سورة الزمر للشيخ خالد الجليل

MultiHoster

الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير خلق الله

بفضل الله تم الانتهاء من الفيلم الوثائقي القصير * قصة زواج * ويعتبر من أقوي الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

 

فيا أنصار رسول الله فلنتعاون جميعا على الدفاع عن رسول الله و ننشر الفيديو على أوسع نطاق

 

 

 

قناة موقع نصرة رسول الله على اليوتيوب

To say that something is wrong or not, you have to say it is wrong because of what; because it is violating what.

Please check this video to know the truth about Prophet Mohammad & Aisha's Marriage.

 

If you want to read the perfect love story, I recommend that you don't read "Romeo and Juliet" but Read the story of Muhammad and Aisha, in the very words of Aisha herself explaining how beautiful this relationship was between her and Prophet Muhammad (PBUH)

 

            

Sponsored by 
Khalifa Al Hammadi
 
لمن يريد رعاية انتاج الأفلام الوثائقية بموقع نصرة رسول الله  الرجاء مراسلة
 

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

الدورة الهيدرولوجية تشهد على صدق النبي


الدورة الهيدرولوجية تشهد على صدق النبي
يؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم على أن هناك معدلات ثابتة لكمية الأمطار التي تسقط كل عام، فماذا يقول العلم الحديث وتحديداً وكالة الجيولوجيا الأمريكية حول هذا الموضوع؟ لنقرأ....


إنه نبي الرحمة والهدى والعلم، ما حدثنا حديثاً إلا وجاء العلم والحقائق اليقينية لتشهد على صدقه ونبوته. ولكن قبل أن نذكر الحديث المعجز، نود أن نذكر بعض الحقائق العلمية كما جاءت على وكالة الجيولوجيا الأمريكية وفق آخر ما كشفه العلماء في مجال علم المياه وكمية الأمطار المتساقطة كل عام.
أساطير من التاريخ
كان الاعتقاد السائد زمن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام أن كل سنة تنزل كمية من الأمطار تختلف عن السنة التي تليها، لم يكن أحد يتخيل شيئاً عن دورة الماء، وأن أوزان الغيوم المعلقة في الجو شبه ثابتة وأن كمية الماء في الأرض شبه ثابتة أيضاً، لم يكن لديهم تصور عن طبيعة المناخ على الأرض.
ولكن النبي الأمي الذي بعثه الله ليعلم العلماء أخبرهم بأن كمية الماء ثابتة على الكوكب، وهذه معجزة نبوية لم يكن أحد يتخيل هذه الحقيقة العلمية، ولذلك سوف نبحر في عالم المياه ونتأمل ماذا يقول العلم حول دورة الماء أو الدورة الهيدرولوجية.
ما هي الدورة الهيدرولوجية
إن الله تبارك وتعالى نظَّم هذه الكرة الأرضية بنظام ثابت فجعل نسبة اليابسة بحدود 29 بالمئة ونسبة البحار والمحيطات 71 بالمئة، وجعل كمية الماء في الأنهار شبه ثابتة خلال مئات السنين، كذلك جعل كمية الماء في البحار ثابتة وهكذا.
ولكن هناك تغير في هذه النسب بشكل طفيف يحدث مع مرور مئات السنين، لأن قطرة الماء التي نزلت من السماء هي ذاتها خرجت من البحر، وهي ذاتها ربما التي شربها أجدادك... أي أن هناك دورة للماء تتبخر من البحار ثم تصعد إلى الجو وتتكثف وتشكل الغيوم ثم ينزل المطر ونشربه أو يتغذى عليه النبات، ثم نُخرجه من جديد من خلال الفضلات فيعود إلى الأرض ثم يتبخر وهكذا...
وسبحان الله! إن المرء ليعجب من هذا الماء العجيب كيف يمكن للماء أن يبقى ملايين السنين هو ذاته يتغير من شكل لآخر دون أن يفقد قوته وقدرته على الحياة! لقد ظلت دورة الماء تعمل لآلاف الملايين من السنين دون كلل أو ملل، أليست هذه قدرة الله تعالى القائل: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 57]. انظروا كيف لخص لنا الله تعالى جميع مراحل دورة الماء في آية واحدة! يقول العلماء إن الشمس هي المحرك "الميكانيكي" لدورة المياه على سطح الأرض فهي التي تعمل مثل سخان ماء تبخر المياه، وهنا نجد قول الحق يتجلى عن دور الشمس في نزول المطر: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [النبأ: 13-16].
ملخص لدورة الماء كما جاءت في وكالة الجيولوجيا الأمريكية
نبين في الشكل الآتي ملخصاً لدورة الماء كما يقررها العلماء اليوم من موقع وكالة الجيولوجيا الأمريكية:
 
من خلال هذا المخطط نلاحظ أن هناك معدلات شبه ثابتة للتبخر وللماء المختزن في الأرض ولكمية الثلوج والأمطار وهكذا كل شيء مقدَّر وفق نظام محكم. وعندما تختل هذه الدورة تختل الحياة على ظهر الأرض، ولذلك يمكن القول بأن معدلات الأمطار على مدى عام تكون شبه ثابتة على الكرة الأرضية، ولكن تختلف من منطقة لأخرى.
نسبة الماء العذب إلى الماء المالح
لقد قدَّر الله النظام المائي على سطح الأرض بنسب لا تختل، فجعل نسبة المياه المالحة أكثر من 97 بالمئة، ونسبة المياه العذبة أقل من 3 بالمئة، ويقول العلماء لو زادت نسبة المياه العذبة قليلاً أو نقصت نسبة المياه المالحة لاختل النظام البيئي المتوازن على الأرض ولانقرضت أشكال عديدة للحياة. ولذلك قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]. والمخطط التالي يبين لنا نسب توزع الماء في الأرض حسب ما جاء على موقع وكالة الجيولوجيا الأمريكية.
 
تأملوا معي هذه المخططات التي تعبر عن نسب محددة لكميات الماء على الأرض، فالبحار المالحة تشكل 97 5% من مجموع المياه على الأرض، بينما الماء العذب أقل من 3 % وهذا التوزع لحكمة عظيمة ولولاه لاختفت الحياة في البحار، فهو توزع دقيق يضمن استمرار الحياة التي خلقها الله وقال: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)[الفرقان: 2]. لاحظ أن إجمالي إمدادات المياه في العالم يصل إلى حوالي 1.386 مليون كيلومتر مكعب من الماء، منها أكثر من 96% عبارة عن ماء مالح. وفيما يتعلق بالماء العذب، منها ما يزيد على 96% محجوز بالأنهار والكتل الجليدية و30% موجود بالأرض. أما مصادر الماء العذب المتمثلة في الأنهار والبحيرات فهي تشكل حوالي 93.100 كيلومتر مكعب أي حوالي 1/150 من 1% من إجمالي الماء. ولا تزال الأنهار والبحيرات تشكل معظم مصادر المياه التي يستخدمها الناس يومياً. المرجع USGS
توزع الأمطار بنسب محددة
بعدما درس العلماء مناخ الأرض وكميات الأمطار المتساقطة على المناطق المختلفة استنتجوا أن كمية المياه المتبخرة تساوي كمية الماء الهاطلة وذلك خلال عام واحد. وبالطبع هذا أمر منطقي إذ أن كمية الماء المتبخرة من المحيطات لو كانت أكبر مما يتساقط من أمطار وثلوج لبقي الماء معلقاً في الجو ولغطت الغيوم سطح الأرض وحجبت أشعة الشمس وانقرضت الحياة على ظهرها.
ومن خلال الشكل الآتي الذي أخذناه من موقع الجيولوجيا الأمريكي يتبين لنا أن هناك توزعاً دقيقاً للأمطار على سطح الأرض، وهناك معدلات شبه ثابتة لنزول المطر والثلوج، وهذه المعلومة لم تكن معروفة أبداً زمن حياة النبي الأعظم.
 
تختلف كل منطقة عن الأخرى من حيث كمية الأمطار المتساقطة، وفي هذه الخريطة فإن المناطق السوداء هي الأكثر مطراً تليها المناطق الزرقاء ثم الخضراء وأخيراً المناطق الصفراء تعتبر صحاري. وبشكل عام نجد المجموع الكلي لكمية الأمطار المتساقطة في العالم شبه ثابتة. (الأرقام أسفل الشمل تشير إلى كمية المطر المتساقط بالميلمتر والبوصة). المرجع USGS
الاحتباس الحراري يؤثر على دورة الماء
كلما ارتفعت حرارة الأرض بسبب التلوث فإن هذه الدورة الهيدرولوجية تختل، وبالتالي فإن الحديث عن ثبات كمية الأمطار له دلالة أخرى، أي أن هناك تدرج في ثبات كمية الأمطار، ويمكننا القول إن كمية الأمطار المتساقطة ثابتة على مدار مئة عام مثلاً، ولكن بعد مئة عام تتغير بشكل طفيف وهكذا. ويمكن القول إن الحديث عن معدل متوسط لكمية الأمطار المتساقطة كل عام هو كلام دقيق من الناحية العلمية وهو ما يستخدمه العلماء اليوم في جداولهم وإحصائياتهم.
معدل كمية الأمطار والمياه المتوفرة على الأرض
جاء في كتاب موارد المياه، موسوعة المناخ والطقس (أعده للنشر أس. أتش. شينيدر، مطبعة جامعة أكسفورد، نيويورك، المجلد 2 ص 817 – 828) المعدلات الوسطية لكميات المياه على الأرض وهي كميات شبه ثابتة خلال آلاف السنين:
كمية الماء في المحيطات بحدود 1,338,000,000 كيلو متر مكعب، وكمية الكتل الجليدية والجبال الجليدية والثلوج بحدود 24,064,000 كيلو متر مكعب وكمية المياه الجوفية مثل الآبار والمياه المختزنة تحت الأرض بحدود 23,400,000  كيلو متر مكعب، وكمية الماء في البحيرات بحدود 176,400 كيلو متر مكعب. كمية ماء الأنهار 2,120 كيلو متر مكعب وكمية الماء في المستنقعات تبلغ 11,470 كيلو متر مكعب.
ونلاحظ في هذا المصدر أن كمية الماء في الغلاف الجوي مثلاً (الغيوم والرطوبة وبخار الماء) تساوي 12900 كيلو متر مكعب، وهذه الكمية تبقى شبه ثابتة خلال آلاف السنين، وهي تدل على ثبات كمية الأمطار ولا تتغير إلا في ظروف جوية قاهرة، مثل تغير كبير في معدل درجات الحرارة العالمي أو كارثة بسبب نيزك يضرب الأرض. وهذا الجدول هو تطبيق عملي لحديث النبي الأعظم عندما قال: (ما من عام بأقل مطراً من عام ولكن الله يصرفه) صدق رسول الله.
المعجزة النبوية تتجلى...
يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من عام بأقلّ مطراً من عام ولكن الله يصرِّفه) [رواه البيهقي]، هذا الحديث يدل على وجود نظام ما لنزول المطر وتصريف الماء على وجه الأرض، وهذا ما يتحدث عنه العلماء اليوم كما رأينا!
وقد استشهد بهذا الحديث بعض الصحابة مثل ابن عباس رضي الله عنه لتفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [الفرقان: 48-50].
والآن إلى أوجه الإعجاز في هذا الحديث الشريف:
1- لقد حدد هذا الحديث الفترة التي يتم خلالها حساب نسبة الأمطار على سطح الكرة الأرضية تختلف من شهر لآخر ومن فصل لآخر حسب درجة الحرارة وحالة الطقس. ولكن إذا حسبنا كمية الأمطار الهاطلة خلال (12 شهراً) نجدها ثابتة. وهذا الأمر لم يكن أحد يعلمه في ذلك العصر، بل كان جميع الناس يظنون أن نسبة الأمطار تختلف من سنة لأخرى. ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين وضع القوانين العلمية للمطر قبل أن يكتشفها العلم الحديث بقرون طويلة!
2- ونتساءل عن القسم الثاني من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن الله يصرِّفه)، هذا تأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الماء يتوزع بشكل منتظم على سطح الكرة الأرضية. فكلمة (التصريف) تعني التوزيع لهذه الأمطار وفق مخطط دقيق. وهذا ما أثبته العلم الحديث وهو أن المياه تتوزع بنسب دقيقة في مختلف أجزاء الكرة الأرضية. وهذه النسب أيضاً شبه ثابتة على مدار العام، ولو أنها اختلَّت قليلاً لاختلَّت معها الحياة على سطح الكوكب.
3- إن الحديث الشريف عندما يؤكد على أن كمية الأمطار المتساقطة هي ذاتها كل عام، لا يعني أن هذه الكمية لن تتغير إلى يوم القيامة! لأن النبي يتحدث عن حقيقة كونية ولكن من الممكن أن تتغير هذه الحقائق مع اقتراب يوم القيامة، مثلاً الشمس لن تستمر في طلوعها من المشرق، والبحار لن تستمر على ما هي عليه بل ستشتعل ذات يوم ثم تنفجر، والجبال سوف تسير... وكل هذه الأحداث لابد لها من مقدمات.
 
واليوم نعيش آثار ظاهرة الاحتباس الحراري، ونجد العلماء يتحدثون عن مجاعات وعن ارتفاع في معدل درجات الحرارة وهذا سوف يؤدي إلى زيادة تبخر المياه وبالتالي حدوث العواصف والكوارث البيئية وكل هذا لا يتناقض مع الحديث النبوي لأن يوم القيامة لابد له من مقدمات وربما نعيشها اليوم!
4- يمثل هذا الحديث سبقاً علمياً في علم المياه لأنه يتحدث عن حقيقة مائية لم تنكشف للعلماء إلا حديثاً، وبالتالي يتضمن الحديث إشارة رائعة إلى وجود نظام مائي على سطح الأرض (ما من عام بأقل مطراً من عام) من الذي يعلم بمثل هذه الحقيقة في زمن كان أذكى رجل في العالم يعتقد أنه من الممكن أن تمر سنوات ولا تنزل قطرة ماء على وجه الأرض لأنهم لم يكن لديهم خرائط للكرة الأرضية ولا مخططات للرياح والسحاب ولا قياسات دقيقة عن كميات الأمطار المتساقطة كل عام، ولم يكن لديهم أقمار اصطناعية.
5- وقد يظن البعض أن كمية الأمطار غير ثابتة وتختلف من عام لآخر، ونقول هناك معدل شبه ثابت، فمثلاً هناك كمية من الماء محملة في الغلاف الجوي وهي بحدود 12.9 ألف كيلو متر مكعب، وهي عبارة عن غيوم وبخار ماء، هذه الكمية لا يجوز أن تختل، ولو حدث خلل كبير فإن الحياة بأكملها على الأرض سوف تختل.
لقد شكك أحد الملحدين في هذا الحديث بحجة أن كمية الأمطار تتغير كل عشرة ألاف سنة وبالتالي فالحديث غير دقيق، ونقول إن النبي الأعظم صحح معتقداً كان سائداً ألا وهو أن المطر قد ينزل على الأرض هذه السنة وقد لا ينزل أبداً السنة القادمة فيسمونها سنة جفاف.
ولذلك فإن النبي الأعظم يتحدث عن حقيقة علمية يدرسها الطلاب اليوم في الجامعات، فعندما يدرس الطالب دورة الماء وكميات المياه الموجودة في الأرض يدرسها على أنها نسب شبه ثابتة، ولو كانت تختلف كثيراً من عام لآخر لما أسماها العلماء دورة وبالتالي لم يدرسونها على أنها نظام يتكرر بكميات مقدرة ومحسوبة!
وأخيراً لا نملك إلا أن نقول سبحان الله الذي علم هذا النبي الأميّ وقال في حقه: (هو الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة: 2].

الإعجاز العلمي في آداب الطعام والشراب كما أوصانا بها الرسول عليه الصلاة والسلام


بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )
تعالوا بنا لنبحر معا في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه حول آداب الطعام والشراب
وادعوا كل أم وأب تعليمها لصغارنا نفعنا الله بهذه الوصايا في الدنيا والآخرة

( نقلا عن هيئة الإعجاز العلمي) : بقلم الدكتور محمد نزار الدقر:

النهي عن الشرب والأكل واقفا:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً " رواه مسلم . وعن أنس وقتادة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه نهي أن يشرب الرجل قائماً " ، قال قتادة : قتادة : فقلنا فالأكل ؟ فقال : ذاك أشر وأخبث " رواه مسلم والترمذي وقال صحيح غريب .

وعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما " أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذه بيده فشرب " وزاد مالك بن النضر " على بعيره " رواه البخاري.

أحاديث شريفة بعضها ينهى عن الشرب واقفاً وبعضها يجيزه ، فهل أن فيها ناسخ ومنسوخ ؟

يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم : ليس في هذه الأحاديث ـ بحمد الله تعالى ـ إشكال ولا ضعف بل كلها صحيحة والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنزيه . وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض . وهذا الذي ذكرناه يتعين إليه المصير وأما من زعم نسخاً فقد غلط فاحشاً .

وقال الحافظ ابن حجر معلقاً : وهذا أهم المسالك وأسلمها وأبعدها عن الاعتراض ، وقد أشار الأثرم إلى ذلك فقال : إن تثبيت الكراهية حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم ، وبذلك جزم الطبري والخطابي وغيرهما .

أما من الناحية الصحية ، فنحن مع الدكتور عبد الرزاق الكيلاني أن الشرب وتناول الطعام جالساً أصح وأسلم وأهنأ وأمرأ حيث يجري ما يتناوله الآكل والشارب على جدران المعدة بتؤدة ولطف. أما الشرب واقفاً فيؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة ويصدمه صدماً . وإن تكرار هذه العملية يؤدي مع طول الزمن إلى إستراخاء المعدة وهبوطها وما يلي ذلك من عسر هضم . وإنما شرب النبي وقفاً لسبب اضطراري منعه من الجلوس مثل الزحار المعهود في المشاعر المقدسة ، وليس على سبيل العادة والدوام .

كما أن الأكل ماشياً ليس من الصحة في شيء وما عرف عند العرب والمسلمين . وما ذكر في الحديث الغريب عن ابن عمر رضي الله عنه عن أكلهم ماشين وهم ذاهبون إلى الجهاد أو لأمر هام لم يستطيعوا معه الجلوس لتناول الطعام إنما هو وصف لحالة خاصة على غير العادة والاستمرار، أو أن أكلهم ماشين أنهم يأكلون على ظهور إبلهم وهي ماشية بهم فهذا مشي للإبل ولكنه جلوس لهم وإن حديث " من نسي فليستقيء " دليل على تشنيع النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الفعل ، وإنما فعله صلى الله عليه وسلم حتى لا يحرج أمته في أمور حياتهم اليومية والتي تقوم على عدم الكلف ، فيكون مفهوماً لأصل السنة الشرب والأكل جلوساً ، ولا حرج من فعله قائماً في ظروف خاصة .

ويرى الدكتور إبراهيم الراوي أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوتراً ويكون جهاز التوازن في مراكزه العصبية في حالة فعالية شديدة حتى يتمكن من السيطرة على جميع عضلات الجسم لتقوم بعملية التوازن والوقوف منتصباً. وهي عملية دقيقة ومعقدة يشترك فيها الجهاز العصبي ـ العضلي في آن واحد مما يجعل الإنسان غير قادر للحصول على الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم الشروط المرجوة عند الطعام والشراب ، هذه الطمأنينة يحصل عليها الإنسان في حالة الجلوس حيث تكون الجملة العصبية والعضلية في حالة من الهدوء والاسترخاء وحيث تنشط الأحاسيس وتزداد قابلية الجهاز الهضمي لتقبل الطعام والشراب وتمثله بشكل صحيح .

ويؤكد د. الراوي أن الطعام والشراب قد يؤدي تناوله في حالة الوقوف ( القيام ) إلى إحداث انعكاسات عصبية شديدة تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة في بطانة المعدة ، وإن هذه الإنعكاسات إذا حصلت بشكل شديد ومفاجيء فقد تؤدي إلى انطلاق شرارة النهي العصبي الخطير inhibition vagal لتوجيه ضربتها القاضية للقلب ، فيتوقف محدثاً الإغماء أو الموت المفاجيء .

كما أن الإستمرار على عادة الأكل والشرب واقفاً تعتبر خطرة على سلامة جدران المعدة وإمكانية حدوث تقرحات فيها حيث يلاحظ الأطباء الشعاعيون أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضة لصدمات اللقم الطعامية وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95% من حالات الإصابة بالقرحة .

كما أن حالة عملية التوازن أثناء الوقوف ترافقها تشنجات عضلية في المريء تعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة ومحدثة في بعض الأحيان آلاماً شدية تضطرب معها وظيفة الجهاز الهضمي وتفقد صاحبها البهجة والاطمئنان عند تناوله لطعامه وشرابه.

ذو القرنين وعمارة الأرض .. دروس وعبر


الكاتب : عمر النشيواتي


تبقى نظرتنا إلى كتاب الله تعالى ناقصة جزئيًا حتى تشمل كافة جوانب حياتنا، وحتى يدخل توجيه القرآن في كل جزئية، وفي كل ميدان، وفي كل فن.

ذلك التوجيه الذي أعنيه هو توجيه هداية وتنوير، نعرف من خلاله حكم ذلك الفن، وموقفنا منه وأخلاقنا فيه وكيف نتعامل معه، ومن خلاله، ويرسم لنا قواعد عامة، وضوابط وكليات جامعة شاملة، وأسس هامة ومبادئ رفيعة عالية في ذلك الميدان.

ولك أن تتصور إلى أي المستويات سنرتفع، وأي درجة سنبلغ، إذا توقفنا عند كل خطوة هامة مصيرية في حياتنا، لا نتجاوزها حتى نستهدي بهدي القرآن، ونستضيء بنوره، ليس في معرفة الحكم فحسب -كما هو غاية مطلب الكثير منا- بل إلى تلمس أسرار أخرى في المقدار الذي يحل ويحرم علينا، وإلى توجيه نفسي، وإيحاء شعوري، وما هو موقف الأفضلية؟، وما هو الأكمل والأرقى؟ لو فعلنا ذلك لبلغنا في العبودية ومراتب الكمال والتوفيق شأنًا عاليًا.

وتمثيلا لذلك وتوضيحًا له سأقف مع قصة (ذي القرنين)، محاولًا استخراج تلك المقاصد، ومتلمسًا أسرار القصة وأبعادها، وتوجيهاتها فيما يخص الجانب الأكاديمي للمتخصصين في العلوم التجريبية كالطب والهندسة والبرمجة والمحاسبة ونحوها، ولعل القاسم المشترك فيما بينهما، أن كلًا منهما يسعى في إعمار الأرض ويتسابق في إصلاحها وبنائها، ويتنافس في توجيه دفتها وقيادتها بشكل أو بآخر.

فيا ترى! هل يجب علينا إعمار الأرض؟ ومن سيتولى ذلك؟ وكيف يعمرها؟ وبم يعمرها؟ وما هي عوامل النجاح في إعمارها؟ وما هي أخلاق أولئك؟ وبأي لغة يتحدثون؟ بل كيف يجب أن تكون نفسياتهم ومشاعرهم، تجاه ربهم أولا، ثم تجاه مجتمعاتهم ومن هم دونهم؟
أسئلة واردة سأسعى للوصول إلى إجابات موجزة عليها من خلال القصة أضعها بين يدي طالب العلوم التجريبية عله أن يستضيء بها أو يجد فيها هدى.

قبل ذلك كله، لا أظنه يخفى على متعلم أن قصص القرآن تعتبر صورة حية مرئية يراد منها أن ترتسم في الخيال وتنطبع في النفس، وأن تبقى مثالًا حيًا فاعلًا في حياة من اتخذها مثالًا أعلى، ولا شك أن ذي القرنين محل ثناء من الله تعالى، جعله الله مثالًا وأنموذجًا لنا بكل تفاصيل قصته التي أوردها في كتابه. وإلا لنبّه على أخطائه وعلق عليها ونقدها، ولو بإشارة أو إيحاءٍ كما هي عادة القرآن.
قال القاسمي رحمه الله: "ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار، وإنما هي الآيات والعبر والأحكام والآداب تجلت في سياق تلك الوقائع، ولذا يجب صرف العناية إلى وجوه تلك الفوائد والثمرات، وما يستنبط من تلك الآيات...".


الوقفة الأولى: طموح يناطح السحاب، يحقق التمكين

سعى ذو القرنين حتى بلغ حيث انتهت طاقته وقدرته، ولم يرض بمنزلةٍ دون منزلة أحد من أهل زمانه حتى في مناصب الدنيا، ولم يقف عند حد، بل سعى في الأرض حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار بجيوشه حتى بلغ مشرقها ثم أتبع سببًا حتى بلغ بين السدين، وتملك تلك المناطق كلها حتى حكم فيها وأثر بفكره ومبادئه على أهلها وسيطر عليها وغدا شرطيًا أعلى للعالم وحارسًا لأهل الأرض، وملجأ للمظلومين، ومأمنًا للخائفين، عندها طابت نفسه وتحقق حلمه، همة متفجرة وطموح يناطح السحاب.

بهذا يبني ذو القرنين في نفس طالب العلوم التجريبية طموحًا عاليًا وهمةً شامخة، ويرسم له صورة مشرقة في سماء التفوق والجد والعزم، والتنافس والتصارع من أجل السيادة والغلبة والوصول إلى مفاصل التغيير والتأثير وهي صورة المؤمن القوي.
ويحطم في المقابل صور الهزيمة والخمول والكسل، التي تعشعش في نفوس كتير ممن ضعفت همتهم وخارت عزائمهم.
قال القاسمي رحمه الله: "ومن فوائد نبأ ذي القرنين: تنشيط الهمم لرفع العوائق، وأنه ما تيسرت الأسباب، فلا ينبغي أن يُعد ركوب البحر ولا اجتياز القفر، عذرًا في الخمول والرضا بالدون، بل ينبغي أن ينشط ويمثل في مرارته حلاوةَ عقباه من الراحة والهناء، كما قضى الاسكندر عمره ولم يذق إلا حلاوة الظفر ولذة الانتصار، إذ لم يكن من الذين تُقعدهم المصاعب عن نيل مايبتغون".
في حين أنا نلحظ زهدًا واضحًا من أبناء أمتنا في العلوم التجريبية، وتكاسلًا وضعفًا، بل يُتهم عالي الهمة فيها بأنه يلهث وراء الدنيا وأنه باع آخرته بدنياه، وبهذا رضينا لأنفسنا الهوان وذلت أمتنا حين مدت يدها إلى عدوها لتأكل وتشرب وتعيش، وازدادت مع بُعدها عن دينها وكتاب ربها ظلمة على ظلمة، وتأخر بهذا قطار أمتنا وتجاهَلَنا العالم وغَدونا لا نُهاب ولايُعبأ بنا.

ولو علت همة شباب أمتنا وسمت طموحاتهم، وارتقت آمالهم وأهدافهم، ووُجهت توجيهًا صائبًا، وشاعت وعمّت ثقافة الطموح، والتفوق والاجتهاد، وتنافسوا على المراتب العليا في مجالاتهم وتخصصاتهم، ولم يرضوا بالدون وبالصفوف المتأخرة، لرفعنا عن أمتنا شيئًا من الغمة، واستعدنا لها شيئًا من كرامتها وهيبتها، وأعدنا لها مكانتها وريادتها، وتلك بلا شك أداة جهاد أخرى نجاهد بها عدونا لنقيم من خلالها دين الله في الأرض.

قال محمد إسماعيل المقدَّم: "وإذا كان آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، فإن أعظم ما أصلح سلفنا البرار جمعهم القوة العلمية، والقوة العملية التي هي نشدان الكمال الممكن في العلم والعمل، واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور".

وقال ابن القيم: "كمال الإنسان بهمَّة تُرقِّيه، وعلم يبصِّره ويهديه".

وإذا كـانت النفـوس كبـارًا *** تعبت في مرادها الأجسام


الوقفة الثانية: موهبة وملَكة، مع قدرة وإرادة

قال الله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 84]، أي: بالقوة والتمكين والتدبير والسعة في المال، والاستظهار بالعدد وعِظَم الصّيت، وكبر الشهرة، {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84]، أي: طريقا موصلًا إليه من علم أو قدرة أو آلة.

مكَّن الله لذي القرنين في الأرض ويسَّر له السبل، وأعطاه من الأسباب في شخصه وعقله وأخلاقه وفي جيشه وقوته وماله، ما جعله أهلًا للوصول إلى ما وصل إليه، من الملك والتمكين والحكم.

والموهبة مفهوم يحمل معنى امتلاك الفرد لميزة ما، ويُقصد بها استعداد طبيعيي أو طاقة فطرية كامنة غير عادية في مجال أو أكثر من مجالات الاستعداد الإنساني التي تحظى بالتقدير الاجتماعي في مكان وزمان معين ويستدل على تلك الاستعدادات من تحليل التعليقات اللفظية، وعن طريق ملاحظة النشاط التخيّلي والحركي للمرء.
والموهبة هي الركن الرئيسي في البنية الإبداعية، وبدونها يتعرض البنيان للتفتت والانهيار، وهي التي تجر الإنسان إلى دراسة فن ما، وليست الدراسة هي التي تصنع الموهبة.
ومن هنا نلفت النظر إلى أهمية نظر طالب العلوم التجريبية في نفسه وقدراته وما يمتلك من أسباب وفرص عند اختيار تخصص هو مجاله، فلا يطالب نفسه بما لا يقدر عليه، ومالم يُمكَّن له فيه، وما ليس هو له أهل من جهة، ولا يتهرب مما هو في مقدوره وما أوتي فيه سبب، ولا يتكاسل عن أداء واجبه وما هو مناط به من جهة أخرى.

قال القاسمي: "ومن فوائد القصة: الاعتبار برفع الله بعض الناس درجات على بعض، ورزقه من يشاء بغير حساب ملكًا ومالًا، لما له من خفي الحكم وباهر القدرة، فلا إله سواه" على هذا، فليس لتخصص فضلٌ على تخصص مطلقًا -كما هي ثقافة شائعة- بل إن الأمر نسبي، فما يُفضل لشخص ربما لا يُناسب شخصا آخر. وهكذا رفع الله الناس بعضهم فوق بعض درجات في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ، والمناظر والأشكال والألوان، وقسم التخصصات بين خلقه ويسر لكل طريقًا خُلق له، والأذواق تتعدد والمواهب شتى، والناس معادن.

وليس امتلاكُ الموهبةِ ووجودُ الرغبةِ وحده كاف في تحديد التخصص، إذ لابد أن يضاف له توفر القدرة العقلية والنفسية والمادية لمواصلة التعلّم، وعند اجتماعهما معًا يُرجى لطالب العلم تسديدًا وتفوقًا، ولعلّ الفشل والضعف الذي يُلحظ في واقع الكثير إنما مرده إلى عدم اختيار التخصص المناسب، وذلك يحتاج إلى بحث دقيق، ودراسة متأنية، وتصور واقعي للتخصصات المتاحة من جهة، ولواقع الشخص المقبل على اختيار تخصص ما، من جهة أخرى.


الوقفة الثالثة: اجتهادٌ وبذلٌ للسبب بلا كسلٍ أو تواكل

قال الله تعالى عن ذي القرنين مرة: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85]، أي: فأتبع سببًا، سببًا آخر. أو: فأتبع أمره سببًا، ثم قال عنه مرتين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89 وَ 92].
مكن الله لذي القرنين وآتاه من كل شيء سببًا مع ذلك كله لم يكتف بهذا في تحقيق هدفه والوصول إلى مبتغاه -وأنى له أو لغيره أن يصل بهذا وحده- بل أتبع هذا بسبب يبلغه ذلك، ويحقق له أمله، فبذل جهدًا عظيمًا وجيَّش جنده وعدته وعتاده وما يمتلك من مال وقوة، ليواصل مسيرته وجهاده، ذلك لأنه أدرك حقيقة اتضحت لنا من خلال سيرته أنه لابد من بذل الأسباب والاجتهاد والنصَب ليصل المرء إلى مراده.

قال الرازي عند قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ} [آل عمران: 159]: "دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يُهمل الإنسان نفسه، وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيًا للأمر بالتوكل، بل التوكل أن يراعي المرء الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحق" {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

بهذا يرتسم لنا منهجٌ واضحٌ لنيل المعالي، وهو أننا وإن كنا صالحين في أنفسنا، وإن كنا عباد الله وجنده، وإن كان منهجنا وديننا هو المنهج الحق، فإن هذا لن يمنحنا بمفرده تفوقًا وبلوغًا لما نصبوا إليه حتى يضاف إليه بذل للسبب الكوني المحسوس واجتهاد في تحصيل ذلك الأمر، وهي سنة ماضية مطردة لا تجامل أحدًا ولا تحابي فردًا: {سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: 23].

قال القاسمي رحمه الله: "ومن فوائد القصة: الإشارة إلى القيام بالأسباب، والجري وراء سنة الله في الكون من الجد والعمل، وأن على قدر بذل الجهد يكون الفوز والظفر ...".

وبالأخذ بهذه الأسباب الكونية على تمامها مع اقترانها بالأسباب الشرعية، يتحقق للمرء ما يريده وينال خيري الدنيا والآخرة، ويُوفق ويُسدد في طريقه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ} [العنكبوت: 69]، وأما من قصَّر في أحد هذين الأمرين أو كليهما، فإما أن يفشَل ويُخفق في طريقه ولا يتحقق هدفه، وإما أن يُستدرج بتحقيق مراده، وربه ساخط عليه وهو يظن أنه موفق مسدد، عياذًا بالله تعالى.

يُضاف إلى هذا وذاك، أنه متى ما بذل السالك أقصى ما في يده من سبب، حتى استنفد جميعَ ما يملكُ من وسائلَ وأدواتٍ لبلوغ ما يراه خدمة لأمته ودينه بعد مشورة واستخارة وإعادة نظر وتفحص، ومع هذا لم يصل إلى ما يصبو إليه وانقطعت به السبل.
عندها.. وعندها فقط يتنَزَّل عليه فرجُ الله، وفتحه وتوفيقه، ويكون أهلًا للمعونة والتسديد، ومحلا للإكرام والتصويب من حيث لا يحتسب ولو حيل بينه وبين تحقيق مشروعه وهدفه فإنه يرضى ويسلم وأجره على ربه والخير عندها فيما اختاره له مولاه.


الوقفة الرابعة: وماذا بعد الانتصار والوصول والتفوق؟

قال الله عن ذي القرنين: {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ... * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 87-88].

حكى الله لنا موقف ذو القرنين حين بلغ مغرب الشمس، ووجد عندها قومًا، فبيّن أنه أقام فيهم دين الله وحاكمهم إلى شرعه، وهو بهذا يرسم لنا منهجًا واضحًا في الغاية من اجتهاده ومجاهدته حتى بَلَغ تلك المنازل الرفيعة في المُلك والحُكم، فهل يا ترى! يمتلك شبابنا كذلك منهجًا واضحًا ورسالةً جليّة، وأخلاق فاضلة راقية، يبلغونها العالم من ورائهم إذا وصلوا في تخصصاتهم التجريبية إلى مراتب عالية وشهرة عالمية، كما فعل ذو القرنين؟

يقول ابن تيمية: "فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم".

قال القاسمي: "ومن فوائد القصة: الاعتبار بتخليد جميل الثناء، وجليل الآثار، فإن من أنعم النظر فيما قص عنه في هذه الآيات الكريمة، يتضح له جليًا حُسن سجاياه، وسمو مزاياه، من الشجاعة وعلو الهمة والعفة والعدل، ودأبه على توطيد الأمن وإثابة المحسنين، وتأديبه للظالمين، والإحسان إلى النوع البشري".

إننا وإن كنا ندعي أننا نحمل همًّا لهذا الدين، فهل نمتلك برامج حقيقة في تأصيل تلك المشاريع في أنفسنا؟ وهل خطونا خطوات حقيقية صادقة نحو ذلك أم أنها مجرد مشاعر وأماني نداعب بها أنفسنا؟؟

إنه لمن المحتم على كل صاحب همٍّ في العمل لخدمة هذا الدين ورفع الغمة عنه، أن يخصص ساعات يبني فيها مشروعه الذي سينفع به أمته، وقد تتالت دعوات المصلحين تنادي بأهمية التخصص في فن شرعي بجانب التخصص الأكاديمي التجريبي، كلٌّ بحسب ميوله واهتماماته، في علوم القرآن، أو الحديث أو الفقه أو التاريخ، أو في جوانب العمل الخيري والإغاثي وخدمة المجتمع، أو في جوانب السياسة الشرعية والعلاقات الدولية وغيرها.

إنه من يقرأ ستة كتب متخصصة في فن من الفنون، يُصبح أحد أفضل عشرةٍ في العالم في ذلك الفن، ولا أظن ذلك يصعب علينًا، وما دام أنه ولابد أننا سنطَّلع على شيء ما في غير تخصصنا، فلمَ لا تكون اطلاعاتنا موجهة ومتخصصة؟

وما أجمل اصطحاب تلك الموازنة التي نادى بها أحد المصلحين حين دعا إلى تقسيم المطالعات والاهتمامات إلى ثلاثة أقسام: خمسون بالمائة للتخصص الأكاديمي، وثلاثون بالمائة لتخصص شرعي مصاحب، وعشرون للاطلاع العام المتنوع في كافة أمور الحياة والأحداث والنوازل ونحوها، وهي تجربة جديرة بالمتابعة إن شئت فخذ بها.

يُذكر في هذا الصدد أنه يُؤلف في كل شهر في العالم ما يقارب خمسون ألف كتاب يستحق القراءة، فهل يا تُرى سنستطيع استيعاب ذلك كله ومتابعة كل جديد؟ لا أظن أن ذلك ممكنًا، وقد مضى عصر الموسوعيين الذي يُلمّون بكل العلوم والفنون، وكفانا سطحية وانتقائية بغيضة.


الوقفة الخامسة: عبودية وافتقار، مع نجاح وتفوق، لا يفترقان!

تكررت لفظةٌ واحدةٌ (خمسَ مرات) على لسان ذي القرنين في قصته التي جاءت في صفحة واحدة، لتعكس لنا شيئًا من نفسيّته وروحه، ولغته التي يتعامل بها وحقيقة واقعه، أَدخل تلك الكلمة في سياقات متنوعة، وقالها في مواطن مختلفة، ألا وهي كلمة (ربِّي)، (ربِّه) ليُشعر بعبوديته التامة لله تعالى وافتقاره إليه، وأنه هو وحده مربيه والمنعم عليه وهو الذي منحه تلك المنزلة الرفيعة، وبلغه إياها، وحينما حكم أهل المغرب أراد أن يوحي إليهم أنه مجرد عبد مطيع لأمر سيده، في موطن ربما أشعر بأنه هو المتصرف المطلق والحاكم الأعلى فقال: {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا} [الكهف: 87]، ثم قالها في موطن عز وشرف حين ارتفعت الأعناق إليه طالبين إليه بناء السد فقال: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95]، وبعد أن أتم مشروعه وأكمل بناء السد، والنفوس كلها ممتنةٌ له مسرورةٌ بخدمته ونجاح خطواته، أرجع الفضل كله في ذلك إلى الله تعالى وعدّه من شواهد رحمة الله تعالى، ليربط القلوب بالله تعالى: {قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ } [الكهف: 98]، مستغلًا لحظات النجاح تلك في تعبيد الخلق لله تعالى، وتلك هي والله الغاية العليا لتفوقنا ونجاحنا وتصدرنا، إن كنا نعي دورنا حقًا.

قال القاسمي رحمه الله: "ومن فوائد القصة: الإعلام بالدور الأخرويّ، وانقضاء هذا الطور الأوليّ، لتبقى النفوس طامحة إلى ذلك العالم الباقي والنعيم السرمدي ولذا قال {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: 98]، إننا بحاجة دائمًا لأن نتذكر أننا مهما بلغنا في العلم والمجد والعلو مبلغًا رفيعًا، فإننا لا نخرج عن طور عبوديتنا لله تعالى والافتقار إليه، بل ما كان ذلك لنا إلا بتوفيق الله ومعونته ورحمته {هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ }، وكلما زاد الموفق رفعة ونجاحًا في مجاله وتخصصه، ازدادت مِنّة الله عليه، فازداد انكسارًا وذلةً لله تعالى وعبَّد النفوس معه لله تعالى، وهي علاقة مطردة متى ما اختلت خُشي على ذلك المرء أن يكون قد استُدرج عياذًا بالله".

قال ابن القيم رحمه الله: "من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله تعالى فهو حقيقة العبودية ولبُّها".
وقال رحمه الله: "إن مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبوديةً، أكملهم ذلًا لله وانقيادًا وطاعة ...".

إن النفوس المؤمنة متعطشةٌ لسماع كلمات العبودية والاعتراف بالفضل والمنة لله تعالى من كبار علماء الأرض وقياداتها، فقل لي بربك متى ستقر عيوننا برؤية مشاهد العبودية، وسماع كلمات الافتقار والذلة من أولئك؟؟ بل لِمَ لا نكون نحن أصحاب تلك المنازل حتى نشيع في العالم تلك الثقافة وتعود تلك اللهجة من جديد؟!!


الوقفة السادسة: إعمار للأرض وتأمين لأهلها، وبإتقان

حين شَكي من بين السدين إلى ذي القرنين: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ...} [الكهف: 94]، سارع إلى نجدتهم ومعونتهم، وكشف الغمة عنهم، وأسكن لوعتهم وأَمّنَهم، ولم يأخذ على ذلك عِوضًا، وأقام السد وبناه بإتقان ودقة{فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97].
بهذا عبّر ذو القرنين عن أمر آخر سعى لأجله، وتحقق على يديه، ليعلمنا نحن أهل الإسلام وأصحاب الدين الحق أننا مسؤولون عن تأمين أهل الأرض ودفع الشرور عنهم، وتحقيق السلام والأمن للبشرية جمعاء، وأنَّا نحن وليس غيرنا من يقود سفينة البشرية إلى بر الأمان والسعادة في الدنيا ثم في الآخرة.

فهل أمتنا اليوم من يقوم بهذا الدور حقًا؟ وإلا، فهل تجهَّزَت واستعدَّت لتقوم بهذه المهمة المنوطة بها؟ وهل أعدت رجالها لقيادة البشرية؟ ولِأن يكونوا مفزعًا لأهل الأرض، وملجأ للخائف والمنكوب من المجتمعات، بديلًا لمجلس الأمن والأمم المتحدة وكافة مؤسسات الكفر؟!
فضلًا عن هذا فإننا مطالبون بأداء هذا كله ليس على أي وجه، إنما بصورة متقنة تامة تُرضي أهل الأرض عنا وتُقنعهم بنا، كما أتقن ذو القرنين مشروعه وأداه على أكمل وجه وأحسن صورة، لكن وللأسف تبقى ثقافة الإتقان والدقة بعيدة كل البعد عن واقع أمتنا على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسات، وذلك كله يحتاج إلى مراجعات جادة صادقة لتغدو بعدها ثقافة الإتقان عادةً وسجيةً في أفراد أمتنا، عندها نرجوا لأنفسنا أن نكون في المقدمة.

كانت هذه إشارات سريعة، وخواطر عابرة، أضعها منارات وعلامات على الطريق، يستضيء بها السائر ويحدو بها الحادي أرجو أن أكون قد وُفقت في عرضها وترتيبها، وأن لا أكون قد حمّلت القصة ما لا تحتمل، وأستغفر الله من الزلل والخطأ، ومن اللافت للنظر أن هذه القصة ذُكرت في سورة الكهف، والتي استحب الشارع لنا أن نتلوها في كل يوم جمعة، ليرسخ هذا المثال في نفوسنا فنحذوا حذوه، فيحسن بالتالي لهذه السورة تذكر هذه المعالم وغيرها.

أسأل الله أن ينفع بها كما أسأله أن يفتح علينا من أسرار كتابه وكنوز كلامه، مانهتدي به إلى صراطه القويم، وأن يجعلنا ممن يقول ويسمع القول فيتبع أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.


موقع المسلم

الإعجاز_النبوي_في_ذكر_عمر_النحل_


ما يزال يُطلق على ( النحل ) حتى هذا اليوم لفظ ( ذباب ) في بعض الأوساط الريفية العربية وغير العربية. و لهذا اللفظ في اللغة عدة معانٍ[1]، من هذه المعاني ما يدل على حشرات طائرة منها النحل. جاء في تفسير ابن  كثير لسورة النحل: قال ابو يعلى الموصلي: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا مكين بن عبد العزيز عن أبيـه عن أنس رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عمر الذباب أربعون يوماً والذباب كله في النار إلا النحل "[2]. قيل: كونه في النار ليس بعذاب، إنما ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم.                
    يُفهم من الحديث الشريف أن المقصود بالذباب هي الحشرات المجنحة الصغيرة الحجم التي تؤذي الإنسان والحيوان، وأن النحل صنف ينتمي إلى هذا النوع من الأحياء، و يتميز عنها بسلوك مختلف ينفع الناس فلا يلاقي المصير المذكور. والحديث يُعدّ ضعيفاً عند بعض رجال الحديث وحسناً أو صحيحاً عند آخرين[3]، و لكلّ ما يرجع اليه.
    علينا أن نتذكر أنّ كلَّ ما كان يُعرف عن النحل في عصر الرسالة وما قبله لا يخرج عن معلومات قليلة مستمدة من النحالين والأطباء، تتناول تربية النحل في خلايا محلية، وانتشارها في الجبال والبراري، وعسلها وأثره في الدواء والغذاء، وشمعها الذي غلب إستخدامه في الإضاءة، وإبرها التي تدافع بها عن نفسها وتلسع بها من يقترب من خليتها من إنسان أو حيوان.
     دام الحال هكذا حتى القرن العشرين حين تمكن العالمان C. A . Rosch  و Karl Von  Frisch )  من الوصول إلى معرفة دقائق حياة النحل من خلال دراساتهم و مراقباتهم التي طُبقت على طوائف نحل في خلايا ذات واجهات زجاجية[4] بعد أن تمّ وضع علامات مميزة على عدد منها فور خروجها من نخاريب الحضنة.
      لاحظ هؤلاء العلماء أن هناك فرقاّ أساسياً بين الانسان والنحل في طريقة تقسيم العمل، ذلك أن الإنسان عندما يتخصص بعمل ما فإنه يظل عليه حتى آخر العمر، بينما تغيّر النحلة نشاطها كلما تقدمت في السن، طِبقاً لخطة ثابتة، تمارس من خلالها جميع أعمال الطائفة، تبدأ حياتها عاملة نظافة وتنتهي جامعة غذاء. كما لاحظوا أن حياة النحلة في الأحوال الإعتيادية في موسم وضع البيض وفيض العسل في الربيع والصيف تشتمل على مرحلتين، الأولى: تقوم فيها النحل بأعمال منزلية داخل الخلية أطلقوا عليها (المرحلة المنزلية)، وفي الثانية: تمارس أعمالاً خارج الخلية في الحقول أطلقوا عليها ( المرحلة الحقلية ).
بيض جديد في نخاريب الحضنة، تظهر بعض البيوض الجديدة

 المرحلة المنزلية:
         تبدأ المرحلة الأولى منذ أول خروج النحلة من نخروبها، حيث تكون رطبة الجسم باهتة اللون، وفي خلال ساعات يجف جسمها ويصفو لونها وتباشر نشاطها من اليوم
(1-3 ) في تنظيف نخاريب الحضنة وصقلها لاستقبال البيض الجديد، وتنتشر فوق  الحضنة تحافظ على دفئها، و في الوقت نفسه تمدّ خرطومها إلى النحلات الأكبر سناً لمدّها بالعسل .
وفي اليوم(4-7) تتناول غذاءها بنفسها وتلتهم كميات كبيرة من حبوب اللقاح فيكتنز جسمها وتقوم بتغذية كبار اليرقات بالعسل وحبوب اللقاح .
و في اليوم (8-11 ) تنضج غددها البلعومية وتفرز غذاءً ملكياً تغذي به الملكة وصغار اليرقات.
وفي اليوم ( 12- 21 ) تضمر غددها البلعومية وتنمو غددها الشمعية فتبني أقراص الشمع ثمّ تغطي نخاريب العسل الناضج بطبقة شمعية رقيقة، وتكتمل غددها اللعابية فتستلم الرحيق من النحل الحقلية وتعمل على إنضاجه وخزنه في النخاريب الخاصة به، وتعجن حبوب اللقاح بالعسل وتجعلها في نخاريبها على هيئة أقراص بعضها فوق بعض.
    وفي هذه الفترة تغادر الخلية بعد الظهر يومياً في  )طيران توجيه(  تتدرب فيه على الطيران، و تتعرف المعالم الخارجية من أشجار وبنايات ومدخل الخلية وموقعها في المنحل، وتعمل على تنظيف الخلية من الفضلات والنحل الهالكة والأجسام الغريبة. وقبل ختام هذه المرحلة بثلاثة أيام تقوم بحراسة الخلية، تنتشر أمام مدخلها لحمايتها من النحل السارقة والزنابير، وتهاجم من يقترب منها من إنسان أو حيوان. وبذلك تنتهي المرحلة المنزلية من حياة النحلة و قد استغرقت ثلاثة أسابيع.                                        
صورة لنحلات وهي تعود بالرحيق إلى الخلية
المرحلة الحقلية :        
   تغادر النحل خليتها في بداية الأسبوع الرابع من عمرها، تسرح في الحقول بحثاً عن الغذاء، وقد يمتد طيرانها مسافة ( 8 ) أميال، تنصرف فئة منها إلى جمع الرحيق وأُخرى إلى حبوب اللقاح وثالثة إلى الماء ورابعة إلى العِكبِر[5]، ولا يُعرف النظام الذي يتمّ بموجبه تحديد هذه الواجبات وتوزيعها على الفئات الأربع، ولكنه يدفع جامعات الرحيق إلى أن تتحول إلى جمع حبوب اللقاح إذا قلّ فرزالرحيق ( وبالعكس ) دون أن تستسلم للراحة والإنتظار، ازداد فرز الرحيق ثانية تعود إلى جمعه . و يسمح للشغالة بجمع الرحيق وحبوب اللقاح معاً من زهرة واحدة، إذا ساعد تركيبها على ذلك، لتعود إلى الخلية محمّلة بوجبة غذاء كامل.              
تعيش النحلة هذه المرحلة الشاقة نحو ثلاثة أسابيع، ويتوقف طول عمرها على ما تبذل من مجهود ضخم وعمل دؤوب يؤدي إلى إرهاق ومن ثََمّ إلى هلاك عدد غفير منها ولمّا تكد تتم أسبوعها الثالث، فضلاً عما تتعرض له في الجوّ من أخطار جسيمة جرّاء انتشار المفترسات من طيور وحشرات. وبذلك لا يتعدى مجموع عمرها ستة أسابيع، إبتداءً من يوم خروجها من النخروب وإنتهاءً بيوم هلاكها، و تكون فترة الأربعين يوماً التي ذكرت في الحديث الشريف أسلم تقدير يمكن إعتماده لمعدل عمر النحل. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم).


     وجه الإعجاز :  
    في الحديث الشريف يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم عمر النحل بأربعين يوماً، وهو تحديد واضح وصريح، تتفق معه النتائج التي توصل اليها البحث العلمي. و المعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من رجال الدراسات والبحوث، ولم يسبق له أن راقب النحل وهي تطير من خلاياها وإليها، ولم تكن المعلومة هذه شائعة في عصره صلى الله عليه وسلم ولا قبل ذلك، بدليل أن التاريخ لم يذكر أن أحداً من القائمين على تربية النحل أو العرّافين أو الكهنة زعم أن النحلة تعيش هذا الكمّ من الأيام، فلا بد من أن يكون من وراء هذه الحقيقة العلمية تدبير إلهي يُملي على الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينطق به، ليكون إعجازاً يشهد على صدق حديثه ورسالته، إن لم يظهر في حينه فإنه باقٍ في ضمير الغيب حتى يأذن الله به.    
     يُعبّر هذا الإعجاز النبوي عن عمر النحلة في موسم النشاط والعطاء، حيث يظهر العمل الحقيقي للنحلة وتأثيره البالغ في البيئة والإنسان، وذلك حين تتفتح أنواع الأزهار تملأ الأرجاء طلباً للتلقيح، وتنمو طوائف النحل وتتكاثر، ويتدفق العسل غزيراً في المناحل و يُجمع الغذاء الملكي ويُستخلص السُمّ ويُؤخذ العِكبِر ويُقشط الشمع، أما فيما عدا ذلك، حين تشحّ مصادر الغذاء ويتبدل الطقس وتتقلص الحضنة ويقل السروح وحيث لا إرهاقَ ولا نِتاج حينئذ يمكن للنحل أن تمكث في خلاياها أغلب أيام الخريف والشتاء ، لا يزعجها ويقلل من أعدادها إلا التكوّر الشتوي[6] الذي تسببه شدّة إنخفاض درجات الحرارة في الخارج ، فإذا أقبل الربيع تسلم الأمانة إلى الجيل الجديد وتختفي.

-------------------------
الهومش:
[1] تاج العروس ج 2 ص 419 – 428. ومن معانيها: حافتا السيف. جبل بالمدينة. بقية الشيء. الجنون. نكتة في جوف حدقة الفرس وغيرها.
[2] تفسير ابن كثير لسورة النحل الآية 69 . ج2 ص576 . وتاج العروس ج2 ص422..
[3]ضعّفه ابن عدي في فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الطب )، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3442 ) من حديث أنس .
[4] يقول القرطبي في تفسير الآية 69 من سورة النحل: قد صنع ارسطاطاليس بيتاً من زجاج لينظر الى كيفية ما تصنع ( النحل )، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين ( بالعِكبر ). ما بين القوسين من الكاتب. وفي هذا إشارة الى قِدم المحاولة..
[5] العِكبِر ( بكسر العين و الباء ): مادة صمغية تجمعها النحل من براعم الأشجار تُستخدم في عدة أغراض منها: ملء الشقوق في داخل الخلية و صقل النخاريب و تعقيمها و تضييق فتحة المدخل قبل حلول الشتاء، وفي تحضير بعض الأدوية.
[6] التكوّر الشتوي هو تجمع النحل شتاءً على هيئة عنقود غلافه من نحل رؤوسها متجهة الى الداخل، تنخفض درجة الحرارة فيه الى 8 درجات مئوية ، وفي الداخل حيّز تتحرك فيه النحل : إما أن تجري مسرعة بدون هدف، أو تهزّ بطونها يمنة و يسرة  لرفع درجة الحرارة الى 32 مئوية. ويتبادل الفريقان الداخل والخارجي الأمكنة باستمرار.
المراجع :
1ـ تاج العروس من جواهر القاموس. محمد مرتضى الزَبيدي 1965 . الكويت.
2ـ تربية النحل وإدارة المناحل. أحمد لطفي عبد السلام 1968. القاهرة.
3ـ  تفسير ابن كثير. اسماعيل بن كثير القرشي 1987. بيروت.
4ـ مختصر تفسير ابن كثير. إختصره أحمد بن شعبان ومحمد بن عيادي 2004. القاهرة
5ـ النحل الراقص. كارل فون فريش. ترجمة أحمد حسن كاشف. سلسلة الألف كتاب 1967. القاهرة. 

ثورة الشباب في جيش طالوت (1-2)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فحتمًا هو لا يراني، ولكنني أراه.. أشعر به حقًا.. أتلمس الهواء الخارج مِن فيه ساخنًا ممتلئًا بحروف صامتة تحتاج إلى لم شتاتها في كلمات.. أراه في كل موقف يتشكل على عين طالوت، والاختبارات الطالوتية لا تحتاج إلى كثير شرح أو توضيح.

{إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249]، ليته قال: لا يشرب أو حتى لا يقترب من النهر، ولكن وهج الاختبار في التذوق، ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف حتى يرتوي، ولكنها ليست مجرد معرفة.. إنها أصوات ألسنة القطرات تصدع بأعلى صوت على لسان وشفاه كل جندي، تقول له: "التهم المزيد"، ولكن القوة في الاغتيال المبكر لحديث النفس، بل لخواطرها، بل لهواجسها.. اختبار لأودت نتيجته بالأكثرية {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ} [البقرة: 249]، ولكن داود -عليه السلام- كان من القليل -ولله الفضل والمنة-.

لعل تمارين الصمت والاتباع قد ظهر أثرها.. لعل تمارين الجندية التي انطلقت من أول القصة وقد كان عنوانها: "جوارح تتبع، وقلوب تُصنع"، تمارين الجندية تؤثر في القلوب قبل الأبدان والجوارح.

أزعم أن مدرسة: {كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ} [النساء: 77]، كانت مِن أكبر المحاضن التربوية التي صُنع فيها صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورضوان الله عليهم.

{كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ} [النساء: 77]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يُؤذى، والنخبة تُهاجر إلى الحبشة، وبلال يُعذب، وسمية تقتل أشد قتلة، والقدور تغلي بالقلوب، والكل يتبع وينفذ التعليمات!

وسبحان الله كما قيل: "الدوافع التي نحاول كبتها هي التي تصنع عضلات أقوى".

وسرت هذه القاعدة على داود -عليه السلام-، في صمته، في تأمله لكل موقف، وإحسانه في أداء ما عليه في حراسته لثغره، وقلبه يصنع، والمنتجات القلبية ظهرت في سوق المعركة، بل وتميزت، ولعل أولها كان إنكار الذات.

وإنكار الذات ليس بالأقوال البراقة المنمقة الفصيحة: "أنا أسوأكم.. أنا أقلكم علمًا.. أنا أكثركم ذنوبًا.. "، إنكار الذات منتج قلبي بحت، أن يتيقن كل فرد منا مِن داخله بحاجته لإخوانه، وأنه صفر مِن غيرهم، أن لا تعلن رضاك بدورك فقط، بل تتميز فيه حتى لو كان في غيابات الجيش.

ويا لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- في رائعته التاريخية حين لبى أمر أمير المؤمنين الفاروق -رضي الله عنه- بلا أدنى حظ للنفس، أرى بدنه المتبع المجند، ولا أرى قلبه الذي يصنع ليكون في معركته الجالوتية، يا له من قلب انتصر على نفسه في أكثر من معركة قبل أن ينتصر على غيره في الميدان، وكما يقول الراشد: "انتصارات القلوب هي مفتاح انتصارات الميادين"؛ لذا لا تتعجب حين نطقت القلوب المنتصرة حين صرخت: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].

تأمل: {وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.. منتج قلبي آخر، ولا تتعجب حين نطقت: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].

ثم ماذا؟ ثم اللحظة التاريخية.. التحول الإستراتيجي في حياة بني إسرائيل..

الخبر باختصار: "داود الشاب ينهي المعركة، ويقتل جالوت".

ولعل هذه لغة الصحافة، ولكن لغة الإيمان تختلف: "داود القلب ينهي المعركة -بإذن الله-، ويضع منهجًا لقتل كل جالوت".

وبدأت أمجاد بني إسرائيل..

نقطة ومن أول السطر..

أترك أرض المعركة، وأترك بني إسرائيل، وأنتقل بك عبر الزمان والمكان على الهواء مباشرة إلى زماننا الحالي.. إلى عالمنا العربي الغالي.. إلى ما نحن فيه مِن أحداث.. ولعل داود هو أنت أو هي.. لا أدري.. دعني من الأسماء، واتركني مع المعاني.

داود الذي سيحدث الفارق، الذي سيحول الدفة ويحدد الوجهة، ويحيي الأمل باقتدار، صُنع قلبًا قبل أن يصنع جسدًا، أحسن الجندية.. تألق في الإعداد.. عاش لهدف حتى في وسط أرض الجهاد والمعارك والدماء، وهل يصنع الأبطال إلا هناك؟!

لم يكن صفرًا، ولكنه كان رقمًا، علم منذ البداية أنه إن لم يكن له هدف فسيكون جزءًا من أهداف الآخرين، وإن لم يخطط للنجاح فقد خطط للفشل دون أن يدري، فهم المعادلة، قال -تعالى-: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُورًا} [الإسراء: 18]، هذا صنف أراد العاجلة وسعى نحوها.

وانظر إلى داود الذي نريد: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]، وضوح في الهدف، ثم انطلاق في الاجتهاد في السعي {سَعَى لَهَا سَعْيَهَا}، وكأني أرى حرف السين درجات سلم كل درجة خطوة في خطة طويلة المدى نحو هدف عظيم، ولكن تأمل الضابط {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} دور العقيدة الأصيل المتأهل {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: 19]، فَهِم هذا القانون:{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]، مكبًا.. وقع؛ لأنه بلا هدف، ولكن صاحب الطريق المستقيم نظر إلى العقبات وكأنها حواجز في سباق؛ فزادته حماسة وعملاً.

لم يكن خامل العمل، ولكنه كان متفاعل التحرك، لم يترك لحظات حياته تمر هملاً فشارَك في مشروع بجهده أو بماله أو فكره، أو كان في حد ذاته مشروعًا. ألم يكن عمر -رضي الله عنه- مشروعًا أحيا الله به الأمة؟!

ألم يكن ابن تيمية -رحمه الله- مشروعًا؟! أحد دوائر المعارف حين ترجمت للدولة العباسية (600 سنة و67 خليفة ذكرتها في 25 صفحة، وحين ترجمت لابن تيمية ترجمت له في 40 صفحة، وذكر بعض الباحثين أنه قد صنف عن ابن تيمية ومصنفاته أكثر من 300 كتاب بين رسالة ماجستير، ورسالة دكتوراه.

داود الذي يريد أن يبني هدفه؛ فبناه هدفه..

يقول المفضال عبد الكريم بكار: "إن لم يكن لك هدف فليكن هدفك إيجاد هدف".

أخي داود لعلك لا تراني، ولكني أراك..

لعلني أراك في جامعتك بين الجنود حتى برز جالوت، وكانت نتيجة المعركة: "الأول على الدفعة".

لعلني أراك في نقابتك بين الجنود حتى برز جالوت، وكانت نتيجة المعركة: "نقيب الأطباء".

لعلني أراك خلف شاشتك بين الجنود حتى برز جالوت، وكانت نتيجة المعركة: "موقع ينفع الملايين".

لعلني أراك بين أوراقه حتى برز جالوت، وكانت نتيجة المعركة: "اجتهاد فقهي غيَّر مسار الأمة إلى الأمام".

العالم ينتظر داود المسلم بمشروع يخدم البشرية.. بتحول إستراتيجي يكون إعلانًا رسميًا لعودة الأمة مِن جديد.

هل الذي ابتكر "جوجل"، أو "الفيس بوك"، أو "نوكيا"، أو "نوبل في الفيزياء"، لم يقدم لأمته انتصارًا استراتيجيًا جالوتيًا؟!

أخي داود..

أمتك تنتظر منك هذه النقلة.. "ثورة الشباب".

الثورة الإيمانية العمرانية الأخلاقية في ميدان الحياة، والعلم، والإعلام، والاقتصاد، والإدارة، والطب، والسياسة، وكل العلوم في حراسة الدين، وسياسة الدنيا بالدين.

كم من جالوت يبرز؟ وكم من داود غائب؟

ولكن لماذا يتغيب؟!

فهذا ما ستكون الإجابة عليه في المقال القادم -بإذن الله-.


كتبه/ أحمد خليل خير الله

مركز تحميل الصور الاسلامية

تحدي بين مدرس يهودي وطالب مسلم

su-34

أركان الإسلام

a7dathalnihaya