام قامت بوضع أخيها بجانب فصر القاتل الأكبر فرعون وكان الأجدر به أن تضعه في مكان بعيد عن قصر فرعون فربما وقع الطفل في يد شخصا أرق قلبا من فرعون أما التناقض الثالث فهو أنه لا لزوم للتابوت المطلي بالزفت حيث كان بإمكان أخته أن تضعه على البر بجانب القصر طالما أنها كانت قادرة للوصول إلى حمى القصر بمثل هذه السهولة أما التناقض الرابع فهو أن أخت موسى كانت تراقب التابوت من بعيد ولكن النص يظهرها فجأة واقفة مع إبنة فرعون فور العثور على الطفل تعرض عليها مرضعة للطفل وهذا مدعاة للشك بأنها هي التي قامت بوضع الطفل في هذا المكان ولا بد أنه يخصها فيقومون بقتله.
أما السيناريو في القصة القرآنية فهو من الإحكام بحيث لا يمكن أن تجد فيه أي خلل حيث أن أم موسى قد وضعت طفلها في التابوت وألقته في النهر بعد أن خافت عليه من القتل مصداقا لقوله تعالى في سورة أخرى من القر’ن "إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" طه 38-39. ولقد طلبت أم موسى من إبنتها أن تراقب عن بعد دون أن يشعر بها أحد حركة التابوت في النهر لتعرف ما سيكون مصيره وقد رأت البنت أن التابوت قد جنح واستقر على ساحل النهر أمام قصر فرعون فقام آل فرعون بالتقاطه وأحضروه إلى القصر ليجدوا فيه طفلا رضيعا لم يشكوا أبدا  أنه من أولاد بني إسرائيل. لقد ألقى الله سبحانه وتعالى محبته على موسى ولذلك فقد أحبته إمراة فرعون وليس إبنته كما جاء في نص التوراة فليس من المعقول أن تتبنى البنت إبنا وهي في بيت أبيها. ولقد ألحت إمرأة فرعون على زوجها أن لا يقتل هذا الطفل العبراني بعد أن تعلقت به وعرضت عليه أن يتخذوه ولدا لهم دون أن يشعر بذلك العبرانيون فوافق فرعون على مضض فربما أن هذا الطفل هو من سيزول ملكه على يديه ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولكي يعيد الله هذا الطفل إلى أمه كما وعدها سبحانه فقد أبى الطفل بتدبير من الله أن يرضع من جميع المرضعات اللاتي أحضرتهن إمرأة فرعون وبعد بحث مضني من آل فرعون عن مرضعة جديدة دلتهم أخت موسى على أمها لكي ترضعة لهم  فقبل الطفل ثديها فأعادوه إليها لكي تكون مرضعة له.
أما الحقيقة السادسة فهي أن النص التوراتي جعل من موسى عليه السلام مجرما محترفا من خلال الطريقة التي قتل بها الرجل المصري حين وجده يقتتل مع الإسرائيلي فقد تلفت موسى عليه السلام  يمينا وشمالا وبعد أن تأكد أنه لا يوجد من يشاهده قام بقتل المصري وطمره في التراب أي أن موسى قام بقتل المصري مع سبق الإصرار كما يقولون. أما النص القرآني فقد ذكر أن موسى عليه السلام قد انتصر للإسرائيلى في شجاره مع المصري وقام بضرب المصري بقضبة يده دون أن يقصد أن يقتله ولكن كانت الضربة من القوة بحيث أدت إلى موت المصري. والدليل على ذلك أنه عليه السلام قال على الفور إن هذا الفعل من عمل الشيطان واستغفر الله من هذا الذنب الذي اقترفه دون قصد فغفر الله له. وربما يقول قائل أن الفراعنة كانوا يقتلون أبناء الإسرائيليين ويسومونهم سوء العذاب فلا ضير أن يقوم موسى عليه السلام أو غيره بقتل من يقع تحت أيديهم من المصريين ولكن هذا منطق البشر أما هدي رب العالمين فإن هذا المصري البريء لا يجوز أن يقتل بجريرة أفعال فرعون الظالم إلا إذا كان هذا الرجل مع فرعون  في ساحة معركة. ويذكر النص التوراتي أن الرجلين الذين كانا يقتتلان في اليوم التالي هما من بني إسرائيل "ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟» " بينما يؤكد النص القرآني على أن أحدهما كان مصريا حيث لا مصلحة لموسى عليه السلام لأن ينتصر لإسرائيلي على إسرائيلي كما جاء في قوله تعالى "فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوَسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ  فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ".  
أما الحقيقة السابعة فهي أن النص التوراتي ذكر أن لكاهن مدين سبع بنات وقد قمن كلهن بالذهاب إلى بئر مدين لسقي غنم أبيهن وبعد أن قمن بملء الأجران بالماء أتى الرعاة فقاموا بطردهن فقام موسى عليه السلام الذي كان جالسا بالقرب من البئر بنجدتهن وسقى لهن غنمهن. والتناقضات في النص التوراتي واضحة جدا فإنه من غير المعقول أن تذهب جميع بنات كاهن مدين السبع لسقي غنم أبيهن فيكفي أن تذهب واحدة أو إثنتان أو ثلاثة على الأكثر للقيام بهذه المهمة وتبقى الأخريات في خدمة أبيهن الشيخ الكبير وتدبير شؤون المنزل وكذلك فإن هذا النص يظهر أن بنات الكاهن كن في غاية الغباء فهذه ليست المرة الأولى التي يقمن فيها بسقي غنمهن ولا بد أن الرعاة قد قاموا بطردنهن في السابق ومن الغباء أن تقوم البنات بتكرار الخطأ كل يوم فيقمن بملء الأجران ثم يقوم الرعاة بطردهن ثم يعدن لملئها بعد أن يصدر الرعاة عن البئر.
 أما النص القرآني فيقول أنه عند وصول موسى عليه السلام إلى بئر مدين وجد الرعاة عليه يقومون بسقي أغنامهم وقد رأى فتاتين على مقربة من البئر يحاولن بعناء منع غنمهن من الوصول إلى البئر فالغنم العطشى بعد يوم من الرعي تتفلت تفلتا شديدا لكي تصل إلى الماء ولقد أثر منظر الفتاتين وهن يتراكضن أمام الغنم لصدها عن الماء في نفس موسى فذهب عليه السلام إليهن وسألهن عن شأنهن فقلن أنهن لا يسقين غنمهن إلا بعد أن يصدر الرعاة عن البئر وأخبرنه أن الذي دفعهن لرعي الغنم أن أبيهن شيخ كبير لا يمكنه أن يرعى ولا أن يسقى الغنم فقام عليه السلام بسقى الغنم لهن. إن السبب الذي منع البنتين من سقي غنمهن مع بقية الرعاة ليس لخوفهن من أن يقوموا بطردهن فلا مصلحة للرعاة بمنعهن عن البئر فجميع أغنام مدين تشرب منه ولكن السبب هو أن البنتين لم يكن يرغبن بمخالطة الرعاة والاحتكاك بهم ومدافعتهم على البئر وذلك بسبب صلاحهن وكذلك حيائهن ويظهر هذا الحياء عندما ذهبت إحداهن لدعوة موسى عليه السلام إلى بيت أبوها ليجزيه على عمله فقد كانت تمشي على استحياء وهي متوجهة إليه.
أما الحقيقة الثامنة فهي أن نص التوراة وذلك على عكس النص القرآني لم يحدد المدة التي مكثها موسى عليه السلام في مدين ولم يذكر أن موسى عليه السلام قد قص على كاهن مدين كل ما جرى معه من أحداث في مصر وأنه جاء هاربا من بطش فرعون فقام الكاهن بطمأنته في أنه قد أصبح في مكان آمن. وبعد أن تبين لكاهن مدين أن موسى عليه السلام رجل صالح وكذلك قوي وأمين كما شهدت له بذلك إبنته عرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يعمل عنده ثمان سنوات وإذا ما أتمهن عشرا فسيكون ذلك تفضلا منه. وكما ذكرنا سابقا فإن نص التوراة يسرد الأحداث دون أن يبرز الخصائص الإيمانية في أشخاصها بينما أظهر النص القرآني صلاح البنتين من خلال عدم مخالطتهن للرعاة وصلاح أبيهما وهو يرسل إبنته وراء موسى عليه السلام ليرد له المعروف الذي صنعه مع ابنتيه وصلاح ومروءة موسى عليه السلام عندما ساعد البنتين على سقي غنمهن رغم أنه رجل غريب على أهل مدين وكذلك تعلقه بربه حين قال وهو جالس تحت ظل الشجرة "رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ".
للتواصل مع الكاتب: mabbadi@just.edu.jo  

الأحقاف مساكن قوم عاد


الدكتور منصور أبو شريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
أن تسمى سورة من سور القرآن الكريم باسم المكان الذي سكنه قوم قد أهلكهم الله بعد أن كفروا بالله وكذبوا رسله لا بد وأن يكون لحكمة بالغة يريد الله منها لفت أنظار البشر لهذا المكان وكشف ما به من عجائب قدرته. فالأحقاف هو اسم إحدى سور القرآن الكريم وهو اسم المنطقة التي سكنها قوم عاد وهم قوم نبي الله هود عليه السلام.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد وصف المدينة التي سكنها هؤلاء القوم وهي إرم ذات العماد بأنها لم يخلق مثلها في البلاد فإن في رمال الأحقاف التي تحتضن هذه المدينة تحت رمالها من العجائب الطبيعية ما يفوق أضعافا مضاعفة ما يبنيه الإنسان من أبنية وقصور.
وفي هذه المقالة سنوضح كيف أن صور الجوجل إيرث تكشف كثير من اللوحات الطبيعية الموجودة في منطقة الأحقاف والتي رسمتها الرياح والمياه على سطح الرمال بتقدير من الله سبحانه وتعالى.
وإلى جانب ذكر مكان سكنى قوم عاد بالاسم الصريح في القرآن الكريم وذلك على عكس بقية الأقوام البائدة فقد تضمنت الآيات القرآنية التي تتحدث عنهم وعن مصيرهم بعض الإشارات التي ستساعدنا في تحديد في أي جزء من الأحقاف تقع مدينتهم إرم وذلك بالاستعانة بالصور المأخوذة من الجوجل إيرث لمنطقة الأحقاف. ويمكن للقارئ الرجوع إلى مقالة "اكتشاف مساكن قوم عاد" بقلم الأستاذ فراس نور الحق المنشورة على موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لمزيد من التفصيلات.
لقد ورد ذكر المكان الذي كان يسكنه قوم عاد في سورة الأحقاف في قوله تعالى "وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)" الأحقاف. وقبل أن نقوم بتحديد مكان منطقة الأحقاف لا بد من شرح معنى الأحقاف كما ذكر في تفاسير القرآن فقد ذكر ابن كثير في تفسيره أن الأحقاف هي جبال الرمل أما الماوردي فقد عرفها تعريفا دقيقا في تفسيره يتوافق تماما مع صور الجوجل إيرث فقال: (الأحقاف جمع حقف وهي ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولا يبلغ أن يكون جبلا). أما موقع منطقة الأحقاف فقد أوردت التفاسير أقوال مختلفة ولكن معظمها يجمع على أنها في جنوب جزيرة العرب ما بين اليمن وعمان على تخوم الربع الخالي الجنوبية أو ما يسمى بالأحقاف. فقد قال مجاهد عن مكان الأحقاف بأنها أرض من حسمي وقال ابن زيد هي بالسحر في اليمن وقال الضحاك هي جبل بالشام وقال ابن اسحاق هي ما بين عمان وحضرموت وقال ابن عباس هو واد بين عمان ومهرة. وحاليا تطلق منطقة الأحقاف على الأجزاء الشرقية من حضرموت اليمنية ومحافظتي المهرة وظفار العمانيتين.
وإذا ما اعتمدنا على أن معنى الأحقاف هو ما استطال وأعوج من الجبال الرملية كما عرفها الماوردي في تفسيره فإن منطقة الأحقاف لا يمكن أن تكون إلا في الجزء الجنوبي من الربع الخالي وذلك لخلو بقية شبه الجزيرة العربية والشام والعراق وكذلك مصر من مثل هذه الجبال الرملية المستطيلة والمعوجة. وتشكل منطقة الأحقاف جزءً كبيراً من الربع الخالي وهي كامل الجزء الجنوبي منه وتمتد من الغرب إلى الشرق على شكل شريط بطول يزيد عن ألف ومائتي كيلومتر وبعرض يتراوح بين خمسين وثلاثمائة كيلومتر. وتقع بداية جبال الأحقاف الرملية من جهة الغرب في داخل اليمن على بعد مائة وخمسون كيلومتر شرق مدينة صنعاء أما نهايتها فتقع من جهة الشرق في الإمارات العربية على بعد مائة كيلومتر من مدينة العين على الخليج وذلك عند واحة ليوا كما هو واضح في الصورة التالية والتي تظهر فيها منطقة الأحقاف باللون البني كما وردت في جوجل إيرث.
ويبلغ ارتفاع منطقة الأحقاف عند بدايتها في اليمن ألف ومائة متر عن سطح البحر وتقل تدريجيا كلما اتجهت شرقا حتى تصل إلى مائة متر عند نهايتها في الإمارات. ويقع ما طوله مائة كيلومتر من الأحقاف في اليمن ثم بطول ستمائة كيلومتر بين اليمن والسعودية ثم بطول مائتي كيلومتر بين السعودية وعمان حيث تقع إرم ذات العماد ثم بطول ثلاثمائة كيلومتر في السعودية وأخيرا خمسين كيلومتر في الإمارات.
تتكون منطقة الأحقاف في الجزء اليمني وكذلك الجزء السعودي اليمني من جبال أو كثبان رملية مستطيلة أو شريطية الشكل ومتوازية وهي في غاية الانتظام من حيث المسافة بين الكثبان المتجاورة وكذلك عرض وارتفاع الكثيب. فالمسافة بين الكثبان المتجاورة تكون أكبر ما يكون عند بدايتها في الجزء اليمني حيث تصل إلى خمسة كيلومترات وتقل إلى كيلومترين عند نهاية الجزء السعودي اليمني أما عرض الكثيب فيتراوح بين كيلومتر عند البداية ويقل لنصف كيلومتر عند النهاية وأما ارتفاع الكثيب فيتراوح بين خمسين مترا ومائة وخمسين مترا. وتوضح الصور التالية الكثبان الرملية في الجزء اليمني وهي أكثر كثبان الأحقاف انتظاما ففي الصورة الأولى تظهر بداية تكون الكثبان في الجزء اليمني ويظهر في الصورة كيف أن بعض الكثبان يمتد لمسافة عدة مئات من الكيلومترات دون أن ينقطع فالخط الأصفر في نهاية الصورة هو الحدود اليمنية والسعودية. أما الصورة الثانية والثالثة فتبين مدى الانتظام في هذه الكثبان وعلى الرغم من أن الصورة تظهر الكثبان وكأنها جبال صلبة إلا أنها رمال في غاية النعومة ولكنها تحافظ على أشكالها المنتظمة رغم تعرضها للرياح.
أما كثبان الأحقاف في الجزء العماني فهي أقل انتظاماً من تلك التي في الجزء اليمني واليمني السعودي. ويعود عدم الانتظام هذا إلى تداخل العوامل التي شكلت هذه الكثبان حيث غيرت مياه الأودية الكبيرة التي تصب في رمال الأحقاف من تضاريس الكثبان الرملية التي شكلتها الرياح. وتظهر الصور التالية أشكال الكثبان في هذه المنطقة من الأحقاف والتي سنبين فيما بعد أن هذه المنطقة هي المكان المحتمل لمساكن قوم عاد ومدينتهم إرم ذات العماد.
أما الجزء السعودي والذي يحتوي على أكبر نسبة من الكثبان الرملية فإنه يضم أكبر تشكيلة من اللوحات الفنية للكثبان الرملية.
ويقول علماء الجيولوجيا أن هذا الجزء من الأحقاف يحتوي على كميات ضخمة من المياه الجوفية. وأما الجزء الإماراتي من الأحقاف فعلى الرغم من صغر مساحته إلا أنه يحتوي على لوحات فنية للكثبان الرملية في غاية الروعة خاصة إذا ما تخللتها واحات النخيل. وستساعدنا هذه الصور لتلك المنطقة في فهم الكيفية التي تم بها دفن قوم عاد ومدنهم ومزارعهم تحت رمال هذه الكثبان. وتظهر الصورة الأولى المنظر العام لنهاية منطقة الأحقاف في الإمارات العربية ويظهر في الصورة جزء من أحقاف السعودية وتبين الصورة كيف أن الأحقاف تنتهي على شكل قوس بطول لا يتجاوز مائتي كيلومتر وكيف أن المياه التي تجمعها رمال الأحقاف من جبال اليمن وعمان تفيض عند نهايتها لتسقي واحات ضخمة تمتد على طول مائة كيلومتر وهي واحة ليوا الإماراتية كما تظهر باللون الأسود . أما الصور الأخرى فتبين بعض اللوحات الفنية للكثبان الرملية في منطقة السعودية والإمارات وتبين كذلك بعض واحات ليوا التي تقع بين الكثبان الرملية بينما تبين الصورة الأرضية إحدى هذه الواحات.
ونعود الآن لتحديد في أي جزء من الأحقاف يوجد المكان الذي سكنه قوم عاد وذلك على ضوء الآيات القرآنية التي تحدثت عن هؤلاء القوم. وكما هو معروف فإن المدن والقرى تبنى حيث توجد مصادر المياه التي يشرب منها البشر ويسقون منها أنعامهم ومزروعاتهم وعادة ما تزدهر هذه المدن وتظهر فيها الحضارات إذا ما توفرت المياه بشكل دائم وبكميات كافية كما هو الحال مع الحضارات التي ظهرت على أنهار النيل والفرات ودجلة. لقد حدد القرآن الكريم أن قوم عاد كانوا يعتمدون على مياه العيون المنتشرة بين كثبان الأحقاف وذلك مصداقا لقوله تعالى "وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)" الشعراء. وإنه من غير المستغرب أن تتفجر هذه العيون من بين رمال هذه الصحراء القاحلة إذا ما علمنا أن كميات هائلة من مياه الأمطار التي تسقط على مرتفعات اليمن وعمان المحاذية للأحقاف من الجهتين الغربية والجنوبية تصب في رمال الأحقاف. إن مياه الأمطار الموسمية التي تسقط على سلسلة جبال حضرموت وعمان والتي يبلغ طولها أكثر من ستمائة كيلومتر وبعرض يزيد عن مائتي كيلومتر تصل في النهاية إلى رمال الأحقاف من خلال عدد كبير من الأودية. وبما أن مستوى مياه العيون التي يتم حفرها فيما بين الكثبان يتأثر تأثرا مباشرا بكميات الأمطار التي تهطل على سفوح الجبال فإن قوم عاد كانوا يستبشرون خيرا عندما تنزل الأمطار على أوديتهم مصداقا لقوله تعالى "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)" الأحقاف.
إن المياه التي تصب في رمال الأحقاف الممتدة من اليمن غربا إلى الحدود اليمنية العمانية بطول سبعمائة كيلومتر لا تكاد تستقر فيها بل تجري باتجاه الشرق بسبب ميلانها الكبير فهي تبدأ بارتفاع ألف ومائة متر وتنتهي بارتفاع مئتين وخمسين متر. أما الجزء الذي يمتد من الحدود اليمنية العمانية إلى نهايتها في الإمارات مرورا بالسعودية بطول خمسمائة كيلومتر فإن ميلانها منخفض جدا حيث تبدأ بمئتين وخمسين مترا وتنتهي بمائة متر ولذلك فإن المياه الجوفية تتجمع بشكل كبير تحت رمال الصحراء وتسير ببطء باتجاه واحة ليوا الاماراتية. ومن الواضح من الصورة التالية أن المكان الأكثر احتمالا لمساكن قوم عاد هي الأحقاف الموجودة في المنطقة العمانية وذلك لأسباب كثيرة. أولها أن هذه المنطقة تغذى بالمياه من واديين عظيمين (باللون الأبيض) تمتد تفرعاتها النهائية على مدى مائتي كيلومتر من جبال حضرموت وعمان كما واضح من صورة جوجل إيرث التالية.
وثانيها أن المياه التي تجمعها الأحقاف الموجودة في الجزء اليمني تصب في النهاية في هذه المنطقة بسبب ميلانها الكبير كما ذكرنا سابقا.
أما ثالثها فهي اتساع منطقة الأحقاف في هذا الجزء منها وكذلك سهولة المنطقة الجبلية المحيطة بها مما يسهل من بناء المدن والقرى حول الأحقاف بينما يتم إنشاء المزارع فيما بين الكثبان الرملية التي تحتفظ بالمياه على شكل مياه جوفية كما هو الحال في واحة ليوا الإماراتية كما هو واضح من الصور السابقة.
وإلى جانب هذه الأسباب فإن المكتشفات الأثرية في هذه المنطقة تؤكد على أن هذه المنطقة هي المنطقة المحتملة لوجود مدينة إرم ذات العماد والتي وصفها القرآن الكريم بأنها لم يخلق مثلها في البلاد من حيث عظم وجمال أبنيتها وذلك في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)" الفجر.
ومما يؤكد على صحة فرضية وجود مدينة إرم في هذه المنطقة هو المصير الذي آلت إليه هذه المدينة والطريقة التي حل بها عذاب الله بالقوم الذين كانوا يسكنونها كما ورد ذلك في القرآن الكريم.
فقد جاء في القرآن الكريم أن قوم عاد قد أهلكوا بالريح والتي وصفها الله بأوصاف مختلفة ومخيفة تبين مدى العذاب الذي حملته لقوم عاد كما في قوله تعالى "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيةٍ (8)" الحاقة وقوله تعالى "كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)" القمر وقوله تعالى "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)" فصلت وقوله تعالى "وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)" الذاريات.
إن هذه الآيات تحدد صفات الريح التي أرسلت إلى عاد فهي أولا ريح صرصر أي ريح باردة جدا ولهذا فلا بد أنها كانت قادمة من الشمال مما يعني أنها ستمر على صحراء الربع الخالي المفتوحة ذات الرمال الناعمة. وهي ثانيا ريح عاتية أي أن سرعتها بالغة العلو قد تصل لعدة مئات من الكيلومترات في الساعة وهي ذات قوة تدميرية عالية بحيث أنها تنزع الناس والحيوانات والأشجار وتطير بهم في الهواء كما نرى في الأعاصير المدمرة التي تضرب مناطق كثيرة من العالم فتحدث تدميرا كبيرا فيها.
ومن الواضح من الآيات أن هذه الريح كانت عاصفة رملية ضخمة (أنظر صورة العاصفة الرملية التالية)
تحمل كميات كبيرة من رمال الربع الخالي فأمطرتها على مدينة إرم التي تقع على حافة الأحقاف بعد أن اصطدمت بسلسلة الجبال التي تقع خلف مدينة إرم. لقد دفنت رمال العاصفة جميع مزارع عاد التي تقع بين الكثبان ومعظم المدينة كذلك والتي لم يظهر منها في ذلك الحين إلا الأجزاء العليا من مساكنهم والتي دفنت بشكل نهائي مع مرور آلاف السنين مصداقا لقوله تعالى "تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)" الأحقاف. ويمكنك تخيل ما حل بمدينة إرم وواحاتها المنتشرة بين الأحقاف جراء العاصفة الرملية إذا ما تفكرت في مصير الواحة الظاهرة في الصورة العليا والمحاطة بالكثبان الرملية من كل جهة إذا ما تعرضت لعاصفة رملية مماثلة (لا سمح الله). أما الصفة الأخيرة والعجيبة لهذه الريح فهي مدة هبوبها حيث استمرت بالهبوب لمدة سبع ليال وثمانية أيام متواصلة دون انقطاع أي ما يساوي مائة وثمانون ساعة وعند الرجوع لما يقوله العلماء عن أطول مدة لبقاء العواصف وجدت أنها مائتي ساعة فسبحان القائل "فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)" الأعراف.
يستقبل الدكتور منصور العبادي استفساراتكم وآرائكم على الإيميل التالي:
mabbadi@just.edu.jo
المراجع
1- القرآن الكريم
2- تفسير النكت والعيون للماوردي
3- تفسير القران العظيم للإمام الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي
4- الجوجل إيرث
لمزيد من المقالات للكاتب:
http://mansourabbadi.maktoobblog.com/

ذو القرنين شخصية حيرت المفكرين أربعة عشر قرنا و كشف عنها - أبو الكلام أزاد -


بقلم الدكتور عبد المنعم النمر رحمه الله
وزير أوقاف سابق وكاتب إسلامي مصري
قال الله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))[سورة الكهف].
ماذا قاله المفسرون و المؤرخون عن ذو القرنين ؟
 يذكر تفسير الكشاف للزمخشري : أنه الإسكندر و قيل أنه عبد صالح. نبي. ملك، و ذكر رواية عن الرسول صلي الله عليه و سلم، أنه سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقا و غربا. و قيل كان لتاجه قرنان. كان على رأسه ما يشبه القرنين.. و الإمام ابن كثير : يذكر في تفسيره : أنه الإسكندر ثم يبطل هذا. كان في زمن الخليل إبراهيم عليه السلام و طاف معه بالبيت. و قيل عبد صالح. و أورد في تاريخه " البداية و النهاية " جـ 2 ص 102 مثل ذلك و زاد أنه نبي أو مَلَك. أما القرطبى في تفسيره فقد أورد أقوالا كثيرة أيضا : كان من أهل مصر و اسمه " مرزبان "، و نقل عن ابن هشام أنه الاسكندر، كما نقل روايات عن الرسول صلي الله عليه و سلم، بأنه ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب. و عن عمر و عن على رضي الله عنهما بأنه مَلَك.. أو عبد صالح و هي روايات غير صحيحة. و قيل أنه الصعب بن ذي يزن الحميرى، و كلها روايات و أقوال تخمينية و لا سند لها. أما الآلوسى في تفسيره، فقد جمع الأقوال السابقة كلها تقريبا، و قال : لا يكاد يسلم فيها رأى، ثم اختار أنه الاسكندر المقدوني و دافع عن رأيه بأن تلمذته لأرسطو، لا تمنع من
صورة لأبو الكلام آزاد
أنه كان عبدا صالحا.. أما المفسرون المحدثون فكانوا كذلك ينقلون عن الأقدمين.
موقف أبو الكلام آزاد من هذه الأقوال
لم يرتض أبو الكلام آزاد (عالم الهند المعروف ترجم معاني القرآن إلى اللغة الأوردية) قولا من هذه الأقوال، بل ردها، و قال عنها: إنها قامت على افتراض مخطيء لا يدعمه دليل، و عنى بالرد على من يقول بأنه الإسكندر المقدوني.. بأنه لا يمكن أن يكون هو المقصود بالذكر في القرآن، إذ لا تعرف له فتوحات بالمغرب، كما لم يعرف عنه أنه بنى سدا، ثم إنه ما كان مؤمنا بالله، و لا شفيقا عادلا مع الشعوب المغلوبة، و تاريخه مدون معروف. كما عنى بالرد على من يقول بأنه عربي يمني.. بأن سبب النزول هو سؤال اليهود للنبي عليه الصلاة و السلام عن ذي القرنين لتعجيزه و إحراجه. و لو كان عربيا من اليمن لكان هناك احتمال قوي لدي اليهود- على الأقل- أن يكون عند قريش علم به، و بالتالي عند النبي صلى الله عليه و سلم، فيصبح قصد اليهود تعجيز الرسول عليه الصلاة و السلام غير وارد و لا محتمل. لكنهم كانوا متأكدين حين سألوه بأنه لم يصله خبر عنه، و كانوا ينتظرون لذلك عجزه عن الرد.. سواء قلنا بأنهم وجهوا السؤال مباشرة أو أوعزوا به للمشركين في مكة ليوجهوه للرسول عليه الصلاة و السلام. ثم قال : " و الحاصل أن المفسرين لم يصلوا إلى نتيجة مقنعة في بحثهم عن ذي القرنين، القدماء منهم لم يحاولوا التحقيق، و المتأخرون حاولوه، و لكن كان نصيبهم الفشل. و لا عجب فالطريق الذي سلكوه كان طريقا خاطئا. لقد صرحت الآثار بأن السؤال كان من قبل اليهود- وجهوه مباشرة أو أوعزوا لقريش بتوجيهه -فكان لائقا بالباحثين أن يرجعوا إلى أسفار اليهود و يبحثوا هل يوجد فيها شيىء يلقي الضوء على شخصية ذي القرنين، إنهم لو فعلوا ذلك لفازوا بالحقيقة ".
 لماذا ؟ لأن توجيه السؤال من اليهود للنبي عليه الصلاة و السلام لإعجازه ينبىء عن أن لديهم في كتبهم و تاريخهم علما به، مع تأكدهم بأن النبي عليه الصلاة و السلام أو العرب لم يطلعوا علي ما جاء في كتبهم.. فكان الاتجاه السليم هو البحث عن المصدر الذي أخذ منه اليهود علمهم بهذا الشخص.. و مصدرهم الأول هو التوراة.
و أمسك أزاد بالخيط
و هذا هو الذي اتجه إليه أزاد، و أمسك بالخيط الدقيق الذي وصل به إلي الحقيقة.. و قرأ و بحث و وجد في الأسفار، و ما ذكر فيها من رؤى للأنبياء من بني إسرائيل و ما يشير إلى أصل التسمية : "ذي القرنين" أو " لوقرانائيم" كما جاء في التوراة.. و ما يشير كذلك إلي الملك الذي أطلقوا عليه هذه الكنية، و هو الملك "كورش" أو "خورس " كما ذكرت التوراة و تكتب أيضا "غورش" أو "قورش".
هل يمكن الاعتماد علي التوراة وحدها ؟
يقول أزاد : " خطر في بالي لأول مرة هذا التفسير لذي القرنين في القرآن،و أنا أطالع سفر دانيال ثم اطلعت علي ما كتبه مؤرخو اليونان فرجح عندي هذا الرأي، و لكن شهادة أخري خارج التوراة لم تكن قد قامت بعد، إذ لم يوجد في كلام مؤرخي اليونان ما يلقي الضوء علي هذا اللقب.
تمثال كورش
ثم بعد سنوات لما تمكنت من مشاهدة آثار إيران القديمة ومن مطالعة مؤلفات علماء الآثار فيها زال الحجاب، إذ ظهر كشف أثري قضي علي سائر الشكوك، فتقرر لدي بلا ريب أن المقصود بذي القرنين ليس إلا كورش نفسه فلا حاجة بعد ذلك أن نبحث عن شخص آخر غيره ". " إنه تمثال علي القامة الإنسانية، ظهر فيه كورش، و علي جانبيه جناحان، كجناحي العقاب، و علي رأسه قرنان كقرني الكبش، فهذا التمثال يثبت بلا شك أن تصور "ذي القرنين" كان قد تولد عند كورش، و لذلك نجد الملك في التمثال و علي رأسه قرنان" أي أن التصور الذي خلقه أو أوجده اليهود للملك المنقذ لهم "كورش" كان قد شاع و عرف حتى لدي كورش نفسه علي أنه الملك ذو القرنين.. أي ذو التاج المثبت علي ما يشبه القرنين..
صورة لتمثال غورش العظيم في إيران يظهر بوضوح فوق رأسه القرنين
صورة لتمثال غورش العظيم في حديقة أولمبي في سدني
كورش بين القرآن و التاريخ
و مع أن ما وصل إليه أزاد قد يعتبر لدي الباحثين كافيا، إلا أنه مفسر للقرآن و عليه أن يعقد المقارنة بين ما وصل إليه و بين ما جاء به القرآن عن ذي القرنين أو عن الملك كورش.. إذ أن هذا يعتبر الفيصل في الموضوع لدي المفسر المؤمن بالقرآن.. و يقول أزاد : أنه لم توجد مصادر فارسية يمكن الاعتماد عليها في هذا، و لكن الذي أسعفنا هو الكتب التاريخية اليونانية، ولعل شهادتها، تكون أوثق و أدعي للتصديق، إذ أن المؤرخين اليونان من أمة كان بينها و بين الفرس عداء مستحكم و مستمر، فإذا شهدوا لكورش فإن شهادتهم تكون شهادة حق لا رائحة فيها للتحيز، و يستشهد أزاد في هذا المقام بقول الشاعر العربي :
 و مليحة شـــهدت لها ضراتها ***** و الفضل ما شهدت به الأعداء
فقد أجمعوا علي أنه كان ملكا عادلا، كريما، سمحا، نبيلا مع أعدائه، صعد إلي المقام الأعلى من الإنسانية معهم. و قد حدد أزاد الصفات التي ذكرها القرآن لذي القرنين، و رجع لهذه المصادر اليونانية فوجدها متلاقية تماما مع القرآن الكريم، و كان هذا دليلا قويا آخر علي صحة ما وصل إليه من تحديد لشخصية ذي القرنين، تحديدا لا يرقي إليه شك..
فمن كورش أو قورش إذا ؟
إنه من أسرة فارسية ظهر في منتصف القرن السادس قبل الميلاد في وقت كانت فيه بلاده منقسمة إلي دويلتين تقعان تحت ضغط حكومتي بابل و آشور القويتين، فاستطاع توحيد الدولتين الفارسيتين تحت حكمه، ثم استطاع أن يضم إليها البلاد شرقا و غربا بفتوحاته التي أشار إليها القرآن الكريم، و أسس أول إمبراطورية فارسية، و حين هزم ملك بابل سنة 538 ق.م. أتاح للأسري اليهود فيها الرجوع لبلادهم، مزودين بعطفه و مساعدته و تكريمه. كما أشرنا إلي ذلك من قبل.. و ظل حاكما فريدا في شجاعته و عدله في الشرق حتى توفي سنة 529 ق.م.
سد يأجوج و مأجوج
إنما نسميه بهذا لأنه بني لمنع الإغارات التي كانت تقوم بها قبائل يأجوج و مأجوج من الشمال علي الجنوب، كما يسمي كذلك سد "ذي القرنين" لأنه هو الذي أقامه لهذا الغرض.. و يقول أزاد : " لقد تضافرت الشواهد علي أنهم لم يكونوا إلا قبائل همجية بدوية من السهول الشمالية الشرقية، تدفقت سيولها من قبل العصر التاريخي إلي القرن التاسع الميلادي نحو البلاد الغربية و الجنوبية، و قد سميت بأسماء مختلفة في عصور مختلفة، و عرف قسم منها في الزمن المتأخر باسم "ميغر" أو "ميكر" في أوروبا.. و باسم التتار قي آسيا، و لاشك أن فرعا لهؤلاء القوم كانوا قد انتشروا علي سواحل البحر الأسود في سنة 600 ق.م.
و أغار علي آسيا الغربية نازلا من جبال القوقاز، و لنا أن نجزم بأن هؤلاء هم الذين شكت الشعوب الجبلية غاراتهم إلي "كورش" فبني السد الحديدي لمنعها"، و تسمي هذه البقعة الشمالية الشرقية ( الموطن الأصلي لهؤلاء باسم "منغوليا " و قبائلها الرحالة "منغول"، و تقول لنا المصادر اليونانية أن أصل منغول هو "منكوك" أو "منجوك" و في الحالتين تقرب الكلمة من النطق العبري "ماكوك" و النطق اليوناني "ميكاك" و يخبرنا التاريخ الصيني عن قبيلة أخري من هذه البقعة كانت تعرف باسم "يواسي" و الظاهر أن هذه الكلمة ما زالت تحرف حتى أصبحت يأجوج في العبرية.. " و يقول : " إن كلمتي : " يأجوج و مأجوج " تبدوان كأنهما عبريتان في أصلهما و لكنهما في أصلهما قد لا تكونان عبريتين، إنهما أجنبيتان اتخذتا صورة العبرية فهما تنطقان باليونانية "كاك Gag" و "ماكوك Magog" و قد ذكرتا بهذا الشكل في الترجمة السبعينية للتوراة، و راجتا بالشكل نفسه في سائر اللغات الأوروبية ". و الكلمتان تنطقان في القرآن الكريم بهمز و بدون همز. و قد استطرد أزاد بعد ذلك لذكر الأدوار السبعة أو الموجات السبع التي قام بها هؤلاء بالإغارة علي البلاد الغربية منها و الجنوبية.
مكان السد :
ثم يحدد مكان السد بأنه في البقعة الواقعة بين بحر الخرز "قزوين" و "البحر الأسود" حيث توجد سلسلة جبال القوقاز بينهما، و تكاد تفصل بين الشمال و الجنوب إلا في ممر كان يهبط منه المغيرون من الشمال للجنوب، و في هذا الممر بني كورش سده، كما فصله القرآن الكريم، و تحدثت عنه كتب الآثار و التاريخ. و يؤكد أزاد كلامه بأن الكتابات الأرمنية – و هي كشهادة محلية – تسمي هذا الجدار أو هذا السد من قديم باسم " بهاك غورائي" أو "كابان غورائي" و معني الكلمتين واحد و هو مضيق "غورش" أو "ممر غورش" و "غور" هو اسم "غورش أو كورش". و يضيف أزاد فوق هذا شهادة أخري لها أهميتها أيضا و هي شهادة لغة بلاد جورجيا التي هي القوقاز بعينها. فقد سمي هذا المضيق باللغة الجورجية من الدهور الغابرة باسم " الباب الحديدي ".
 و بهذا يكون أزاد قد حدد مكان السد و كشف المراد من يأجوج و مأجوج.. و قد تعرض لدفع ما قيل أن المراد بالسد هو سد الصين، لعدم مطابقة مواصفات سد الصين لمواصفات سد ذي القرنين و لأن هذا بني سنة 264 ق.م. بينما بني سد ذي القرنين في القرن السادس قبل الميلاد. كما تعرض للرد علي ما قيل بأن المراد بالسد هو جدار دربند، أو باب الأبواب كما اشتهر عند العرب بأن جدار دربند بناه أنوشروان ( من ملوك فارس من 531 – 579 م ) بعد السد بألف سنة، و أن مواصفاته غير مواصفات سد ذي القرنين و هو ممتد من الجبل إلي الساحل ناحية الشرق و ليس بين جبلين كما أنه من الحجارة و لا أثر فيه للحديد و النحاس.
صورة لخريطة تبين مكان سد ذو القرنين كما ذكره آزاد
و على ذلك يكون المقصود بالعين الحمئة هو الماء المائل للكدرة و العكارة وليس صافيا. و ذلك حين بلغ الشاطيء الغربي لآسيا الصغري و رأي الشمس تغرب في بحر إيجه في المنطقة المحصورة بين سواحل تركيا الغربية شرقا و اليونان غربا وهي كثيرة الجزر و الخلجان.
والمقصود بمطلع الشمس هو رحلته الثانية شرقا التي وصل فيها إلي حدود باكستان و أفغانستان الآن ليؤدب القبائل البدوية الجبلية التي كانت تغير علي مملكته. و المراد ببين السدين أي بين جبلين من جبال القوقاز التي تمتد من بحر الخزر ( قزوين ) إلي البحر الأسود حيث إتجه شمالا. و لقد كان أزاد بهذا البحث النفيس أول من حل لنا هذه الإشكالات التي طال عليها الأمد ، و حيرت كل المفكرين قبله. و حقق لنا هذا الدليل ، من دلائل النبوة الكثيرة.. رحمه الله و طيب ثراه..
من مقال للدكتور عبد المنعم النمر بمجلة العربي العدد 184

مركز تحميل الصور الاسلامية

تحدي بين مدرس يهودي وطالب مسلم

su-34

أركان الإسلام

a7dathalnihaya