سورة الزمر للشيخ خالد الجليل

MultiHoster

الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير خلق الله

بفضل الله تم الانتهاء من الفيلم الوثائقي القصير * قصة زواج * ويعتبر من أقوي الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

 

فيا أنصار رسول الله فلنتعاون جميعا على الدفاع عن رسول الله و ننشر الفيديو على أوسع نطاق

 

 

 

قناة موقع نصرة رسول الله على اليوتيوب

To say that something is wrong or not, you have to say it is wrong because of what; because it is violating what.

Please check this video to know the truth about Prophet Mohammad & Aisha's Marriage.

 

If you want to read the perfect love story, I recommend that you don't read "Romeo and Juliet" but Read the story of Muhammad and Aisha, in the very words of Aisha herself explaining how beautiful this relationship was between her and Prophet Muhammad (PBUH)

 

            

Sponsored by 
Khalifa Al Hammadi
 
لمن يريد رعاية انتاج الأفلام الوثائقية بموقع نصرة رسول الله  الرجاء مراسلة
 

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (هود 61).


بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2004-08-02
هذا النص القرآني الكريم جاء في منتصف سورة هود‏ ,‏ وهي سورة مكية‏ ,‏ وعدد آياتها مائة وثلاث وعشرون‏ (123)‏ بعد البسملة‏ ,‏ وقد سميت باسم نبي الله هود‏ (عليه السلام‏)‏ الذي بعثه الله‏ (تعالى‏)‏ إلى قومه (قبيلة عاد‏) .‏ وقد سكنوا الأحقاف‏ ,‏ في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية‏ ,‏ وكانوا عربا أشداء‏ ,‏ غلاظا‏ ,‏ جفاة‏ ,‏ متكبرين‏ ,‏ عتاة‏ ,‏ متمردين‏ ,‏ أشركوا بالله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ عبادة الأصنام والأوثان بدلا من شكره على ما وهبهم من بسطة في الجسم‏ ,‏ ووفرة في الرزق‏ ,‏ فكانوا أول من عبد الأصنام من الأمم التي جاءت بعد طوفان نوح‏ ,‏ وأفسدوا في الأرض إفسادا عظيما‏ ,‏ فأرسل الله‏ (تعالى‏)‏ إليهم نبيه هودا‏ (عليه السلام‏)‏ الذي اصطفاه بعلمه من بينهم فدعاهم إلى عبادة الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ وحده بما أمرا وإلى إقامة عدل الله في الأرض‏ ,‏ وإلى حسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها‏ ,‏ فكذبوه‏ ,‏ وخالفوه‏ ,‏ وحاربوه‏ ,‏ واضطهدوا الذين آمنوا معه‏ ,‏ فسخر الله عليهم ريحا صرصرا عاتية أهلكتهم‏ ,‏ ونجي هودا والذين آمنوا معه فالتجأوا إلى مكة المكرمة يعبدون الله‏ (تعالى‏)‏ بما أمر عند أول بيت وضع للناس في الأرض حتى توفاهم الله‏ (سبحانه وتعالى‏) .‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة هود حول قضية العقيدة الإسلامية‏ ,‏ ومن ركائزها التوحيد الخالص لله‏ (تعالى‏) ,‏ والخضوع لجلاله وحده بالعبادة والطاعة كما أمر‏ ,‏ وهذه كانت وصية كل نبي من أنبياء الله إلى قومه‏ :‏ ‏" أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ "‏ ‏(‏هود‏:2)‏ .
"‏ أَن لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ‏"‏ (هود:‏26)‏ .
" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِن أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ‏" ‏(‏هود‏:50) .‏"‏ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ "‏ ‏(‏هود‏:61)‏ .
"‏ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ "‏ ‏(‏هود‏:84)‏ .
وبالإضافة إلى التوحيد الخالص لله‏ (تعالى‏)‏ فإن من ركائز العقيدة الإسلامية التي عرضت لها سورة هود اليقين بحتمية الموت‏ ,‏ والبعث والحساب‏ ,‏ والجزاء بالخلود في الجنة أبدا‏ ,‏ أو في النار أبدا‏ ,‏ والتصديق بوحي السماء‏ ,‏ وبجميع أنبياء الله وكتبه ورسله‏ ,‏ وببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وبالقرآن الكريم الذي حفظ الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ فيه الدين بكماله‏ ,‏ وتمامه‏ ,‏ وربانيته بنفس لغة الوحي التي أوحي بها‏ (اللغة العربية‏)‏ وتعهد بحفظه إلى يوم الدين‏ .‏
وقد استهلت سورة هود بالحروف الهجائية المقطعة الثلاثة‏ (الر‏) ,‏ وسبق لنا مناقشة آراء المفسرين في هذه المقطعات الهجائية‏ ,‏ ولا أري ضرورة لإعادة ذلك هنا‏ .‏
وعقب هذا الاستهلال مباشرة جاء التأكيد من الله‏ (تعالى‏)‏ على فضل القرآن الكريم‏ ,‏ ومن هذا الاستفتاح إلى الآية الرابعة والعشرين من سورة هود جاءت الآيات إما على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ في توجيهات صريحة لأهل مكة وللمؤمنين به من بعده‏ ,‏ أو خطابا موجها من الله‏ (تعالى‏)‏ إليه‏ ,‏ وذلك من مثل قوله تعالى‏ : 
" الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ .‏ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ .‏‏ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُوَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ.‏‏ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏  " (هود‏:1‏-‏4)‏ .
ثم تتحدث الآيات عن شيء من طبائع النفس الإنسانية في كل من حالات السعة والنعماء‏ ,‏ وحالات الضيق والبأساء لتقول ‏:‏ 
" وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ .‏ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ .‏ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ  " (‏هود‏:9‏-‏11) .‏ وتعاود الآيات التأكيد على حجية القرآن الكريم‏ ,‏ وربانيته والتحدي بعجز الخلق أجمعين على الإتيان بشيء من مثله‏ ,‏ والسخرية من الذين قالوا إن الرسول‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ قد افتراه فتنطق بقول الحق‏ (تبارك وتعالى‏ : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .‏‏ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ  " (‏هود‏:14,13) .‏
وتؤكد الآيات أنه من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وعمل لذلك مجتهدا فإن الله‏ (تعالى‏)‏ يؤته ثمار أعماله كاملة غير منقوصة‏ ,‏ ولكن الذين يقصرون همهم على الدنيا فقط وينسون الآخرة‏ (كالغالبية الساحقة من أهل الأرض اليوم‏)‏ فهؤلاء ليس لهم في الآخرة إلا الخزي والعذاب والندم ساعة لا ينفع الندم لأنهم سوف يرون بأعينهم أن كل مكاسب الدنيا إذا لم تكن قد وظفت في طاعة الله فإنها لا قيمة لها ولا وزن لها في الآخرة على الإطلاق‏ .‏
وتقارن الآيات بين مصائر الضالين من أهل الأرض الذين يعيشون على ظهرها كالسائمة بلا هدف ولا غاية‏ ,‏ وبين مصائر المؤمنين الذين يفهمون حقيقة رسالتهم في هذه الحياة عبادا لله‏ (تعالى‏)‏ يعبدونه بما أمر‏ ,‏ ويحسنون القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها‏ ,‏ ومحاربة كل صور الظلم والفساد فيها‏ ,‏ والعمل على إقامة عدل الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ في أرجائها‏ ,‏ ويسيرون في الحياة الدنيا على بصيرة وهداية من ربهم‏ ,‏ يرجون بكلماتهم وحركاتهم وسكناتهم وجه الله‏ (تعالى‏) ,‏ ولديهم البرهان الجلي من ربهم ــ وهو القرآن الكريم ــ يشهد على حجية الإسلام العظيم كما تكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وينطق بالإعجاز في كل أمر من أموره‏ ,‏ ويشهد له ما جاء من قبل في كتاب موسي‏ (عليه السلام‏)‏ وهو التوراة الأصلية‏ .‏
ومن قبيل الدعوة إلى النظر بعين البصيرة فيما يعتقد كل إنسان تخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ ـ والمراد بالخطاب كل مستمع له ـ فتقول‏ :‏ ‏
"‏ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ " ‏(‏هود‏:17)‏ .
وبعد أن بين الله‏ (تعالى‏)‏ حال المؤمنين المتصفين بالتزام أوامر الله‏ ,‏ واجتناب نواهيه‏ ,‏ بين أحوال الكافرين‏ ,‏ وذكر من أوصافهم أربعة عشر وصفا أولها افتراء الكذب على الله‏ ,‏ وآخرها الخسران المبين في الآخرة‏ ,‏ وتحذر الآيات من جريمة الكذب على الله‏ (تعالى‏) ,‏ وتصف هذه الجريمة بأنها من أبشع صور الظلم لأنها تصرف الناس عن دين الله‏ ,‏ وتحرفهم عن طريقه المستقيم إلى طرق على رؤوسها مختلف الشياطين الذين يكفرون بالآخرة وبما فيها من ثواب وعقاب‏ ,‏ ويكرهون الاستماع إلى القرآن الكريم وما فيه من حق مبين‏ ,‏ أو النظر إلى آيات الله في الكون بعين البصيرة‏ ,‏ وهؤلاء الضالون ليسوا بمعجزين في الأرض‏ ,‏ وليس لهم من دون الله أولياء يعصمونهم من عذابه‏ ,‏ والله‏ (تعالى‏)‏ قادر على مضاعفة العذاب لهم في الدنيا بالإضافة إلى عذاب الآخرة الواقع بهم لا محالة‏ ,‏ وهؤلاء ـ كما يصفهم القرآن الكريم ـ " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ .‏‏ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ  " (‏هود‏:21‏,‏22)‏ .
وفي المقابل تعرض الآيات في سورة هود لموقف المؤمنين فتقول ‏:‏ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .‏‏ مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ  " (هود‏:23,‏24)‏ .
وبعد هذه السلسلة من الترغيب في خيري الدنيا والآخرة‏ ,‏ والترهيب من خسرانهما ينتقل السياق إلى استعراض سريع لقصص سبعة من أنبياء الله ولتفاعل أقوامهم معهم وذلك للتأكيد على موقف الخلق من قضيتي الإيمان والكفر عبر التاريخ وعلى حتمية هلاك المكذبين ونجاة المؤمنين بأمر الله‏ (تعالى‏) .‏ 
    
والأنبياء الذين جاء ذكرهم في هذه السورة المباركة هم ‏:‏
(1)‏ نوح‏ (عليه السلام‏)‏ وقد سردت قصته مع قومه في خمس وعشرين آية‏  (هود‏:25‏-‏49)‏ حتى تم إغراق العاصين منهم بالطوفان‏ ,‏ ونجى الله‏ (تعالى‏)‏ نوحا والذين آمنوا معه‏ .‏
‏(2)‏ هود ‏(‏عليه السلام‏)‏ وقد جاء ذكر قصته مع قومه ‏ (قبيلة عاد وتعرف أيضا باسم عاد الأولى‏)‏ في إحدى عشرة آية‏ (هود‏:50‏-‏60) ,‏ وكان هلاك العاصين منهم بريح صرصر عاتية‏ .‏
‏(3)‏ صالح‏ (عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته مع قومه‏ (قبيلة ثمود أو عاد الثانية‏)‏ في ثماني آيات‏ (هود‏:61‏-‏68) ,‏ وقد أهلك الله‏ (تعالى‏)‏ الكافرين منهم بالصيحة‏ 
"‏ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ " .
‏(4)‏ إبراهيم‏ (عليه السلام‏)‏ وقد جاءت قصته مع قومه في ثماني آيات ‏(‏هود‏:69‏-‏76)‏ .
‏(5)‏ لوط‏ (عليه السلام‏)‏ وجاء ذكر قصته مع قومه في سبع آيات‏ (هود‏:77‏-‏83)‏ وقد عوقب المفسدون من قومه بخسف الأرض بهم‏ ,‏ وإمطارهم بحجارة من سجيل منضود‏ .‏
‏(6)‏ شعيب‏ (عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته في اثنتي عشرة آية‏ (هود‏:83‏ ـ‏95)‏ وقد أهلك الظالمون من قومه بالصيحة ‏
"‏ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ "‏ ,‏ ونجى الله‏ (تعالى‏)‏ شعيباً والذين آمنوا معه‏ .‏
‏(7)‏ موسى‏ (عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته مع فرعون مصر في خمس آيات (هود‏:96-‏99-‏110) .‏
وبعد هذا الاستعراض المعجز لقصص هذا العدد من أنبياء الله ورسله‏ ,‏ ولحركة الإيمان والكفر عبر حقبة طويلة من تاريخ البشرية امتدت من لدن نبي الله نوح‏ (عليه السلام‏)‏ إلى بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ في زمن لم يكن زمن تدوين‏ ,‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين ـ يأتي الخطاب من الله‏ (تعالى‏)‏ إلى خاتم أنبيائه ورسله بالتثبيت فيقول‏ (عز من قائل‏) :‏ 
" ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ .‏ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوَهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ .‏ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " ‏(‏هود‏:100‏-‏102)‏
وتنتقل الآيات بعد ذلك للحديث عن اختلاف اليهود في التوراة من بعد موسى‏ (عليه السلام‏)‏ وإلى تعرضها للتأويل حسب أهواء أحبارهم‏ ,‏ مما أدى إلى تفرقهم شيعا‏ ,‏ وإلى انحرافهم عن الحق الذي أنزل على نبيهم‏ ,‏ وإلى خياناتهم للعهد وغدرهم بالخلق‏ ,‏ ولولا وعد سبق من الله‏ (تعالى‏)‏ بتأخير عقابهم إلى يوم القيامة لحل بهم عذاب الله‏ (تعالى‏)‏ في الدنيا قبل الآخرة‏ .‏
ثم تعاود الآيات توجيه الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ وإلى كل من آمن به فتقول‏ :
 " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .‏‏ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ .‏ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ .‏ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ  " (‏هود‏:112‏-‏115)‏ .
وتختتم سورة هود بخطاب إلى سيدنا محمد‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ كما بدأت بخطاب منه‏ ,‏ وفي ذلك تقول ‏:‏ 
" وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّوَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ .‏ وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ .‏ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ .‏‏ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  ‏" (‏هود‏:120‏-‏123)‏ .
من ركائز العقيدة في سورة هود :(1)‏ اليقين بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏ ,‏ وأنه كتاب أحكمت آياته تم فصلت من لدن حكيم خبير‏ ,‏ ولذلك يتحدي به الله‏ (تعالى‏)‏ الخلائق أجمعين أن يأتوا بشيء من مثله‏ ,‏ ولن يستطيعوا ذلك أبدا‏ .‏
‏(2)‏ الإيمان بالله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ ربا واحدا أحدا‏ (بغير شريك‏ ,‏ ولا شبيه‏ ,‏ ولا منازع‏ ,‏ ولا صاحبة‏ ,‏ ولا ولد‏)‏ وتنزيهه‏ (سبحانه‏)‏ عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏ ,‏ واليقين بأنه‏ (تعالى‏)‏ عليم بذات الصدور‏ ,‏ وأنه هو الرزاق‏ ,‏ ذو القوة المتين‏ ,‏ وأنه على كل شيء حفيظ‏ ,‏ وأن من صفاته‏ (سبحانه‏)‏ أنه هو الرحيم الودود العزيز‏ ,‏ وأنه‏ (تعالى‏)‏ هو المستحق للخضوع لجلاله بالعبادة والطاعة بما أمر‏ ,‏ وبالتوكل عليه‏ ,‏ والإنابة إليه‏ ,‏ والصبر على المكاره طلبا لمرضاته‏ ..‏
‏(3)‏ التسليم بحتمية الموت‏ ,‏ والبعث‏ ,‏ والرجوع إلى الله‏ (تعالى‏)‏ للحساب والجزاء والخلود في الحياة الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏ ,‏ والاستعداد جهد الطاقة لذلك‏ .‏
‏(4)‏ التصديق بأن دور كل من الأنبياء والمرسلين هو الإنذار والتبشير‏ ,‏ دون إكراه أو إلزام‏ ,‏ وأن الحسنات يذهبن السيئات وأن الله‏ (تعالى‏)‏ لا يضيع أجر المحسنين‏ ,‏ وأن من الإحسان إحقاق الحق وإزهاق الباطل‏ ,‏ وإقامة عدل الله في الأرض‏ ,‏ والتواصي بوفاء الكيل والوزن بالقسط‏ ,‏ والإصلاح في الأرض‏ ,‏ والنهي عن الإفساد فيها‏ .‏
‏(5)‏ الإيمان بان الله‏ (تعالى‏)‏ من طلاقة عدله أنه يوفي الناس أجر أعمالهم الصالحة‏ ,‏ في الدنيا‏ ,‏ ولا يبخسن لهم حقا أيا تكن عقائدهم‏ ,‏ فإن كانت عقائدهم فاسدة فليس لهم في الآخرة جزاء كفرهم إلا النار‏ ,‏ وحبط ما صنعوا في الدنيا‏ ,‏ وكان باطلا بطلانا كاملا‏ .‏
‏(6)‏ التصديق بجميع أنبياء الله وكتبه ورسله‏ ,‏ وبالرسالة الخاتمة التي اكتمل بها الدين‏ ,‏ وتمت النعمة‏ ,‏ ولذلك تعهد ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ بحفظها في القرآن الكريم وفي سنة الرسول الخاتم‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ فحفظت في نفس لغة وحيها‏ (اللغة العربية‏)‏ على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلى أن يرث الله‏ (تعالى‏)‏ الأرض ومن عليها‏ ,‏ وهذا هو الحق من رب العالمين‏ , (ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏) ,‏ ومن يكفر بذلك فالنار موعده‏ .‏ خالدا فيها‏ .‏
‏(7)‏ اليقين بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أصحاب الجنة فيها خالدون وأن الذين كفروا بالله أو أشركوا به‏ ,‏ أو كذبوا بأنبيائه ورسله وبالقرآن العظيم وبخاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ أو كذبوا على الله‏ (تعالى‏)‏ وحرفوا دينه‏ ,‏ أو أنكروا الآخرة وما فيها من بعث وحساب وخلود فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏ .‏
من الإشارات الكونية في سورة هود :
(1)الإشارة إلى إحاطة علم الله‏ (تعالى‏)‏ بكل شيء يذكر أنه يرزق كل دابة في الأرض‏ ,‏ ويعلم مستقرها‏ (أي مكان وجودها أو موضع قرارها في سلاسل حاملات الوراثة في أصلاب آبائها قبل أن تخلق‏)‏ ومستودعها‏     (أي ما استودع الله سبحانه وتعالى صلب كل واحدة منها من ذريات في شفرتها الوراثية‏) ,‏ وأن الله‏ (تعالى‏)‏ آخذ بناصية كل حي‏ (أي يملكه ويقهره‏) ,‏ وأن ذلك كله مدون عنده في كتاب مبين‏ .‏
‏(2) التأكيد على خلق السماوات والأرض في ستة أيام‏ (أي ست مراحل‏)‏ وأن عرش الخالق العظيم كان على الماء‏ ,‏ وأن الآخرة حتم لا ريب فيه‏ .‏
(3) وصف جانب من طبائع النفس البشرية التي تصاب بشيء من اليأس والقنوط في حالات الضيق والبأساء‏ ,‏ وبشيء من الفرح والفخر والزهو في حالات السعة والنعماء‏ .‏
(4) ذكر حقيقة تنوع الناس مع توحد أصلهم الذي ينتهي إلى أب واحد وأم واحدة‏ ,‏ مما يشير إلى طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الخلق‏ .‏ 
" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ "‏ (هود‏:118)‏ .
(5) الإشارة إلى غيوب السماوات والأرض‏ ,‏ وإلى أن الأمر كله يرجع إلى الله‏ (تعالى‏) ,‏ والعلوم المكتسبة تؤكد حقيقة تلك الغيوب‏ .‏
(6) تشبيه الموج الذي خاضته سفينة نبي الله نوح‏ (عليه السلام‏)‏ بأنه كالجبال‏ (هود‏:42) ,‏ ووصف انتهاء الطوفان بغيض الماء‏ (هود‏:44)‏ وهي من الحقائق العلمية المؤكدة‏ .‏
(7) سرد قصص سبعة من أنبياء الله ورسله‏ ,‏ وتحقيق تفاعل أممهم معهم‏ ,‏ وتسجيل ما أصاب تلك الأمم من عقاب أو ثواب بدقة بالغة‏ ,‏ في تغطية رائعة لأغلب تاريخ الإنسان على سطح الأرض‏ ,‏ وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة‏ ,‏ وفي أمة لم تكن أمة علم أو تدوين‏ ,‏ بل كانت في غالبيتها أمة وثنية أمية‏ ,‏ خاصة وأن ما كان قد بقي بأيدي أهل الكتاب من ذكريات لم بسجل شيئا عن اثنين من هؤلاء الأنبياء ولقد أثبتت الكشوف الأثرية صدق ما جاء بالقرآن الكريم عن هذه الأمم وعما أصابها من عقاب الله‏ (تعالى‏)‏ للذين كفروا منهم‏ ,‏ وجحدوا ربهم‏ ,‏ وكذبوا أنبياءه ورسله‏ ,‏ وهذا من أوضح جوانب الإعجاز التاريخي في القرآن الكريم‏ .‏
‏(8)‏ الإشارة إلى قوم ثمود بأن الله‏ (تعالى‏)‏ قد أنشأهم من الأرض واستعمرهم فيها‏ .‏
‏(9)‏ إثبات تحريف اليهود لتوراة موسى‏ (عليه السلام‏)‏ والدراسات العلمية الرصينة تؤكد ذلك وتدعمه‏ .‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها‏ ,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا على النقطة الثامنة من القائمة السابقة والتي جاءت في الآية الحادية والستين من سورة هود‏ ,‏ وقبل الوصول إلى ذلك أرى ضرورة المرور السريع بأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏ .‏
من أقوال المفسرين :
في تفسير قوله‏ (تعالى‏) :‏

" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ " ‏(‏هود‏:61)‏ .
‏ذكر ابن كثير‏ (رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏ : (و‏)‏ لقد أرسلنا‏ (إلى ثمود‏)‏ وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث الله منهم‏ (أخاهم صالحا‏)‏ فأمرهم بعبادة الله وحده‏ ,‏ ولهذا قال : 
‏" هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ "‏ أي ابتدأ خلقكم منها إذ خلق منها أباكم آدم‏ , "‏ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا " أي جعلكم عمارا تعمرونها وتستغلونها‏ , ....‏
وجاء في‏ (الظلال‏) [‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏]‏ ما مختصرة ‏:‏
‏ .....‏ وذكرهم صالح بنشأتهم من الأرض‏ ,‏ نشأة جنسهم‏ ,‏ ونشأة أفرادهم من غذاء الأرض‏ ,‏ أو من عناصرها التي تتألف منها عناصر تكوينهم الجسدي‏ .‏ ومع أنهم من هذه الأرض‏ ,‏ من عناصرها‏ ,‏ فقد استخلفهم الله فيها ليعمروها‏ ,‏ استخلفهم بجنسهم واستخلفهم بأشخاصهم بعد الذاهبين من قبلهم‏ .‏ ثم هم بعد ذلك يشركون معه آلهة أخرى‏
 " فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ "‏ واطمئنوا إلى استجابته وقبوله‏ " إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ " ...‏ والإضافة في " رَبِّي "‏ ولفظ‏ " قَرِيبٌ "‏ ولفظ‏ "‏ مُّجِيبٌ " واجتماعها وتجاورها ترسم صورة لحقيقة الألوهية كما تتجلي في قلب من قلوب الصفوة المختارة‏ ,‏ وتخلع على الجو أنسا واتصالا ومودة‏ ,‏ تنتقل من قلب النبي الصالح إلى قلوب مستمعيه لو كانت لهم قلوب ‏!! .‏
‏‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا حاجة إلى تكراره‏ .‏
من الدلالات العلمية للنص الكريم :
أولا ‏:‏ الإثبات التاريخي لنبوة صالح‏ (عليه السلام‏) :‏
الخطاب في هذا النص الكريم موجه إلى قبيلة ثمود من نبيهم صالح‏ (عليه السلام‏) ,‏ والآثار الباقية عند أهل الكتاب لا تذكر شيئا عن هذا النبي الصالح‏ ,‏ ولا عن قومه‏ ,‏ وهنا تسقط الحجة الكاذبة أن رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ قد نقل هذا القصص النبوي عنهم‏ ,‏ وبالذات عما جاء في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم وهي لا تحوي شيئا عن اثنين من أنبياء الله هما هود‏ (عليه السلام‏)‏ النبي المبعوث إلى قوم عاد‏ ,‏ وصالح‏ (عليه السلام‏)‏ وقد بعث إلى قوم ثمود‏ .‏
والقبيلة سميت باسم جدهم‏ (ثمود‏)‏ وهو الحفيد الثالث لنبي الله نوح‏ (عليه السلام‏)‏ والذي اسمه‏ (ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح‏) ,‏ وقبيلة ثمود هي قبيلة عربية قديمة‏ ,‏ من العرب العاربة التي سكنت الحجر‏ (أو ما يعرف اليوم باسم مدائن صالح‏)‏ الواقعة في وادي القرى‏ ,‏ إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة على الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك وبالقرب من مدينة الفلا‏ .‏ وكان أبناء هذه القبيلة من الأشداء الذين نحتوا قصورهم في الجبال المحيطة بوادي القرى‏ ,‏ وجاءوا بكتل كبيرة من الصخر إلى بطن الوادي ونحتوها قصورا‏ .‏
وقد جاء ذكر قبيلة ثمود في نقوش تركها الملك الآشوري سارجون ‏
(
Sargon)‏ يرجع تاريخها إلى سنة ‏715‏ قبل الميلاد‏ ,‏ وكان سارجون قد أخضع تلك القبيلة لنفوذه في فترة من الفترات‏ .‏
والقرآن الكريم كثيرا ما يقرن بين ذكر عاد وثمود‏ (كما جاء في كل من سور التوبة‏ ,‏ إبراهيم‏ ,‏ الفرقان‏ ,‏ ص‏ ,‏ ق‏ ,‏ النجم‏ ,‏ والفجر‏)‏ ربما لتقاربهما الزمني‏ ,‏ أو لكون ثمود ممن نجوا من إهلاك قوم عاد حتى ليطلق عليهم أحيانا اسم عاد الثانية‏ .‏ وبقايا كتب أهل الكتاب لا تذكر شيئا عن هاتين الأمتين‏ ,‏ وإن أثبت القرآن الكريم معرفة موسي‏ (عليه السلام‏)‏ بهما كما جاء في سورة إبراهيم‏(8‏ و‏9) .‏
وقبيلة ثمود ـ في مرحلة من مراحل انحرافهم عن منهج الله تعالى ـ عبدوا الأصنام فبعث الله‏ (تعالى‏)‏ إليهم نبيا منهم هو صالح‏ (عليه السلام‏) ,‏ الذي اصطفاه الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ بعلمه وحكمته وقدرته‏ ,‏ من بينهم فاشتهر عندهم برجاحة العقل‏ ,‏ واستقامة الفكر‏ ,‏ وطهارة السلوك‏ .‏
وهذا النبي الصالح كان الحفيد الرابع لمؤسس قبيلة ثمود وعندما آتاه الله‏ (تعالى‏)‏ النبوة‏ ,‏ وبدأ في الدعوة إلى عبادة الله‏ (تعالى‏)‏ وحده‏ ,‏ وإلى نبذ عبادة الأصنام والأوثان‏ ,‏ وإلى التطهر من دنس الشرك إلى شرف التوحيد‏ ,‏ وإلى حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة عدل الله فيها بعد أن كان الظلم والانحراف عن منهج الله والإفساد في الأرض قد شاع بين أبناء قبيلته‏ ,‏ عارضه قومه‏ ,‏ وسخروا من دعوته‏ ,‏ واتهموه بالسحر‏ ,‏وحاربوه‏ ,‏ وحاولوا قتله ولكنهم لم يفلحوا في ذلك‏ ,‏ ثم طالبوه بالمعجزات والخوارق التي تشهد على صدق ما جاءهم به‏ ,‏ وكان من بين ذلك أن طالبوه‏-‏ من قبيل التعجيز‏-‏ أن يخرج لهم من صخرة منعزلة عن الجبل ناقة بمواصفات خاصة وضعوها‏ ,‏ فأخذ عليهم نبيهم العهود والمواثيق إن جاءهم بما طلبوا أن يؤمنوا بما جاءهم به‏ ,‏ وعند استجابتهم لذلك شرع في الصلاة والدعاء لله‏ (تعالى‏)‏ حتى تمخضت الصخرة عن ناقة بالمواصفات التي طلبوها‏ ,‏ ثم وضعت هذه الناقة فصيلا يشبهها ضخامة وهيبة فآمن من آمن‏ ,‏ وكفر من كفر‏ ,‏ وما آمن معه إلا قليل‏ .‏
وقال لهم نبيهم‏:‏ هذه ناقة الله لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم‏ ,‏ ولكن الكفار لم يصبروا على ذلك فعقروا الناقة بواسطة تسعة رهط من المفسدين‏ ,‏ فأنذرهم نبيهم بعذاب عاجل من الله‏ (تعالى‏)‏ قائلا لهم‏:‏ لكل أمة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب بعد ذلك وفي ضحي اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فأهلكتهم وهم في ديارهم جاثمين‏ ,‏ ونجي الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ نبيه صالحا والذين آمنوا معه فلجأوا أولا إلى بلاد الشام ثم إلى مكة المكرمة حيث عبدوا الله‏ (تعالى‏)‏ حتى أتاهم اليقين‏ .‏ وكان من نسل الناجين كل من الأنباط في الشمال وقبيلة ثقيف التي سكنت جبال الطائف‏ .‏
وكان في تسجيل القرآن الكريم لنبوة صالح‏ (عليه السلام‏)‏ ولقصته مع قومه شهادة صدق على ربانية القرآن الكريم وعلى نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ لأن أيا من آثار أهل الكتاب لم يشر إلى هذا النبي ولا إلى قومه‏ ,‏ كما لم يشر إلى أسلافهم عادا الأولى ونبيهم هود‏ (عليه السلام‏) .‏
ثانيا‏ :‏ في قوله تعالى ‏: " هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ "‏
هذا الخطاب من نبي الله صالح‏ (عليه السلام‏)‏ إلى قومه من قبيلة ثمود يمن عليهم فيه أن الله‏ (تعالى‏)‏ قد أنشأهم من الأرض أي من عناصرها المختلفة‏ ,‏ وهذه الحقيقة تنطبق على كونهم من نسل آدم‏ (عليه السلام‏) ,‏ وكانوا جميعا في صلبه لحظة خلقه وقد خلقه الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ من الأرض‏ .‏ كما تنطبق على كون أجسادهم‏-‏ مثل أجساد كل المخلوقات‏-‏ قد نمت أصلا من عناصر الأرض‏ .‏
والقرآن الكريم يؤكد لنا الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ فيه على أنه خلق الإنسان على مراحل متتالية كما يلي‏ :‏‏1-‏ من تراب‏ (آل عمران‏/59 ,‏ الكهف‏/37 ,‏ الحج‏/5 ,‏ الروم‏/20 ,‏ فاطر‏/11 ,‏ غافر‏/67)‏
‏2-‏ ومن طين ‏-‏ وهو التراب المعجون بالماء ‏- (الأنعام‏/2 ,‏ الأعراف‏/12 ,‏ السجدة‏/7 ,‏ص‏/7671 ,‏ الإسراء‏/61)‏
‏3-‏ ومن سلالة من طين‏-‏ أي من خلاصة منتزعة من الطين برفق‏- (المؤمنون‏/12)‏
‏4-‏ومن طين لازب‏-‏ أي لاصق بعضه ببعض‏- (‏الصافات‏/11)‏
‏5-‏ ومن صلصال من حمأ مسنون‏-‏ أي أسود منتن‏ (‏الحجر‏/26‏و‏28‏و‏33) .‏
‏6-‏ ومن صلصال كالفخار ‏(‏الرحمن‏/14)‏
‏7-‏ ومن الأرض‏ (هود‏/61 ,‏ طه‏/55 ,‏ النجم‏/32 ,‏ نوح‏/17‏و‏18)‏
‏8-‏ ومن الماء‏ (‏الفرقان‏/54) .‏
‏9-‏ ومن ماء دافق‏ (الطارق‏/6)‏
‏10-‏ ومن ماء مهين‏ (المرسلات‏/20)‏
‏11-‏ من سلالة من ماء مهين‏ (‏السجدة‏/8)‏
وفي ذلك يقول المصطفي‏ (صلى الله عليه وسلم‏):‏ إن الله خلق ادم من قبضة قبضها من جميع الأرض‏ ,‏ فجاء بنو ادم على قدر الأرض‏:‏ جاء منهم الأحمر‏ ,‏ والأبيض‏ ,‏ والأسود وبين ذلك‏ ,‏ والخبيث والطيب وبين ذلك‏ (أخرجه كل من الإمام أحمد‏ ,‏ وأبو داود‏ ,‏ والترمذي‏) .‏
ولما كان الإنسان قد خلق أصلا من تراب الأرض‏ ,‏ ويحيا على خلاصة من عناصر الأرض تجهزها له النباتات في ثمارها وحبوبها‏ ,‏ أو المباحات من الحيوانات ومنتجاتها التي تستمد أجسادها من عناصر الأرض عن طريق ما تأكله من نباتات أو تستخلصه من مياه البحار والمحيطات قال ربنا‏ (وقوله الحق‏)‏ ممتنا على العصاة المتجبرين من قوم ثمود‏ :‏ هو أنشأكم من الأرض‏ . . .‏ بمعنى كيف تعصون الله‏ (تعالى‏)‏ رسوله‏ ,‏ وترفضون هدايته وقد خلقكم ونماكم من تراب الأرض؟‏!‏ وهو سؤال تقريري تقريعي توبيخي يدرك كل إنسان حقيقة الإجابة عليه‏ !! .‏
ثالثا ‏:‏ في قوله تعالى ‏: " وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا "
والخطاب هنا موجه إلى كفار ومشركي قوم ثمود‏ ,‏ ويمتن الله‏ (تعالى‏)‏ عليهم فيه بأن نجاهم من العذاب الذي أهلك به كفار ومشركي قوم عاد‏ ,‏ ومكنهم من الهجرة شمالا إلى أرض منطقة الحجر بوادي القرى‏ ,‏ وأعانهم على إعمارها بما هيأ لهم فيها من وفرة في الماء‏ ,‏ وجودة في التربة‏ ,‏ وتباين في التضاريس‏ ,‏ وحماية طبيعية بإحاطة الجبال بهذا الوادي الحصين‏ ,‏ وبما وهب صخور تلك الجبال الرملية من مسامية عالية لخزن الماء تحت سطح الأرض‏ ,‏ وطراوة متوسطة مكنتهم من نحت بيوتهم فيها‏ ,‏ وفواصل طبيعية مكنت عوامل التعرية من تحريك كتل كبيرة من تلك الصخور إلى بطن الوادي لنحتها قصورا فارهة‏ ,‏ ويذكرهم الله‏ (تعالى‏)‏ بتلك النعم فيقول ‏:‏ " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ
 وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ " (الأعراف‏:74)‏ .ويقول‏ (عز من قائل‏) :‏ " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ .‏‏ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ .‏ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ .‏‏ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ .‏‏ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ  " ‏(‏الحجر‏:80‏-‏84) .
‏ويقول‏ (سبحانه وتعالى‏) 
:‏ " كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ .‏ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوَهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ .‏‏ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ .‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ .‏ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ .‏ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ .‏ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .‏ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ .‏ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ .‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ‏.‏‏ وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ .‏ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ .‏ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ .‏ مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .‏ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ .‏ و‏َلاَتَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ .‏ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ .‏ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ .‏ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ  "(الشعراء‏:141‏-‏159) .
وهذا النص الكريم الذي جاء في الآية رقم ‏(61)‏ من سورة هود يكفي وحده للشهادة بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏ (اللغة العربية‏)‏ دون أن يضاف إليه حرف واحد أو أن ينتقص منه حرف واحد على مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏ ,‏ وإلى أن يرث الله‏ (تعالى‏)‏ الأرض ومن عليها‏ ,‏ حتى يكون شاهدا على الناس أجمعين إلى يوم الدين بأن الله‏ (تبارك وتعالى‏)‏ حق‏ ,‏ وبأن القرآن حق‏ ,‏ وبأن سيدنا محمدا‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ حق‏ ,‏ وأن الآخرة حق وهذا ما نتمنى إيصاله إلى الناس جميعا في زمن الضياع والفتن الذي يعيشه أهل الأرض أجمعون نتيجة لبعدهم عن هذا الدين الحق‏ , " ‏وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " (يوسف:21) .

" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ " (الأعراف133)‏.


بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2004-01-26

هذا النص القرآني الكريم جاء في أوائل الثلث الأخير من سورة الأعراف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(206)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي من طوال سور القرآن الكريم‏,‏ وأطول السور المكية علي الاطلاق‏,‏ وأول سور القرآن الكريم تعرضا بشيء من التفصيل لقصص عدد من الأنبياء والمرسلين السابقين لبعثة خاتمهم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏) .‏ وقد سميت السورة بهذا الاسم لوجود الاشارة فيها إلي الأعراف‏,‏ وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار للحيلولة بين أهليهما‏,‏ تكريما لأهل الجنة‏,‏ وامتهانا لأهل النار‏ .‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة الكريمة حول العقيدة الاسلامية القائمة علي أساس من التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏)‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ ولاصاحبة‏,‏ ولا ولد‏,‏ والتسليم الكامل بعبودية جميع الخلق لله‏
(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وحده‏,‏ والايمان الصادق بوحي السماء‏,‏ والطاعة التامة لأوامر الله المنزلة علي فترة من الرسل والتي تكاملت في القرآن الكريم وفي سنة النبي الخاتم‏
(‏ صلي الله عليه وسلم‏) .‏وهذه العقيدة الاسلامية  التي تشكل صلب الدين الذي يرتضيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده ولايرتضي منهم دينا سواه  علمها ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لأبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه‏,‏ ثم أنزلها علي سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله‏(000‏ ر‏120‏ نبي وثلاثمائة وبضعة عشر رسولا‏),‏ وأكملها‏,‏ وأتمها‏,‏ وحفظها في الرسالة الخاتمة التي أنزلها علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ ولذلك بعثه شاهدا‏,‏ ومبشرا‏,‏ ونذيرا للناس أجمعين إلي يوم الدين‏,‏ وتعهد بحفظ رسالته في نفس لغة وحيها‏(‏ اللغة العربية‏)‏ فحفظت علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وسوف تبقي محفوظة إلي قيام الساعة تحقيقا لوعد الله الذي قطعه علي ذاته العلية فقال‏(‏ عز من قائل‏)‏
" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ‏(‏ الحجر‏9) ‏ .
وأبرزت سورة الأعراف أزلية عقيدة التوحيد في ردود عدد من أنبياء الله ورسله علي أقوامهم بالقول السديد‏‏
‏" يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (الأعراف59) .
والتي ترددت أربع مرات في هذه السورة الكريمة علي لسان كل من نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وشعيب‏(‏ علي نبينا وعليهم وعلي جميع أنبياء الله السلام‏),‏ وأتبعت هذه الدعوة المباركة في كل مرة بتحذير أو تقريع شديد‏,‏ وذلك من مثل قول نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ لقومه‏‏
"‏ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " ‏(‏ الأعراف‏59)‏ .
وإلي قول نبي الله هود لقومه‏‏
"‏ أَفَلاَ تَتَّقُونَ " ‏(‏ الأعراف‏65)‏ .وإلي قول كل من صالح وشعيب‏(‏ عليهما السلام‏)‏ إلي قوميهما‏"‏ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ‏"(‏ الأعراف‏85,73)‏ . ولقد سبق لنا عرض سورة الأعراف في أكثر من مقال‏,‏ ولذلك أكتفي هنا بذكر كل من ركائز العقيدة والاشارات الكونية والتاريخية في هذه السورة المباركة‏ .‏
من ركائز العقيدة الاسلامية في سورة الأعراف :
‏(1)‏ الايمان بالقرآن الكريم وحيا خاتما منزلا من عند الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وضرورة الدعوة إلي الايمان به‏,‏ والانذار من عاقبة التنكر له‏,‏ أو محاولة إنكاره‏,‏ وتحمل كل حرج في سبيل ذلك لأنه يمثل مواجهة كل صور الباطل المنتشرة في أرجاء الأرض بالحق الوحيد الذي لايرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏ ومقابلة كل صور الكفر‏,‏ والشرك‏,‏ والضلال‏,‏ والظلم‏,‏ والفساد‏,‏ والطغيان‏,‏ بالتوحيد الخالص لله‏,‏ وخشيته وتقواه‏,‏ واستبدال العديد من النظم الجائرة‏,‏ والأوضاع الفاسدة‏,‏ والانحرافات عن منهج الله في مجتمعات الناس بإقامة عدل الله في الأرض‏,‏ وتأسيس القواعد لمراقبته وتقواه‏ .‏
‏(2)‏ التسليم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ منزه عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله ‏.‏
‏(3)‏ اليقين بما أنزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالعاصين من أفراد الأمم السابقة من مختلف صور العقاب المذكورة في محكم كتابه والتسليم بحتمية مساءلة المرسلين والمرسل إليهم‏.‏
‏(4)‏ الايمان والتسليم بحتمية البعث والحساب والجزاء في الآخرة‏,‏ ثم الخلود فيها إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏ .‏
‏(5)‏ التسليم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مستحق للشكر الدائم علي عظيم نعمائه‏,‏ وأن من صور هذا الشكر الخضوع له بالطاعة وبالعبادة كما أمر‏ .‏
‏(6)‏ الايمان بقصة الخلق‏,‏ وبأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الخالق‏,‏ الباريء‏,‏ المصور‏,‏ وبكرامة الانسان مادام مطيعا لأوامر ربه‏,‏ وبعداوة الشيطان للانسان ومحاولة غوايته كما فعل مع كل من أبينا آدم وأمنا حواء‏,‏ وبأن آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ قد تاب وأناب‏(‏ وكذلك أمنا حواء‏)‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد قبل توبتهما‏,‏ وبأن أحدا من ذريتهما لايحمل شيئا من وزرهما‏,‏علي الرغم من تخرص المتخرصين‏,‏ وزعم بعض الجهلة من المشركين  وأن الانسان مطالب دوما بمعصية الشيطان وبالحذر من غوايته ‏.‏
‏(7)‏ اليقين بأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏,‏ والاثم والبغي بغير الحق‏,‏ كما حرم الشرك به‏,‏ وأن يقول العباد علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ مالا يعلمون‏,‏ وحرم الاسراف وغيره من صور الافساد في الأرض ‏.‏
‏(8)‏ التسليم بأن الآجال محددة‏,‏ وأنه لايستطيع أحد من المخلوقين تغييرها‏ .‏
‏(9)‏ الايمان بأنه من اتقي وأصلح فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون‏,‏ وأن من كذب بآيات الله واستكبر عنها فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏,‏ لأن ذلك من أعظم صور الظلم للنفس‏ .‏
‏(10)‏ الايمان بما جاء في كتاب الله الخاتم من وصف لأحوال كل من أهل الجنة وأهل النار‏ .‏
‏(11)‏ اليقين بأن دعاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ تضرعا وخفية من أعظم العبادات قبولا من الله ‏.‏
‏(12)‏ الايمان بجميع رسل الله ورسالاته دون أدني تفريق أو تمييز‏,‏ وبوحدة كل تلك الرسالات التي دعت الخلق إلي توحيد الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده‏,‏ وأن العاقبة للمتقين‏ .‏
‏(13)‏ التسليم بأن خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مرسل للناس جميعا‏,‏ وأن ذكره قد جاء في كتب الأولين من أهل الكتاب‏,‏ وإن أنكره المنكرون‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏:
" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ .قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "   ‏(‏الأعراف‏158,157) .‏
‏(14)‏ الايمان بأن لله الأسماء الحسني التي لايجوز أن يدعي إلا بها‏,‏ وأن الذين يلحدون في اسمائه فسيجزون ما كانوا يعملون‏ .‏
‏(15)‏ اليقين بأن الساعة علمها عند الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ لايعلمه إلا هو‏,‏ وأنها ثقلت في السماوات والأرض‏,‏ وأنها لا تأتي الناس إلا بغتة‏ .‏
‏(16)‏ الايمان بأن الملائكة لايستكبرون عن عبادة الله‏,‏ وأنهم يسبحونه وله يسجدون‏ .‏
من الإشارات العلمية في النص الكريم :
جاء في سورة الأعراف عدد كبير من الآيات الكونية والتاريخية التي يمكن إيجازها دلالاتها فيمايلي‏‏
‏(1)‏ الاشارة إلي فجائية العقاب الإلهي‏(‏ بأس الله‏)‏ كما يتضح من قوله‏(‏ تعالي‏)‏:
" وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ "  (‏ الأعراف‏4)‏ .
ويتأكد نفس المعني في الآيات‏97‏ ‏99‏ من نفس السورة‏ .‏
‏(2)‏ التأكيد علي عملية التصوير بعد الخلق وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ عز من قائل‏)‏ 
" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ "الأعراف‏11) .‏
‏(3)‏ الاشارة إلي خلق الجن من نار وخلق الإنس من طين‏..‏ 
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)(‏ الأعراف‏12) .‏
‏(4)‏ الاشارة الي حقيقة العداوة بين كل من الشيطان والإنسان‏,‏ وإلي مرحلية وجودهما علي الأرض وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏:
" قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ . قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ "  ‏(‏ الأعراف‏25,24) .‏
‏(5)‏ الاشارة إلي السرعة الفائقة التي كانت الأرض تدور بها حول محورها أمام الشمس في بدء الخلق‏,‏ وإلي أن جميع أجرام السماء‏(‏ من مثل الشمس والقمر والنجوم‏)‏ مسخرات بأمر الله الذي له الخلق والأمر وفي ذلك يقول‏
(‏ عز من قائل‏)‏:
" إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ "  ‏(‏الأعراف‏54)‏ .
‏(6)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يرسل الرياح‏,‏ ويكون السحب‏,‏ وينزل المطر‏,‏ ويخرج النبت والشجر والثمر‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يخرج الموتي بنفس طريقة اخراج النبت من الأرض وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏:
 " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "  ‏(‏الأعراف‏57)‏ .
‏(7)‏ الإشارة إلي أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه‏,‏ وأن الذي خبث لا يخرج إلا نكدا‏(‏ الآية‏58‏ من سورة الأعراف‏) .‏
‏(8)‏ الإشارة إلي عدد من الأنبياء والمرسلين السابقين علي بعثة خاتمهم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ وعرض خلاصة دعوتهم إلي أقوامهم‏,‏ وتفاعل هؤلاء الأقوام مع تلك الدعوة‏,‏ وذكر عدد من المعجزات التي أيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها نبوة أنبيائه‏,‏ وصدق رسالات رسله‏,‏ واستعراض عدد من صور العقاب الذي أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالكفار والمشركين من تلك الأقوام‏,‏ والكشوف الأثرية المتتالية تؤكد صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به عن ذلك وغيره ‏.‏
‏(9)‏ التأكيد علي أن الطبع علي القلوب يوقف السمع‏ .‏
‏(10)‏ ذكر إرسال خليط من العذاب الذي أنزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي فرعون مصر وآله وكان فيه الطوفان والجراد‏,‏ والقمل‏,‏ والضفادع‏,‏ والدم‏,‏ وهو خليط لا يقوي أحد من الخلق علي مقاومته إلا ماشاء الله‏(‏ تعالي‏) .‏
‏(11)‏ الإشارة إلي أن للأرض عددا من المشارق المغارب‏ .‏
‏(12)‏ ذكر تظليل قوم موسي بالغمام‏,‏ وهم في التيه ضائعون في قلب شبه جزيرة سيناء‏,‏ والإشارة إلي إنزال المن والسلوي عليهم‏ .‏
‏(13)‏ ذكر معجزة مسخ عدد من منافقي‏,‏ ومشركي‏,‏ وكفار بني اسرائيل إلي قردة وخنازير‏ .‏
‏(14)‏ الإشارة إلي إذلال عصاة بني إسرائيل عبر التاريخ‏(‏ وإلي يوم القيامة‏),‏ بواسطة من يسومهم سوء العذاب‏,‏ عقابا لهم علي كفرهم‏,‏ وشركهم‏,‏ وإفسادهم في الأرض والله سريع العقاب‏,‏ وهو الغفور الرحيم لمن تاب وأناب ‏.‏
‏(15)‏ التأكيد علي تحريف اليهود للتوراة التي جاءهم بها موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي
 " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَىوَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "(الأعراف169) .
‏(16)‏ الإشارة إلي حقيقة من حقائق علم الوراثة وهي خلق جميع البشر من نفس واحدة‏.‏ وجعل زوجها منها‏,‏ وتكدس الشفرات الوراثية للبشرية كلها في صلب أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أشهد تلك الذرية الآدمية وهي في عالم الذر  بحقائق الربوبية والألوهية والوحدانية المنزهة عن كل وصف لا يليق بجلال الله‏ .‏
‏(17)‏ دعوة الناس جميعا إلي النظر في ملكوت السماوات والأرض‏,‏ والتعرف علي خلق الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ واستخلاص العبر من ذلك ‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الثانية عشرة والتي جاءت في الآية الثالثة والثلاثين بعد المائة من سورة الأعراف‏,‏ وقبل التعرض لما جاء فيها من دلالات علمية أري ضرورة الاستعراض السريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة ‏.‏
من أقوال المفسرين :
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏)‏:
 
" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ ‏"(‏ الأعراف‏133) .‏
‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏‏ فأرسلنا عليهم الطوفان‏)..‏ عن ابن عباس‏‏ كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار‏,‏ وعنه هو كثرة الموت‏,‏ وقال مجاهد‏(‏ الطوفان‏)‏ الماء والطاعون‏,‏ وأما الجراد فمعروف مشهور‏..‏ وأما‏(‏ القمل‏)‏ فعن ابن عباس‏‏ هو السوس الذي يخرج من الحنطة‏ .
وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري حاجة إلي تكراره‏,‏ خاصة وأن أغلبهم كان قد استند في تفسير هذا النص القرآني المعجز علي شيء من الإسرائيليات ومن الروايات المنقولة عن أهل الكتاب والتي لا سند لها‏,‏ ولا أصل ولا دليل يدعمها‏ .‏

من الدلالات العلمية للنص الكريم :
أولا‏‏ الطوفان‏‏:
الطوفان كل حادثة تحيط بالإنسان وصار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة سواء كان هذا الماء بسبب الماء الغالب الذي يغشي كل شيء فيدمره تدميرا كما يحدث في حالات السيول الجارفة أو فيضانات الأنهار المغرقة او انصهار الجليد‏,‏ أو تفجر الماء من تحت سطح الأرض أوطغيان البحار‏,‏ وذلك لأن الطوفان الذي أصاب قوم نوح كان بسبب ماء كل من الأرض والسماء‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏
(‏ تبارك وتعالي‏)‏:"
 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (‏ العنكبوت‏14) .
ويقول‏(‏ عز من قائل‏)‏
" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "‏(‏ هود‏44) .‏ولسنا ندري علي وجه التحديد أسباب الطوفان الذي أرسله الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي قوم فرعون‏,‏ فلم نجد في الأحاديث المرفوعة إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ شيئا عنها‏,‏ ونري أن من الواجب الوقوف عند حدود النص القرآني مادمنا لم نجد في السنة المطهرة تفسيرا له‏,‏ وذلك تجنبا للوقوع في الإسرائيليات التي لا سند لها‏.‏ وأغلب الظن هنا أن السبب في طوفان قوم فرعون كان كثرة الأمطار المغرقة‏,‏ والسيول الجارفة التي أتلفت الزروع والأشجار ودمرت المساكن والمنشآت والطرقات‏,‏ وأدت إلي فيضان النيل الذي ساعد في هذا الإتلاف والتدمير‏.‏ وذلك لأنه لا يوجد دليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات يشير إلي طغيان البحر الأبيض المتوسط في ذلك الزمن علي أرض مصر‏,‏ ولا يوجد أثر لتفجر الماء من تحت سطح الأرض‏,‏ ولم تكن أرض مصر مكسوة بالجليد إلا في أزمنة غابرة تمتد إلي الفترة بين‏500‏ مليون سنة مضت‏,‏ و‏400‏ مليون سنة مضت علي وجه التقريب‏(‏ في الفترة الزمنية الفاصلة بين العصرين الأوردوفيشي والسيليوري‏).‏ وقد وردت روايات شتي في شأن النص القرآني الذي نحن بصدده رواها الإمام الطبري في تفسيره‏,‏ وفي كتابه عن التاريخ‏,‏ ولكن يبدو أنه  علي روعة الجهد الذي بذله  قد اعتمد في ذلك علي عدد غير قليل من الإسرائيليات ‏.‏
ثانيا‏‏ الجراد‏(Locusts)‏:
‏(‏ الجراد‏)‏ اسم جنس لمجموعة من الحشرات المستقيمة الأجنحة‏,‏ والتي تجمع في رتبة بهذا الاسم‏(‏ رتبة مستقيمات الأجنحة‏=
(
(Orthoptera,‏ وتضم بالإضافة إلي الجراد مجموعة كبيرة من الحشرات منها نطاط الحشائش‏,‏ والحفار‏,‏ والصرصار‏(‏ الصرصور‏)‏ وغيرها‏ .‏ وواحدة الجراد‏(‏ الجرادة‏)‏ وهو لفظ يطلق علي كل من الأنثي والذكر‏,‏ فيقال أنثي الجرادة‏,‏ وذكر الجرادة‏,‏ كما يقال ذكر الجراد وأنثي الجراد‏ .‏
ويوضع الجراد مع نطاط الحشائش
‏(
GrassHopper)‏ في عائلة واحدة تعرف باسم عائلة الجراديات(‏FamilyAcrididae) وتتميز الحشرات فيها بالفم القارض‏,‏ والأجنحة المستقيمة‏,‏ وبالقدرة الفائقة للحشرة البالغة علي التجمع في أسراب كبيرة‏,‏والهجرة عبر مسافات طويلة ‏.‏ ويتراوح طول الحشرة البالغة من الجراد بين السنتيمتر والعشرة سنتيمترات‏,‏ ويصل عدد الجراد المهاجر في السرب الواحد إلي عشرات البلايين‏,‏ مما يجعله يغطي مساحة تقدر بأكثر من ألف كيلومتر مربع‏,‏ بكتلة تقدر بآلاف الأطنان‏,‏ ويأكل مثل هذا السرب في اليوم الواحد قدر وزنه من المزروعات‏,‏ ومن هنا كانت تسمية هذه الحشرة الخطيرة باسم‏(‏ الجراد‏)‏ وهو اسم مستمد من الفعل‏(‏ جرد‏)‏ بمعني أزال وكشف‏,‏ وعري‏,‏وقشر‏,‏ يقال‏(‏ جرد الجراد الأرض جردا‏)‏ أي أكل جميع ما عليها من نبات حتي تجردت من غطائها الخضري كما‏(‏ يجرد‏)‏ المرء عن ثيابه‏,‏ و‏(‏الجرادة‏)‏ بضم الجيم ما قشر عن الشيء أي أزيل عنه‏,‏ و‏(‏الجريد‏)‏ هو السعف الذي‏(‏ جرد‏)‏ منه الخوض أي نزع عنه‏,‏ و‏(‏التجريد‏)‏ هو التعرية من الثياب‏,‏و‏(‏التجرد‏)‏ هو التعري من الثياب أو من غيرها‏ .‏

وتهاجر أسراب الجراد علي ارتفاعات مختلفة من سطح الأرض‏,‏ فمنها ما يطير علي ارتفاعات منخفضة لا تتجاوز الثلاثمائة متر فوق مستوي سطح البحر في طبقات مستوية من الجراد المتراص بكثافات تتراوح بين مليون وعشرة ملايين جرادة في الكيلومتر المربع الواحد‏,(‏ الأسراب الطباقية‏),‏ ومنها مايصعد إلي ارتفاعات تصل إلي ألف متر فوق مستوي سطح البحر في هيئة تراكمية يأخذ فيها سرب الجراد شكل السحب الركامية فيسمي باسمها‏(‏ الأسراب الركامية‏)‏ يتوزع فيها الجراد في أكوام منها القمم السامقة‏,‏ والسفوح الهابطة‏,‏والأودية الفاصلة‏,‏ وبكثافات أقل من كثافة الأسراب الطباقية يتراوح فيها توزيع الجراد بين الألف والمائة ألف جرادة في الكيلومتر المربع‏,‏ وتساعد تيارات الحمل في الغلاف الغازي للأرض الهواء علي إعطاء أسراب الجراد المهاجرة علي ارتفاعات عالية هذه الأشكال الركامية ولذلك يختلف شكل سرب الجراد الركامي في هجرته من وقت إلي آخر باختلاف التيارات الهوائية التي تواجهه‏,‏ وإن كان الجراد بفطرته يقود سربه مع الاتجاه الرئيسي للرياح السائدة أو في اتجاه ممرات الهواء التي يتحرك الريح الرئيسي صوبها‏.‏ وغالبا ما تهاجر أسراب الجراد في النهار‏,‏ وتحط في الليل علي المزروعات والأشجار تلتهم منها كميات كبيرة تعينها علي استئناف الهجرة في الصباح التالي‏ .‏ وتتحرك أسراب الجراد بانضباط شديد تحت قيادة صارمة‏,‏ فتتحرك مقدمة السرب قبل مؤخرته باستمرار‏,‏ وتحط قبلها‏,‏ حتي تحدد اتجاه السرب ومواقع الهبوط ولحظات الانطلاق في كل يوم‏.‏ وتبدأ دورة حياة الجراد بوضع البيض في أماكن محددة‏,‏ ورعايته حتي يفقس في حدود شهر مايو من كل سنة لتخرج منه الحوريات التي تقوم بعملية الانسلاخ من جلدها عدة مرات حتي تصل إلي حجم الحشرة البالغة التي تحيا في باديء الأمر حياة فردية‏,‏ ثم تمر بمرحلة إنتقالية لتكوين جماعة‏,‏ ثم تنتهي بمرحلة الهجرة الجماعية التي تقطع فيها أسراب الجراد المهاجر مسافات شاسعة تمر خلالها بمناطق التكاثر الصيفي‏,‏والشتوي‏,‏ والربيعي حتي تعود إلي مناطق تكاثرها الأولي التي انطلقت منها‏.‏ وهذه الحشرات تصل إلي مرحلة البلوغ عادة في الفترة من منتصف شهر يوليو إلي منتصف شهر سبتمبر من كل سنة‏.‏ وعلي الرغم من علمنا بدورة حياة الجراد إلا أن غاراته لا يمكن التنبؤ بها قبل بدئها‏,‏ فقد يبقي الجراد في منابته الأصلية ويقوم بتكاثر محدود دون هجرة لفترات طويلة ودون الخروج من أسرابه المعتادة‏,‏ ثم يعاود تسارع تكاثره بشكل ملحوظ وتنظيم أسرابه لمفاجأة البدء بالهجرة الجماعية‏.‏
ومنابت الجراد ليست دائمة باستمرار‏,‏ بل تتغير من فترة إلي أخري‏,‏ وإن كانت هناك أحزمة معروفة لغزوات الجراد كما أن هناك أحزمة محددة تكثر فيها الهزات الأرضية ‏.‏

وللجرادة قدرة فائقة علي الطيران لمسافات طويلة تصل إلي مائة كيلو متر في اليوم‏,‏ وذلك بما حباها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ به من قوة عضلية فائقة بالنسبة إلي حجمها‏,‏ وتمكنها هذه القوة العضلية غير العادية من خفق جناحيها لفترات متصلة تتراوح بين الست ساعات والست عشرة ساعة مما يعينها علي اجتياز كل العوائق المائية والتضاريسية‏.‏ والطاقة اللازمة لهذا الجهد الخارق للعادة تستمد من تمثيل كل من المواد الكربوهيدراتية التي تحصل عليها مما تلتهمه من غذاء أولا‏,‏ ثم مما تختزنه في جسمها الناحل من دهون‏ .‏
ويقوم الجراد بهضم المواد النباتية التي يقرضها من كل من الزروع والأشجار بنهم شديد‏,‏ ويستخلص ما بها من مواد سكرية ونشوية وسيليولوزية وزيتية ودهنية‏,‏ ويحللها إلي مكوناتها الأساسية في عمليات من الهضم والأيض المعقدة‏,‏ ومن أمثلة ذلك أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أعطي للجراد القدرة علي استخراج غاز الإيدروجين من الدهون المختزنة في جسده‏,‏ وعندما يصل ذلك إلي دمه وتتم عملية احتراقه بواسطة الأكسيجين الجوي يتكون الماء في داخل جسم الجراد بالقدر الذي يحتاج إليه خلال رحلة طيرانه الطويلة دون الحاجة للنزول إلي الأرض من أجل الارتواء‏,‏ وذلك لأنه يستهلك كميات كبير من الماء أثناء طيرانه لايكفيه فيها ما يأخذه من النباتات الغضة التي يلتقمها بشراهة كبيرة ‏.‏
ومن هذا الاستعراض الموجز للجراد يتضح أن هذه الحشرة من جند الله التي يسخرها‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي من يشاء من عباده عقابا للمجرمين من العصاة الفاجرين‏,‏ وابتلاء للصالحين‏,‏ وعبرة للناجين

" فَاعتبروا يَا أُولي الأَبصَار‏" .‏

ثالثا‏‏ القمل‏(Lice)‏:
القمل من الحشرات غير المجنحة التي تجمع في طويئفة تسمي باسم طويئفة الحشرات غير المجنحة أو للسهولة باسم طويئفة غير المجنحات
‏(
SubclassApterygata)‏ وتضم هذه الطويئفة حشرات صغيرة الحجم‏,‏ عديمة التحول بمعني أن الحشرة في مراحلها الأولية تشبه الحشرة البالغة إلي حد كبير علي الرغم من ضآلة حجمها وعدم اكتمال أعضائها التناسلية ويقع القمل من هذه الطويئفة في رتبة خاصة تتميز بعدم وجود قرون شرجية ولذا تسمي باسم رتبة عديمة الذنب‏(Anoplura).‏ وهذه الحشرات غير مجنحة‏,‏ وذات قرون استشعار قصيرة وتضم أنواعا كثيرة من القمل مثل قمل الإنسان‏,‏ قمل الطيور‏,‏ قمل النحل‏,‏ قمل النبات‏,‏ قمل الخشب‏,‏ قمل الكتب‏,‏ وغيرها‏,‏ وكلها حشرات ضئيلة الحجم‏,‏ بنية غامقة أو مصفرة اللون‏,‏ يصل طول الحشرة البالغة منها إلي ثلاثة ملليمترات في المتوسط‏ .‏
ومن القمل أنواع ماصة كالتي تحيا علي أجساد الثدييات وأنواع قارضة كالتي تحيا علي أجساد الطيور‏,‏ولكل حيوان ثديي نوعه الخاص من القمل الماص‏,‏ ولقمل الإنسان‏(‏ وهو من النوع الماص‏)‏ سلالتان‏‏ قمل الرأس وقمل الجسم‏,‏ والأخير يمثل آفة شديدة الضراوة في إيذاء الإنسان وشديدة الضرر به لأنها تنقل إليه الجراثيم المسببة للعديد من الأمراض التي من أخطرها مرض التيفوس الوبائي‏,‏ أما قمل الرأس فيكثر في الصغار عنه في البالغين‏,‏ وفي رءوس الفتيات عنه في رءوس الفتيان ‏.‏
ويلتصق بيض القمل القارض إما في الشعر الخاص بكل من الإنسان والحيوان‏,‏ وإما في ريش الطيور‏.‏ ويموت القمل بسرعة إذا أزيل عن عائله‏,‏ ولكن نظرا لجلده السميك‏,‏ وأرجله القوية‏,‏ وفكوكه القارضة‏,‏ ومخالبه الكبيرة التي يستخدمها في التعلق بجسد عائله أو بشعره فإن ازالته عن جسم العائل تستلزم جهدا غير قليل ‏.‏
والقمل القارض
‏(
Mallophaga)‏ لا يمتص الدم بل يتغذي من نتاج الجلد كالقشور‏,‏ وأجزاء الشعر أو الريش‏,‏ ونتيجة لاغتذائه بهذه الطريقة فإنه يسبب تهيجا شديدا للعائل الذي يتعيش علي جسده أو رأسه‏,‏ وبفعل الاحتكاك الناشيء عن مخالبه فإنه يسقط بعض الريش عن جسم الطائر الذي يتطفل عليه‏ .‏ والقمل الماص‏(Siphuncularta)‏ يعيش علي أجسام كل من الإنسان والحيوان‏(‏ خاصة الحيوانات الثديية‏),‏ ولكل حيوان ثديي نوعه الخاص من القمل الماص ‏.‏
والقمل كغيره من المخلوقات هو جند‏,‏ من جند الله‏,‏ يسلطه علي من يشاء من عباده‏,‏ عقابا للظالمين من الكفرة والمشركين‏,‏ والغلاة المفسدين في الأرض‏,‏ والمتجبرين علي الخلق‏,‏ وابتلاء للصالحين‏,‏ واختبارا لصبرهم ولرضائهم بقضاء الله وقدره‏,‏ واعتبارا للناجين الذين رأوا ذلك رأي العين ولكن لم يصبهم من أذاه شيء‏ .‏

رابعا‏‏ الضفادع‏
(
Frog,Toad,Rana)‏ :
الضفادع من البرمائيات عديمة الذيل التي تجمع في طويئفة تحمل نفس الاسم‏‏ طويئفة البرمائيات عديمة الذيل أو للاختصار طويئفة عديمات الذيل
(
SubclassAnura=Salientia)‏ وتتميز الضفادع بأرجلها الخلفية الطويلة القوية المهيأة للقفز‏,‏ والأرجل الأمامية القصيرة‏,‏ والأقدام الجلدية المعدة للسباحة‏.‏ وبعض الضفادع تحيا حياة بحرية وإن استطاعت العيش علي اليابسة‏,‏ والبعض الآخر يحيا أساسا علي اليابسة مع امكانية العيش في الماء‏,‏ والذي يعيش من الضفادع علي اليابسة يحيا علي الأشجار أو يدفن نفسه في أوحال الأرض‏,‏ والضفدع له لسان طويل‏,‏ لزج‏,‏ ومرتبط بمقدمة الفم ليصطاد به فريسته من الحشرات‏,‏ والديدان وغيرها بمفاجأة وبسهولة مهما كانت بعيدة عنه‏,‏ ومعظم الضفادع لها أسنان في فكها العلوي‏.‏ وتبدأ دورة حياة الضفدع بوضع البيض الملقح في الماء‏,‏ ورعايته حتي يفقس‏,‏ وتخرج اليرقات التي تتنفس أولا بالخياشيم‏,‏ وهذه اليرقات ليس لها أقدام‏,‏ ومع نموها تأخذ شكل الضفدع الكامل وتبدأ في التنفس بواسطة الرئتين وتحصل علي الأوكسجين اللازم لعملية التنفس عبر كل من الجلد الرطب وبطانة الفم الرطبة‏ .‏
ونقيق الضفادع من الأصوات المزعجة للإنسان لأنه يسمع عبر مسافات طويلة تقدر بالأميال‏,‏ والكيس الصوتي المتضخم للذكر في بعض أنواع الضفادع قد يزيد في طوله علي بقية الجسم مما يضاعف من شدة نبرات نقيقه‏.‏ ليس هذا فقط بل إن بعض الضفادع قد يحمل للإنسان عددا من الفيروسات التي تصيب كلا من الكبد والكلي‏,‏ ولذلك كان من الأخطار التي تهدد حياة الإنسان خاصة أن الضفادع تؤكل في بعض الدول مثل فرنسا‏ .‏

خامسا‏‏ الدم‏
(
Blood)‏:الدم سائل أحمر اللون‏,‏ غليظ القوام‏,‏ سريع التخثر‏,‏ يتكون أساسا من كرات الدم الحمراء والبيضاء بالاضافة إلي العديد من الصفيحات‏,‏ والجسيمات الأخري‏,‏ ويعوم ذلك كله في سائل أصفر باهت يعرف باسم البلازما‏,‏ ويقوم الدم بنقل كل من الغذاء والأوكسجين والهرمونات إلي مختلف أجزاء الجسم‏,‏ ويجمع منها الفضلات‏,‏ كما يقوم بمحاربة كل الجراثيم التي تدخل إلي الجسم‏,‏ ويساعد علي اندمال الجروح وفي المحافظة علي درجة حرارة الجسم‏ .‏
والدم إذا سال خارج الجسم سرعان ما يتعفن وينتن بسبب ما يحمله من فضلات وجراثيم‏,‏ ولذلك حرم طعامه‏,‏ ولذلك أيضا كان تسليطه كعقاب من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لفرعون موسي وآله الذين لم يؤمنوا برسالة الله ولا برسوله إليهم‏.‏ ولسنا ندري ماهية هذا الدم الذي عوقبوا به‏,‏ ولكن في رواية عن سعيد بن جبير جاء فيها‏...‏ لما أتي موسي فرعون قال له‏‏ أرسل معي بني إسرائيل‏,‏ فأبي عليه‏,‏ فأرسل الله عليهم الطوفان  وهو المطر  فصب عليهم منه شيئا‏,‏ فخافوا أن يكون عذابا‏,‏ فقالوا لموسي‏‏ أدع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل‏,‏ فدعا ربه حتي أوقف الطوفان‏,,‏ فلم يؤمنوا‏,‏ ولم يرسلوا معه بني إسرائيل‏,‏ فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ‏.‏ فقالوا‏‏ هذا ما كنا نتمني‏,‏ فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه علي الكلأ‏,‏ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع‏.‏ فقالوا‏‏ يا موسي ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل‏,‏ فدعا ربه فكشف عنهم الجراد‏,‏ فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل‏.‏ فداسوا‏(‏ أي درسوا‏)‏ وأحرزوا في البيوت‏,‏ فقالوا‏‏ قد أحرزنا‏,‏ فأرسل الله عليهم القمل  وهو السوس الذي يخرج من الحبوب المخزونة  فكان الرجل يخرج عشرة أجربة أي أربعين قفيزا إلي الرحي فلا يرد منها ثلاثة أقفزة‏(‏ والجريب والقفيز مكيالان للحبوب‏,‏ والجريب أربعة أقفزة‏) .‏
فقالوا‏‏ يا موسي أدع لنا ربك يكشف عنا القمل‏,‏ فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل‏,‏ فدعا ربه فكشف عنهم‏,‏ فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل‏.‏ فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق الضفدع‏,‏ فقال لفرعون‏‏ ما تلقي أنت وقومك من هذا؟ فقال‏‏ وما عسي أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتي كان الرجل يجلس إلي ذقنه في الضفادع‏,‏ ويهم أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه‏.‏ فقالوا لموسي‏‏ ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع‏,‏ فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل‏.‏ فكشف عنهم فلم يؤمنوا‏.‏ فأرسل الله عليهم الدم‏,‏ فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار‏,‏ أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا‏(‏ طريا‏),‏ فشكوا إلي فرعون فقالوا‏‏ إنا قد ابتلينا بالدم‏,‏ وليس لنا شراب‏,‏ فقال‏‏ انه قد سحركم‏!‏ فقالوا‏‏ من أين سحرنا‏,‏ ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا وجدناه دما عبيطا‏(‏ طريا‏)‏؟
فأتوه فقالوا‏‏ يا موسي ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم‏,‏ فنؤمن لك‏,‏ ونرسل معك بني إسرائيل‏.‏ فدعا ربه‏,‏ فكشف عنهم‏,‏ فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل‏ .‏

ومع ايماننا الكامل بقدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي كل شيء‏,‏ تلك القدرة البالغة غير المحدودة بحدود‏,‏ ومع وقوفنا أمام هذا الحديث بإجلال كبير إلا أننا لا نقول فيه شيئا توقيرا لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ علي الرغم من أن الحديث غير مرفوع إليه ‏.‏
وهذه الآيات المشتملة علي العقاب بالطوفان الذي يؤدي إلي الهدم والغرق‏,‏ ثم بالجراد الذي يأكل الأخضر واليابس من النباتات والثمار والمحاصيل الغضة‏,‏ ثم بالقمل الذي يقضي علي المخزون من الحبوب والمحاصيل وينقل العديد من الأمراض‏,‏ ثم بالضفادع التي تزيل النوم من الجفون بنقيقها المزعج وقدرتها علي نقل العديد من الأمراض كذلك‏,‏ وبعد ذلك كله بالدم النتن المليء بالنفايات الجسدية والفيروسات والجراثيم التي تجعل الحياة حقا مستحيلة هي صورة من صور العذاب الإلهي الشامل لمجموعة من الكفرة والمشركين‏,‏ والغلاة المتجبرين في الأرض فيها من التسلسل المنطقي‏,‏ والشمول والإحاطة بأحداث تاريخية وقعت قبل بعثة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏,‏ بأكثر من ألفي سنة ما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ وما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‏.‏


مركز تحميل الصور الاسلامية

تحدي بين مدرس يهودي وطالب مسلم

su-34

أركان الإسلام

a7dathalnihaya