سورة الزمر للشيخ خالد الجليل

MultiHoster

الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير خلق الله

بفضل الله تم الانتهاء من الفيلم الوثائقي القصير * قصة زواج * ويعتبر من أقوي الردود على الافتراءات المثارة عن زواج سيدنا محمد من أمنا عائشة

 

فيا أنصار رسول الله فلنتعاون جميعا على الدفاع عن رسول الله و ننشر الفيديو على أوسع نطاق

 

 

 

قناة موقع نصرة رسول الله على اليوتيوب

To say that something is wrong or not, you have to say it is wrong because of what; because it is violating what.

Please check this video to know the truth about Prophet Mohammad & Aisha's Marriage.

 

If you want to read the perfect love story, I recommend that you don't read "Romeo and Juliet" but Read the story of Muhammad and Aisha, in the very words of Aisha herself explaining how beautiful this relationship was between her and Prophet Muhammad (PBUH)

 

            

Sponsored by 
Khalifa Al Hammadi
 
لمن يريد رعاية انتاج الأفلام الوثائقية بموقع نصرة رسول الله  الرجاء مراسلة
 

السبت، 13 أغسطس 2011

أبواب الخير في رمضان

قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، لقد أصبحنا بين عشية وضحاها بين يدي شهر عظيم، يفتح الله فيه أبواب الخير، وتتضاعف فيه الحسنات والرحمات، تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ النيران، وحري بنا أن نغتنمه؛ لأنه يمضي كلمح البصر، كما قال الله تعالى عنه: "أيامًا معدودات"؛ لذا ينبغي أن نغتنم هذه الأيام المعدودات بتلمس أبواب الخير فيه، ومن ذلك:
1. الدعاء عند رؤية الهلال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رؤيته: "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله".
2. تعجيل الفطر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه البخاري.
3. الدعاء عند الإفطار؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داود والدارقطني والحاكم.
4. حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب: "إن الله ليرضى عن عبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم.
5. المحافظة على صلاة التراويح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم.
6. قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.
7. الحرص على السحور؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" رواه البخاري ومسلم.
8. الذهاب إلى المساجد؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح" رواه البخاري ومسلم.
9. إفطار الصائم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا" رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وحث من تعرفهم على المساهمة في إفطار صائم.
10. الدعاء مطلقًا؛ لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني" رواه البخاري ومسلم.
11. الدعاء للمسلم بظهر الغيب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل" رواه مسلم.
12. استشعار الذنب والشعور بخطورة المعصية، وتصور عدم القدرة على تحمل عقوبة الإثم الذي تقوم به؛ لأن ذلك يحملك على المسارعة إلى الإقلاع عن المعصية وتجديد التوبة إلى الله مما فعلت حتى يحول سيئاتك حسنات؛ لقوله تعالى: "إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا".
13. الاستغفار؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود والنسائي.
14. الدعاء والاستغفار للمسلمين؛ لقوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" الحشر.
15. الحرص على ذكر الله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى".
16. الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد" رواه البخاري.
17. أداء العمرة في رمضان إن تيسر لك ذلك؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة معي" رواه البخاري ومسلم.
18. الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته وتدبره؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" رواه مسلم.
19. المحافظة على الصلاة المكتوبة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله" رواه مسلم. وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها" رواه البخاري ومسلم.
20. المحافظة على صلاة الفجر والعصر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة" رواه البخاري.
21. الحرص على الصف الأول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" رواه البخاري ومسلم.
22. المداومة على صلاة الضحى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى" رواه مسلم.
23. المحافظة على السنن الراتبة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا من غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة" رواه مسلم.
24. صلاة التطوع في البيت؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا" رواه البخاري.
25. كثرة السجود؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" رواه مسلم.
26. الذكر بعد صلاة الصبح حتى الشروق؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" رواه الترمذي وحسنه.
27. المحافظة على صلاة الجمعة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهم إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم.
28. تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه" [رواه البخاري ومسلم].
29. قراءة سورة الكهف؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النور ما بين الجمعتين" رواه النسائي والحاكم.
30. الإكثار من الصدقة: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" رواه الترمذي.
31. أفضل الصدقة صدقة المُقل: "يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وابدأ بمن تعول" رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم.
32. الحرص على صدقة السر: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر" رواه الطبراني.
33. بر الوالدين وطاعتهما؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة" رواه مسلم.
34. الدعاء للوالدين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذا؟‍‍‍ فيقول: باستغفار ولدك لك" رواه أحمد.
35. البر بالخالة والخال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم" رواه البخاري.
36. طيب الكلام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" رواه البخاري ومسلم.
37. قضاء حوائج الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمشي أحدكم في قضاء حاجة -وأشار بإصبعه- أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين" رواه الحاكم.
38. زيارة المرضى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة. قيل يا رسول الله: وما خرفة الجنة؟ قال جناها" رواه مسلم.
39. صلة الأرحام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" رواه البخاري ومسلم.
40. إدخال السرور على المسلم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لقي أخاه المسلم بما يحب يسره بذلك سرّه الله عز وجل يوم القيامة" رواه الطبراني.
41. التيسير على المعسر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" رواه مسلم.
42. الشفقة على الضعفاء ورحمتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي.
43. الإصلاح بين الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين" رواه أبو داود والترمذي.
44. الحلم والصفح وكظم الغيظ؛ لقوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (آل عمران: 134)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج بن قيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم والأناة" رواه مسلم.
45. المصافحة بحب وسلامة نفس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا" رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن.
46. طلاقة الوجه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
47. غض البصر عن محارم الله تعالى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" رواه الطبراني.
48. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
49. الجلوس مع الصالحين والأخيار؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
50. حفظ اللسان والفرج؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" رواه البخاري ومسلم.
51. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا" رواه مسلم.
52. الدعوة إلى الله وإلى الخير: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه مسلم.
53. إغاثة الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" رواه مسلم.
54. عدم إيذاء المسلمين: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام أفضل؟ فقال: من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري ومسلم.
55. مساعدة أهل الخير وإعانتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى عليه صدقة كل يوم، يعين الرجل في دابته يحمله عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة" رواه البخاري.
56. قضاء حوائج الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" رواه البخاري.
57. المداومة على العمل الصالح وإن قل؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" رواه مسلم.
58. الإحسان إلى الجار؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" رواه مسلم.
59. رد المظالم والتحلل من أصحاب الحقوق؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه" رواه البخاري.
60. اتباع السيئة الحسنة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه أحمد والحاكم.
61. أداء الأمانة والوفاء بالعهد؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" رواه أحمد.
62. رحمة الصغير وإكرام الكبير؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا" رواه أحمد والترمذي.
63. التعاطف والتراحم مع الناس والاهتمام بأمورهم قدر استطاعتك؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم.
64. الصمت وحفظ اللسان إلا من خير؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" رواه البخاري.
65. الدفاع عن أعراض الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه الترمذي.
66. سلامة الصدر وترك الشحناء؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا" رواه مسلم.
67. العدل بين الناس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الناس صدقة" رواه البخاري.
68. إجابة الداعي إلى الخير وإعطاء السائل؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه" رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
69. شكر المعروف ومكافأة فاعله؛ لأن هذا من أدب المسلم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليه معروف فليجزه، فإن لم يجد ما يجزيه فليثن عليه، فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره" رواه البخاري في الأدب المفرد.
70. الاجتهاد في العشر الأواخر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد مئزره" رواه البخاري ومسلم.
71. قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.
72. الاعتكاف: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان" رواه البخاري.
73. أداء زكاة الفطر في وقتها: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
74. وأخيرًا.. حقق صيام الدهر بصيام ست من شوال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال كان كصوم الدهر" رواه البخاري ومسلم.


كاتب المقال: محمود إسماعيل شل
المصدر: إسلام أون لاين

لهذا السبب لم يشرع الإسلام للمرأة تعدد الأزواج

فسر العلماء فترة (العدة) للنساء ,والمحددة في القرآن ,عقب الطلاق أو وفاة الزوج, بأنها للتأكد من خلو الرحم من جنين طفل تكون فيه، وأنها مهلة للصلح بين الزوجين، وهذا صحيح، ولكن هناك سبباً آخر اكتشفه العلم الحديث، وهو :
أن السائل الذكري يختلف من شخص إلى آخر، كما تختلف بصمة الإصبع،وإن لكل رجل شفرة خاصة به..
وأن جميع ممارِسات مهنة الدعارة، يصبن بمرض سرطان الرحم.. وأن المرأة تحمل داخل جسدها ما أشبه بالكمبيوتر، يختزن شفرة الرجل الذي يعاشرها.. وإذا دخل على هذا الكمبيوتر أكثر من شفرة، كأنما دخل فيروس إلى الكمبيوتر، ويصاب بالخلل والاضطراب والأمراض الخبيثة..
ومع الدراسات المكثفة للوصول لحل أو علاج لهذه المشكلة، تم اكتشاف هذا الإعجاز في الغرب، واكتشفوا أن الإسلام يعلم مايجهلونه.. وهو أن المرأة تحتاج نفس مدة العدة التي شرعها الإسلام، حتى تستطيع استقبال شفرة جديدة بدون إصابتها بأذى.. كما فسر هذا الاكتشاف، لماذا تتزوج المرأة رجلاً واحداً، ولا تعدد أزواجا..
وهنا سئل العلماء سؤالاً : لماذا تختلف مدة العدة بين المطلقة والأرملة؟..
أجريت الدراسات على المطلقات والأرامل، فأثبتت التحاليل: أن الأرملة تحتاج وقتاً أطول من المطلقة لنسيان هذه الشفرة، وذلك يرجع إلى حالتها النفسية، حيث تكون حزينة أكثر على فقدان زوجها، إذ لم تصب منه بضررالطلاق بل توفاه الله، فلذلك هي لا تستطيع نسيان ذلك الزوج، الذي عاش معها حياة السعادة..
حياة الفرح.. حياة الحب.. لأن من طبع المرأة الغريزي الوفاء والإخلاص،وأن الخيانة طبع دخيل على صاحبة القلب الكبير المرأة.

نساء حول الرسول صلى الله علية و سلم

أُثَيْلة بنت راشد الهُذَليّة
رويَ أنّ حَمَل بن مالك بن النابغة الهذلي، مرَّ بأُثَيْلةَ بنت راشد وقد رفعت برقعَها عن وجهها، وهي تهش على غنمها، فلمّا أبصرها ونظر إلى جمالها أناخَ راحلته ثم عقَلَها، ثم أتاها، فذهب يُريدها عن نفسها فقالت: (مهلاً يا حَمَل!! فإنك في موضع وأنا في موضع، واخطبني إلى أبي، فإنّه لا يردّك)... فأتى عليها، فحملتْهُ فجلدَتْ به الأرض وجلست على صدره، وأخذت عليه عهداً وميثاقاً أن لا يعود، فقامت عنه...
فلم تدعه نفسَه فوثبَ عليها، ففعلت به مثل ذلك ثلاث مرات، وأخذت في الثالثة فِهْراً حجراً فشدختْ به رأسه، ثم ساقت غنمها، فمرّ به ركبٌ من قومه فقالوا: (يا حَمَل مَنْ فعلَ بكَ هذا؟)... قال: (راحلتي عثرت بي)... قالوا: (هذه راحلتك معقولة، وهذا فهرٌ إلى جانبك قد شُدِختَ به؟!)... قال: (هو ما أقول لكم، فاحملوني)...
فحملوه إلى منزله، فحضره الموت فقالوا: (يا حَمَل ! من نأخذ بك؟)... قال: (الناس من دمي أبرياء، غير أثيلة!!)... فلما مات جاءت هذيل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن دم حَمَل بن مالك عند راشد)... فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: (يا راشد إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عندك؟)...
وكان راشد في الشرك يسمى ظالماً، فسمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم راشداً فقال: (يا رسول الله! ما قتلت!)... قالوا: (أثيلـة)... قال: (فأما أثيلـة فلا علم لي بها)... فجاء إلى أثيلـة فقال: (إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عنـدك)... قالت: (وهل تقتل المرأة الرجلَ؟!)... ولكن رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم لا يُكْذَبُ، فجاءتْ فأخبرت النبـي صلى اللـه عليه وسلم فقال: (بارَكَ الله فيك)... وأهدر دَمَهُ...
هالة بنت خويلد
هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية أخت خديجة زوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووالدة أبي العاص بن الربيع...
استأذنت هالـة بنت خويلـد، أخت خديجة على رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- فعَرَف استئذانَ خديجة فارْتَاعَ لذلك وقال: (اللهم! هالة بنت خويلد!)... فغارت السيدة عائشة وقالت: (ما تذكر من عجوزٍ من عجائزِ قريش، حمْراءِ الشِّدقين، هلكتْ في الدهر، فأبدلكَ الله خيراً منها؟!)...
فتمعَّرَ وَجْهُهُ (صلى الله عليه وسلم) تمعُّراً ما كانت تراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظرَ أرحمة أم عذاب...
رملة ام حبيب رضى الله عنها
نسبها ونشأتها:
أم المؤمنين، السيدة المحجبة، من بنات عم الرسول- صلى الله عليه وسلم- ، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين محمد- عليه الصلاة والسلام.
فأبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين" .
وأخيراً، فهي من زوجات الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فليس هناك من هي أكثر كرماً وصداقاً منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها. وهذا دليل على زهدها وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائل.
كانت أم حبيبة من ذوات رأي وفصاحة، تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام- الناس في مكة إلى الإسلام، أسلمت رملة مع زوجها في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة؛ هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها، بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة، فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة، وقلة المؤونة، كما أن رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، في حين نرى بأن سفر هذه الأيام سفر راحة ورفاهية، ووسائل النقل المتطورة ساعدت على قصر المسافة بين الدول. وبعد أشهر من بقاء رملة في الحبشة، أنجبت مولودتها "حبيبة"، فكنيت "بأم حبيبة."
رؤية أم حبيبة:
في إحدى الليالي، رأت أم حبيبة في النوم أن زوجها عبيد الله في صورة سيئة، ففزعت من ذلك ، وحينما أصبحت، أخبرها زوجها بأنه وجد في دين النصرانية ما هو أفضل من الإسلام، فحاولت رملة أن ترده إلى الإسلام ولكنها وجدته قد رجع إلى شرب الخمر من جديد.
وفي الليلة التالية، رأت في منامها أن هناك منادياً يناديها بأم المؤمنين، فأولت أم حبيبة بأن الرسول سوف يتزوجها. وبالفعل؛ مع مرور الأيام، توفي زوجها على دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أمًّا لطفلة يتيمة في سن الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المرأة المؤمنة غير الصبر والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله- سبحانه وتعالى.
زواج أم حبيبة:
علم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بما جرى لأم حبيبة، فأرسل إلى النجاشي طالباً الزواج منها، ففرحت أم حبيبة ، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد ابن العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام. وبهذا الزواج خفف الرسول من عداوته لبني أمية، فعندما علم أبو سفيان زواج الرسول من ابنته رملة، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه! ويقصد أن الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كما أن في هذا الموقف دعوة إلى مقابلة السيئة بالحسنة، لأنها تؤدي إلى دفع وزوال الحقد والضغينة و صفاء النفوس بين المتخاصمين.
أبو سفيان في بيت أم حبيبة:
حينما نقض المشركون في مكة صلح الحديبية، خافوا من انتقام الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح، وفي طريقه إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، مر أبو سفيان على ابنته أم حبيبة في بيتها، وعندما هم بالجلوس على فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- سحبته أم حبيبة من تحته وطوته بعيداً عنه، فقال أبو سفيان: "أراغبة بهذا الفراش يا بنية عني؟ أم بي عنه؟" ، فأجابته: "بل به عنك ، لأنه فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل نجس غير مؤمن"، فغضب منها، وقال: "أصابك بعدي شر"، فقالت: "لا والله بل خير". وهنا نجد بأن هذه المرأة المؤمنة أعطت أباها المشرك درساً في الإيمان، ألا وهو أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب، وأنه يجب علينا عدم مناصرة وموالاة الكفار مهما كانت صلة المسلم بهم، بل يجب علينا محاربتهم ومقاتلتهم من أجل نصرة الإسلام.
لذلك ، جهز الرسول - صلى الله عليه وسلم- المسلمين لفتح مكة، وبالرغم من معرفة أم حبيبة لهذا السر، إلا أنها لم تخبر أباها، وحافظت على سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسر المسلمين. ففتح المسلمون مكة، ودخل العديد من المشركين في دين الله، وأسلم أبو سفيان، فتكاملت أفراح أم حبيبة وشكرت الله على هذا الفضل العظيم. وفي هذا الموقف إشارة إلى أنه يجب على المرأة المسلمة حفظ سر زوجها، وعدم البوح به حتى لأقرب الناس إليها، فهناك العديد من النساء اللاتي يشركن الأهل في حل المشاكل الزوجية، والكثير من هؤلاء النسوة يطلقن بسبب إفشائهن للسر وتدخل الأهل. لذلك يجب على الزوجة الصالحة المحافظة على بيت الزوجية وعدم البوح بالأسرار.
دورها في رواية الحديث الشريف:
روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة،" ‏فعن ‏ ‏زينب بنت أم سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أم حبيبة بنت أبي سفيان ‏ ‏قالت:
‏ ‏دخل علي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت له هل لك في ‏ ‏أختي ‏ ‏بنت ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏فقال أفعل ماذا قلت تنكحها قال ‏ ‏أو تحبين ذلك قلت لست لك ‏ ‏بمخلية ‏ ‏وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب ‏ ‏درة بنت أبي سلمة ‏ ‏قال بنت ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏قلت نعم قال ‏ ‏لو أنها لم تكن ‏ ‏ربيبتي ‏ ‏في ‏ ‏حجري ‏ ‏ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ‏ ‏ثويبة ‏ ‏فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" . كذلك حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. كما أنها ذكرت أحاديث في الحج، كاستحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، كما أنها روت في وجوب الإحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها، ووفي أبواب الصوم: روت في الدعاء بعد الأذان، وفي العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها من الأحاديث التي كانت تصف أفعال الرسول- عليه الصلاة والسلام- وأقواله.
وفاتها:
توفيت- رضي الله عنها- سنة 44 بعد الهجرة، ودفنت في البقيع، وكانت قد دعت عائشة- أم المؤمنين- قبل وفاتها، فقالت: قد يكون بيننا وبين الضرائر فغفر لي ولك ما كان من ذلك. . فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك ، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لهل: مثل ذلك ، وفي هذا إشارة إلى ما يجب على المسلمين أن يفعلوه قبل ساعة الموت، ألا وهو التسامح والمغفرة، كما فعلت أم حبيبة مع أمهات المؤمنين- رضوان الله عليهن أجمعين.

نسب سيدنامحمد( صلى الله عليه وسلم )

هو سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن حكيم بن مُرّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدْرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عَدْنان.
هذا هو النسب المتفق على صحته، كما اتفقوا على أن النسب المحمدي الشريف يتصل بسيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما( الصلاة والسلام )ولكن سلسلة النسب بين عدنان وسيدنا إسماعيل( عليه السلام) لم يثبت علمها من طريق صحيح.
فالجد الأول للنبي (صلى الله عليه وسلم) هو عبد المطلب بن هاشم وكان شيخاً معظماً في قريش يحترمونه ويرجعون إليه في مهمات أمورهم.
وأمه( صلى الله عليه وسلم )هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ابن مرة الذي هو الجد الخامس للنبي( صلى الله عليه وسلم )من جهة أبيه.
مما سبق نعلم أن أباه وأمه( صلى الله عليه وسلم )من أصل واحد، وأنهما يجتمعان في حكيم بن مرة (وكان يسمى كلابا)، وأن عبد مناف بن زهرة الذي هو الجد الثاني للنبي (صلى الله عليه وسلم )من جهة أمه غير عبد مناف الجد الثالث للنبي( صلى الله عليه وسلم )من جهة أبيه.
ومن جدودهما فهر الذي هو (قريش)، وهو عاشر أجداد النبي(صلى الله عليه وسلم)، وإليه تنسب أمة قريش كلها، وقد تفرعت منه اثنتا عشرة قبيلة سميت باسمه، منهم بنو عبد مناف الذي هو الجد الثالث للنبي( صلى الله عليه وسلم)، فهو( صلى الله عليه وسلم )من صميم قريش المشهود لهم بالشرف ورفعة الشأن بين العرب.
وأجداده من جهة أبيه وأمه كلهم سادة كرام، وكل اجتماع بين أجداده وزوجاتهم كان شرعياً بحسب الأصول العربية، فلم يكن في نسبه الشريف شيء من سفاح الجاهلية فهو نسب شريف طاهر من آباء طاهرين وأمهات طاهرات والحمد لله رب العالمين.
اللهم صلى وسلم وبارك عليه.

مولده( صلى الله عليه وسلم)

تزوج عبد الله والد النبي( صلى الله عليه وسلم )آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم؛ وعمره ثماني عشرة سنة ، وهي يومئذ من أفضل نساء قريش نسباً وأكرمهم خلقاً.
ولما دخل بها حملت برسول الله( صلى الله عليه وسلم)، وسافر والده عبد الله عقب ذلك بتجارة له إلى الشام فأدركته الوفاة بالمدينة (يثرب) وهو راجع من الشام ، ودفن بها عند أخواله بني عدى بن النجار، وكان ذلك بعد شهرين من حمل أمه آمنة به( صلى الله عليه وسلم.
وقد توفي والد النبي( صلى الله عليه وسلم)، ولم يترك من المال إلا خمساً من الإبل وأمَته (أم أيمن).
ولما تمت مدة الحمل ولدته( صلى الله عليه وسلم) بمكة المشرفة في اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، الذي يوافق سنة 571 من ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه( الصلاة والسلام)، وهو العام الذي أغار فيه ملك الحبشة على مكة بجيش تتقدمه الفيلة قاصداً هدم الكعبة (البيت الحرام) فأهلكهم الله تعالى.
كانت ولادته( صلى الله عليه وسلم )في دار عمه أبي طالب في شِعْب بني هاشم، أي مساكنهم المجتمعة في بقعة واحدة، وسماه جده عبد المطلب (محمداً) ولم يكن هذا الاسم شائعاً وقتئذ عند العرب ولكن الله تعالى ألهمه إياه فوافق ذلك ما جاء في التوراة من البشارة بالنبي الذي يأتي من بعد عيسى عليه( الصلاة والسلام) مسمى بهذا الاسم الشريف، لأنه قد جاء في التوراة ما هو صريح في البشارة بنبي تنطبق أوصافه تمام الانطباق على سيدنا( محمد صلى الله عليه وسلم) مسمى، أو موصوفا بعبارة ترجمتها هذا الاسم، كما جاءت البشارة به.
( صلى الله عليه وسلم)على لسان عيسى عليه( الصلاة والسلام )باسمه أحمد، وقد سمى بأحمد كما سمى بمحمد (صلى الله عليه وسلم).
وكانت قابلته(صلى الله عليه وسلم) الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية أَمَة أبيه عبد الله، وقد ورد في الحديث أنه( صلى الله عليه وسلم) وُلد مختوناً، وورد أيضا أن جده عبد المطلب ختنه يوم السابع من ولادته الذي سماه فيه.

رضاعه( صلى الله عليه وسلم)

أرضعته (صلى الله عليه وسلم) أمه عقب الولادة، ثم أرضعته ثويبة أَمَة عمه أبي لهب أياماً، ثم جاء إلى مكة نسوة من البادية يطلبن أطفالاً يرضعنهم ابتغاء المعروف من آباء الرضعاء على حسب عادة أشراف العرب.
فإنهم كانوا يدفعون بأولادهم إلى نساء البادية يرضعنهم هناك حتى يتربوا على النجابة والشهامة وقوة العزيمة، فاختيرت لإرضاعه( صلى الله عليه وسلم )من بين هؤلاء النسوة (حليمة) بنت أبي ذؤيب السعدية؛ من بني سعد بن بكر من قبيلة هوازن التي كانت منازلهم بالبادية بالقرب من مكة المكرمة .
فأخذته معها بعد أن استشارت زوجها (أبو كبشة) الذي رجا أن يجعل الله لهم فيه بركة، فحقق الله تعالى رجاءه وبدل عسرهم يسراً، فَدَرَّ ثديها بعد أن كان لبنها لا يكفي ولدها ، ودَرَّت ناقتهم حتى أشبعتهم جميعاً بعد أن كانت لا تغنيهم ، وبعد أن وصلوا إلى أرضهم كانت غنمهم تأتيهم شباعاً غزيرة اللبن مع أن أرضهم كانت مجدبة في تلك السنة، واستمروا في خيروبركة مدة وجوده( صلى الله عليه وسلم )بينهم.
ولما كمل له سنتان(صلى الله عليه وسلم) فصلته حليمة من الرضاع، ثم أتت به إلى جده وأمه وكلمتهما في رجوعها به وإبقائه عندها فأذنا لها بذلك.

شق صدره( صلى الله عليه وسلم)

بعد عودة حليمة السعدية به( صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى ديار بني سعد بأشهر، بعث الله تعالى مَلَكين لشق صدره الشريف وتطهيره، فوجداه( صلى الله عليه وسلم) مع أخيه من الرضاع خلف البيوت.
فأضجعاه وشقا صدره الشريف وطهراه من حظ الشيطان، وكان ذلك الشق بدون مدية ولا آلة بل كان بحالة من خوارق العادة ، ثم أطبقاه، فذهب ذلك الأخ إلى أمه حليمة وأبلغها الخبر.
فخرجت إليه هي وزوجها فوجداه( صلى الله عليه وسلم) منتقع اللون من آثار الروع ، فالتزمته حليمة والتزمه زوجها حتى ذهب عنه الروع ، فقص عليهما القصة كما أخبرهما أخوه.
وقد أحدثت هذه الحادثة عند حليمة وزوجها خوفاً عليه، ومما زادها خوفاً أن جماعة من نصارى الحبش كانوا رأوه معها فطلبوه منها ليذهبوا به إلى ملكهم، فخشيت عليه من بقائه عندها، فعادت به( صلى الله عليه وسلم) إلى أمه وأخبرتها الخبر، وتركته عندها مع ما كانت عليه من الحرص على بقائه معها(صلى الله عليه وسلم).

وفاة أمه( صلى الله عليه وسلم )

بعد أن عادت حليمة السعدية به( صلى الله عليه وسلم) إلى أمه ، وكان وقتئذ في السنة الرابعة من عمره الشريف ، بقى مع أمه وجده عبد المطلب بن هاشم بمكة في حفظ الله تعالى، ينبته الله نباتاً حسناً .
ثم سافرت به أمه( صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة لزيارة أخواله هناك من بني عدى بن النجار ، فتوفيت وهي راجعة به من المدينة إلى مكة بجهة (الأبواء) بالقرب من المدينة ودفنت هناك.
فقامت به إلى مكة حاضنته أم أيمن وقد بلغ من العمر يومئذ ست سنين، ولما وصلت إلى مكة كفله جده عبد المطلب بن هاشم، وحن إليه حناناً زائداً وعطف عليه عطفاً بليغاً، حتى توفي عبد المطلب وعمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم )ثمان سنين.
وكان جده عبد المطلب يوصي به عمه أبا طالب(الذي هو الأخ الشقيق لأبيه) فلما مات عبد المطلب كان( صلى الله عليه وسلم) في كفالة عمه أبي طالب يشب على محاسن الأخلاق، متباعداً عن صغائر الأمور التي يشتغل بها الصبيان عادة ، وقد بارك الله تعالى لأبي طالب في الرزق مدة وجوده( صلى الله عليه وسلم) في كفالته وفي وسط عياله.

سفره( صلى الله عليه وسلم) إلى الشام

لما أراد أبو طالب أن يسافر إلى الشام في تجارة له رغب رسول الله( صلى الله عليه وسلم )أن يرافقه، فأخذه معه وسنه أنَ ذاك اثنتا عشرة سنة ، ولما وصلوا بصرى وهي أول بلاد الشام من جهة بلاد العرب قابلهم بها راهب من رهبان النصارى اسمه (بحيرا) .
كان يقيم في صومعة له هناك ، فسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، ثم لما أمعن النظر في النبي (صلى الله عليه وسلم) وحادثه عرف أنه النبي العربي الذي بشر به موسى وعيسى عليهما( الصلاة والسلام ) وقال لعمه أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم، فارجع به واحذر عليه من اليهود ، فلم يمكث أبو طالب في رحلته هذه طويلاً بل عاد به إلى مكة حين فرغ من تجارته، وبقى( صلى الله عليه وسلم) في مكة مثال الكمال محفوظاً من معايب أخلاق الجاهلية، شهماً شجاعاً حتى إنه حضر مع أعمامه حرب (الفجار) و (حلف الفضول)، وسنه إنَ ذاك عشرون سنة.
أما (الفجار) فهي حرب كانت بين قبيلة كنانة ومعها حليفتها قريش وبين قبيلة قيس، وقد ابتدأت هذه الحرب فيما بين مكة والطائف ووصلت إلى الكعبة، فاستحلت حرمات هذا البيت الذي كان مقدساً عند العرب ولذلك سميت حرب (الفجار).
وأما (حلف الفضول) كان عقب هذه الحرب، وهو تعاقد بطون قريش على أن ينصروا كل من يجدونه مظلوماً بمكة سواء كان من أهلها أو من غير أهلها.

رحلته(صلى الله عليه وسلم) إلى الشام مرة ثانية

كان طريق الكسب في قريش هي التجارة، وكانت خديجة بنت خويلد من بني أسد بن عبد العزى بن قصي سيدة ذات مال، تتاجر في مالها بطريق المضاربة مع من تثق بهم من الرجال .
فلما سمعت بأمانة رسول الله( صلى الله عليه وسلم) وصدقه حتى اشتهر بين قومه باسم (الأمين) بعثت إليه، وعرضت عليه أن يسافر بمال لها إلى الشام وتعطيه من الربح أكثر مما كانت تعطى غيره، فقبل ذلك رسول الله( صلى الله عليه وسلم )وسافر مع (غلامها) ميسرة فباع واشترى وعاد بربح عظيم.
وقد شاهد ميسرة في هذه الرحلة كثيراً من بركات النبي( صلى الله عليه وسلم) وإكرام الله تعالى له، فإنه ( صلى الله عليه وسلم) لما قدم الشام نزل في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب هناك، فقال هذا الراهب لميسرة أنه ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، وكان ميسرة يشاهد رسول الله( صلى الله عليه وسلم) مظللاً من حر الشمس وهو يسير على بعير بدون أن تكون معه مظلة.

زواجه( صلى الله عليه وسلم )بالسيدة خديجة

زواجه( صلى الله عليه وسلم )بالسيدة خديجة تروى نَفِيسَة بنت مُنْيَة لنا قصة زواج النبي (صلى الله عليه وسلم) من السيدة خديجة (رضي الله عنها). قالت نفيسة: كانت خديجة بنت خويلِد امرأة حازمة، جلدة، شريفة، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قَدِر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني د سيساً إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: محمد ما يمنعك أن تزوَّج؟ فقال: (مَا بِيَدي ما أَتزوَّجُ بِهِ). قلت: فإن كُفِيت ذلك ودُعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تُجيب؟ قال: (فَمن هي ؟). قلت: خديجة. قال: (وَكيف لي بِذَلك ؟). قلت: عليّ. قال: (فأنا أَفْعلُ). قالت نفيسة: فذهبت فأخبرت خديجة، فأرسلت إليه: أنِ ائتِ لساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد لِيزوِّجها فحضر ،لأن أباها مات قبل حرب الفِجار. فلما قالت ذلك لرسول الله( صلى الله عليه وسلم )ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على عمرو بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام. قال ابن هشام: فأصدقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله( صلى الله عليه وسلم)، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت. وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله( صلى الله عليه و سلم) خمس وعشرون سنة. أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة.

شهوده( صلى الله عليه وسلم) بناء الكعبة

الكعبة هي أول بيت وضع في الأرض للعبادة، وقد بناها سيدنا إبراهيم الخليل مع ولده سيدنا إسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل( الصلاة والسلام)، ثم جُدد بناؤها من بعده ثلاث مرات، وكان بناؤها من الصخر وارتفاعها فوق القامة.
ويقال أن أول من بناها سيدنا آدم أبو البشر عليه( الصلاة والسلام)، وقد وصلوا في نقض أنقاضها إلى أساس سيدنا إسماعيل عليه( الصلاة والسلام)، ويقال أنهم وجدوا هناك صحافا منقوشا فيها كثير من الحكم تذكرة للمتأخرين، وقد تحرى أشراف قريش أن تكون نفقة بنائها من طيب أموالهم؛ فكانوا لا يدخلون في نفقتها مهر بغى ولا مال ربا، ولما ضاقت بهم النفقة الطيبة عن إتمامها على قواعد سيدنا إبراهيم (عليه السلام) أخرجوا منها الحجر، وبنوا عليه جدارا قصيراً علامة على أنه منها.
وعندما بلغ سن النبي( صلى الله عليه وسلم )خمسا وثلاثين سنة، اتفق أن نزل سيل عظيم بمكة أثر في جدران الكعبة فأوهنها،على ما كانت عليه من الضعف بسبب حريق أصابها من قبل، فاجتمعت قبائل قريش وشرعوا في هدمها وبنائها بناء مرتفعاً، وكان الأشراف منهم يتسابقون في نقل الحجارة وحملها على أعناقهم، فكان رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فيمن يحمل الحجارة وينقلها الى مكان البناء، مع عمه العباس رضى الله عنه.
بنيت الكعبة حينئذ بارتفاع ثماني عشر ذراعا، بحيث يزيد عن أصله تسعة أذرع، وقد رفع الباب بحيث لايصعد إليه إلا بدَرَج. و لما تم بناء الكعبةوأرادت قريش وضع الحجر الأسود في موضعه، اختلف أشرافهم فيمن يضعه، وظلوا مختلفين أربعة أيام، فأشار عليهم أبو أمية الوليد بن المغيرة ( وهو أكبرهم سنا ) بأن يحكِّموا بينهم من يرضون بحكمه، فاتفقوا على أن يكون الحكم لأول قادم من باب الصفا.
فكان أول داخل هو رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فارتاحوا جميعا لما يعهدونه من أمانته وحكمته وصدقه وإخلاصه للحق وقالوا: هذا الأمين رضيناه، هذا محمد، فلما وصل إليهم وأخبروه الخبر بسط رداءه، وتناول الحجر فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى وصلوا به إلى موضعه؛ فوضعه فيه بيده( صلى الله عليه وسلم)، وبذلك انتهت هذه المشكلة التي كادت تؤدى إلى الحرب والقتال فيما بينهم.

الخلفاء الراشدين

اسم الخليفة ولادته وفاته عمره بالسنوات بداية خلافته نهايتها مدة الخلافة
أبو بكر الصديق 573م 13هـ 636م 63 11هـ 13هـ سنتان و3 أشهر
عمر بن الخطاب 584م 23هـ 647م 63 13هـ 23هـ 10 سنوات و4 أشهر
عثمان بن عفان 577م 35هـ 660م 83 23هـ 35هـ 12 سنة
علي بن أبي طالب 603م 40هـ 666م 63 35هـ 40هـ 5 سنوات

جراءة عجيبة.. وصفقة خاسرة !

عمر بن عبد المجيد البيانوني
بسم الله الرحمن الرحيم
قد يعجب الإنسان ممن يسب أخاه أو صديقه ويستنكر عليه ويلومه على ذلك، ويزداد اللوم لمن يسب من هو أعلى منه مكانة وقدراً كمن يسب أستاذه أو والده فإنَّ هذا يعتبر من دناءة النفس وحقارتها، وقد يهون ذلك أمام ما هو أسوأ منه وأفحش.
فما لا يقبل بحال من الأحوال، ولا يعذر صاحبه أبدا، وتخرُّ له الجبال هدَّا، وجزاؤه أنْ يمدَّ الله له من العذاب مدَّا، هو مَنْ يسب الدِّين الذي شرعه الله عز وجل أو يسب ربَّه وخالقه، فلا أدري ماذا يقال عن هذا؟
الإنسان العاقل عندما يعادي أحداً أو يعتدي عليه يراعي في ذلك إمكانياته وقدراته حتى لا يدخل في صفقة خاسرة مع مَنْ أساء إليه، فهل لأحد طاقة بقيُّوم السموات والأرض حتى يتجرَّأ عليه بهذه الطريقة؟ وهو القائل في الحديث القدسي (مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) ([1])، هذا فيمن عادى ولياً من أولياء الله فكيف بمن يسب الذَّات الإلهيَّة ويعادي قيُّوم السموات والأرض؟!
وإذا كان النابغة الذبياني عندما هرب من النعمان بن المنذر ملك الحيرة قال عنه:
فَإِنَّكَ كَالليلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ..... وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
فماذا عن قدرة الله وإحاطته بعباده الذين قد أحصاهم وعدَّهم عدَّا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ..
وعجباً لهؤلاء مالهم لا يرجون لله وقارا، وقد خلقهم أطوارا، فماذا لو جاءهم بأسُهُ بياتاً أو نهارا، ألم يروا كم أهلك مِنْ قبلهم ممن عصوه واستكبروا استكبارا، ومالهم لا يقدرون الله حقَّ قدره، فبدلاً من أن يشكروا نعمة اللسان بالتسبيح بحمد الله والتقديس له، يتفوَّه أحدهم بالسبِّ واللعن.
وإذا كان الله الودود قد تكفل لعباده وهو الغني عن العالمين بأن من ذكره وحمده أن يشرِّفه الله عز وجل ويذكره ويكون معه، ففي الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة) ([2]).
قال الحافظ ابن حجر: أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرَّاً ذكرته بالثواب والرَّحمة سرَّاً، وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ومعناه: اذكروني بالتعظيم أذكركم بالانعام وقال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف آمنه، أو مستوحش آنسه، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ([3]).
فكيف يغفل أحد عن هذا، بل ويقوم بسبِّ خالقه أو دينه؟
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِينًا}.
وقد استعمل (يُؤْذُونَ) هنا في معنييه المجازي والحقيقي، فهو حقيقة في تعديته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجاز في تعديته إلى اسم الله تعالى على معنى المجاز المرسل في اجتلاب غضب الله، إذ لا أحد يستطيع إيذاء الله جلَّ وعلا فهو القائل في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) ([4]).
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
فمَنْ أحسن فقد أحسن لنفسه ومن أساء فعليها، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، وقد سُئل بشر بن الحارث ما كان بدء أمرك لأنَّ اسمَك بين الناس كأنه اسمُ نبي؟ قال: هذا من فضل الله وما أقول لكم، كنت رجلاً عياراً صاحب عصبة فجزت يوماً فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم، فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية ومسحته في القرطاس، فنمت تلك الليلة فرأيت في المنام كأنَّ قائلاً يقول لي: يا بشر بن الحارث رفعتَ اسمَنا عن الطريق وطيَّبته لأطيبنَّ اسمَك في الدُّنيا والآخرة، ثم كان ما كان ([5]).
وقد جاء النهي عن سب الكثير من المخلوقات، فكيف بالخالق جلَّ وعلا، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الريح إذ قال: (لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ ، إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الرِّيحِ ، وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا فِيهَا ، وَمِنْ شَرِّ مَا أُمِرَتْ أُرْسِلَتَ بِهِ.) ([6]).
ونهى صلى الله عليه وسلم عن سب الديك فقال: (لاَ تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاَةِ) ([7]).
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ). قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّى أَرَاهَا الآنَ تَمْشِى فِى النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ ([8]).
وإذا كان رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له بالقول محبط للعمل، فكيف بسب الدِّين أو الله عز وجل.
قد يتعلَّل الكثير ممن يتفوَّه بذلك بأنَّه يفقد أعصابه ولا يضبط نفسه عند الغضب، ويقال لهؤلاء: لماذا تتحفظون أشدَّ التحفظ وتحتاطون كلَّ الحيطة من التكلُّم على مَنْ أنتم تحت سلطته في الدنيا من ملك أو رئيس وهل قمتم بسب هؤلاء على مرأى ومسمع منهم حتى في حالات الغضب؟ فكيف استطعتم أن تضبطوا أنفسكم في هذه الحالة؟ ولم تستطيعوا ضبطها فيما هو أشد منها؟ أم أنكم تخشون الناس أشد خشية من ربكم؟
إن انعدام التربية أو ضعفها هو سبب رئيسي لهذا الفساد والانحطاط السلوكي، فمن كان في بيئة منحطة دينياً أو أخلاقياً ولم يجد من يوجهه التوجيه الصحيح فغالباً ما يكون سلوكُه سلوكَ مَنْ عاش معهم كما قال القائل:
وَمَا أَنَا إِلا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ..... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدِ
فالإنسان غالباً ابن بيئته إلا من رحمه الله وتداركه بلطفه.
ومن أهم الحلول التي أراها للحد من هذه الظاهرة:
1- تعظيم الله في قلوب الناس وذلك يكون بالتربية على حبِّ الله عز وجل وتعظيمه والتخويف من عقابه؛ لأنَّه إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه الحياء من الله والهيبة له، فغلب على قلبه ذكر اطلاع الله العظيم ونظره بعظمته وجلاله إلى ما في قلبه وجوارحه وذكر المقام غداً بين يديه وسؤاله إياه عن جميع أعماله وذكر دوام إحسانه إليه وقلة الشكر منه لربه فإذا غلب ذكر هذه الأمور على قلبه غلب عليه الحياء من الله فاستحى من ذلك.
2- تبيين خطورة هذا الأمر وأنَّه ردة عن الدِّين، وقد ذكر الكثير من الفقهاء الإجماع على ذلك، قال القاضي عياض: لا خلاف أنَّ سابَّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم ([9]). وقال الإمام ابن تيمية: فصل فيمن سب الله تعالى، فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع؛ لأنَّه بذلك كافر مرتد، وأسوأ من الكافر، فإنَّ الكافر يعظِّم الرب، ويعتقد أنَّ ما هو عليه من الدِّين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبَّة له ([10]). وقال الإمام ابن قدامة: من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً ([11]). وقال الإمام ابن رجب: فلو سبَّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مقرٌّ بالشهادتين، أُبيح دمُه؛ لأنَّه قد ترك بذلك دينه ([12]).
3- الأخذ على يد من يفعل ذلك، وعقوبته العقوبة الرادعة فمَنْ أمن العقوبة أساء الأدب.
وينبغي الاحتساب على من يفعل ذلك من الكتاب أو المفكرين أو أدعياء الأدب بأن يرفع أمرهم إلى القضاء، ويحاكموا على ذلك، وينالوا العقاب الرادع، فليس من الحرِّيةَ في شيء أن يعتدى على مقدَّسات الأمّة، ويهان دينهم، وتجرح مشاعرهم.
4- الحث على ضبط النفس عند الغضب، والتوبة النصوح إلى الله تعالى إن بدر من الإنسان مثل ذلك، فلا خير فيمن يستفزه أي أمر فيخرج به عن عقله ودينه، ويتفوه بما يوقعه في سخط ربه وما لا تحمد عقباه في دنياه وآخرته.
5- التحذير من خطر اللسان فهو الذي يوقع صاحبه في كثير من المهالك، فمثل هذا الكلام من أسوأ محبطات الأعمال ، وموجبات العذاب والنكال، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) ([13])، وقال أيضاً: (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) ([14])، وقال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
6- هجر من يفعل ذلك إن كان ينفع معه هذا الأسلوب ويرتدع به.
هذا وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.


------------------------------------
([1]) ـ رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، (6137).
([2]) ـ رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى : {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، (7405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله، (6981).
([3]) ـ فتح الباري 13: 386.
([4]) ـ رواه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم، (6737).
([5]) ـ رواه أبو نعيم في الحلية 8: 336.
([6]) ـ رواه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في النهي عن سب الرياح، (2252) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (10703).
([7]) ـ رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم (5103).
([8]) ـ رواه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، (6769).
([9]) ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2: 270.
([10]) ـ الصارم المسلول: 546.
([11]) ـ المغني 10: 103.
([12]) ـ جامع العلوم والحكم: 130.
([13]) ـ رواه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، (2616) وقال: حديث حسن صحيح.
([14]) ـ رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، (6478).

خشية الله والخوف منه

عبدالحميد التركستاني
ملخص الخطبة
1- جرأة الناس على معاصي الله. 2- الخوف من الله صفة المؤمنين ، وتتافوة هذه الصفة بقدر إيمانهم. 3- مراتب الخوف. 4- أقوال السلف في الخوف. 5- أحوال السلف في الخوف. 6- ضعف جانب الخوف عند آخرين. 7- مم خاف السلف وبكوا؟

الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وخافوه واخشوه وحده ولا تخشوا أحدا غيره وكما قال الفضيل: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد قال تعالى:   فلا تخشوا الناس واخشون ،   فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين  .
أيها الإخوة: سوف يكون حديثي في هذه الخطبة عن مقام الخوف من الله عز وجل وسبب اختياري لهذا الموضوع هو ما أراه وأشاهده من بعد الناس عن الله وتجرؤهم عليه بأنواع المعاصي والذنوب التي ما ارتكبها هؤلاء الناس إلا بسبب ضعف جانب الخوف من الله في قلوبهم وبسبب غفلتهم عن الله ونسيان الدار الآخرة، فالخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة وقلّ أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى والشهوة والغفلة فالخوف هو الذي يهيج في القلب نار الخشية التي تدفع الإنسان المسلم إلى عمل الطاعة والابتعاد عن المعصية.
ولهذا إذا زاد الإيمان في قلب المؤمن لم يعد يستحضر في قلبه إلا الخوف من الله، والناس في خوفهم من الله متفاوتون ولهذا كان خوف العلماء في أعلى الدرجات وذلك لأن خوفهم مقرون بمعرفة الله مما جعل خوفهم مقرون بالخشية كما قال تعالى:   إنما يخشى الله من عباده العلماء والخشية درجة أعلى وهي أخص من الخوف، فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، كما قال النبي  : ((إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)) وقال: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)) قال الإمام أحمد: هذا يدل على أن كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف. والخوف: هو اضطراب القلب ووجله من تذكر عقاب الله وناره ووعيده الشديد لمن عصاه والخائف دائما يلجأ إلى الهرب مما يخافه إلا من يخاف من الله فإنه يهرب إليه كما قال أبو حفص: الخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل، فإنك إذا خفته هربت إليه. فالخائف هارب من ربه إلى ربه قال تعالى:   ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ، قال أبو سليمان الداراني: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وقال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها.
وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق. وقال أبو حفص: الخوف سوط الله، يقّوم به الشاردين عن بابه.
والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه ويبن محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الخوف المحمود: هو ما حجزك عن محارم الله وهذا الخوف من أجلّ منازل السير إلى الله وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد.
ومن كان الخوف منه بهذه المنزلة سوف يحجزه خوفه عن المعاصي والمحرمات فلا يأكل مالا حراما ولا يشهد زورا، ولا يحلف كاذبا، ولا يخلف وعدا ولا يخون عهدا ولا يغش في المعاملة ولا يخون شريكه ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يزني ولا يلوط ولا يتشبه بالنساء ولا يتشبه بالكفرة أعداء الدين ولا يتعاطى محرما ولا يشرب المسكرات ولا المخدرات ولا الدخان ولا الشيشة ولا يهجر مساجد الله ولا يترك الصلاة في الجماعة ولا يضيع أوقاته في اللهو والغفلة بل تجده يشمر عن ساعد الجد يستغل وقته كله في طاعة الله ولهذا قال  : ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله هي الجنة)) رواه الترمذي وهو حديث حسن والمراد بهذا الحديث التشمير في الطاعة والاجتهاد من بداية العمر لأن الجنة غالية تحتاج إلى ثمن باهظ ومن سعى لها وعمل صالحا وسار من أول الطريق نال بغيته إن شاء الله.
ولهذا كان السلف الصالح يغلّبون جانب الخوف في حال الصحة والقوة حتى يزدادوا من طاعة الله ويكثروا من ذكره ويتقربوا إليه بالنوافل والعمل الصالح.
أيها الإخوة: إن رجحان جانب الخوف من الله في قلب المؤمن هو وحده الذي يرجح الكفة وهو وحده الذي يعصم من فتنة هذه الدنيا وبدون الخوف لا يصلح قلب ولا تصلح حياة ولا تستقيم نفس ولا يهذب سلوك وإلا فما الذي يحجز النفس البشرية عن ارتكاب المحرمات من زنى وبغى وظلم وركون إلى الدنيا غير الخوف من الله، وما الذي يهدئ فيها هيجان الرغائب وسعار الشهوات وجنون المطامع؟ وما الذي يثبت النفس في المعركة بين الحق والباطل وبين الخير والشر؟ وما الذي يدفع الإنسان إلى تقوى الله في السر والعلن سوى خوف الله، فلا شيء يثبت الإيمان عند العبد رغم الأحداث وتقلبات الأحوال في هذا الخضم الهائج إلا اليقين في الآخرة والإيمان بها والخشية والخوف مما أعده الله من العذاب المقيم لمن خالف أمره وعصاه. فتذكر الآخرة في جميع الأحوال والمناسبات والظروف يجعل عند الإنسان حسا مرهفا يجعله دائم اليقظة جاد العزيمة دائم الفكر فيما يصلحه في معاشِه ومعادِه كثير الوجل والخوف مما سيؤول إليه في الآخرة، ففي كتاب الزهد للإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قلت ليزيد! ما لي أرى عينيك لا تجفّ؟ قال: يا أخي إن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو توعدني أن يسجنني في الحمام لكان حريا أن لا يجف لي دمع.
وروى ضمرة عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن البصري فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني في النار غدا ولا يبالي. ولهذا من خاف واشتد وجله من ربه في هذه الدنيا يأمن يوم الفزع الأكبر فعن أبي هريرة   عن النبي   فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: ((وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين: إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة)) رواه أبن حبان في صحيحه.
أيها الأخوة: لقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة عاشوا مشاهد الآخرة فعلا وواقعا كأنهم يرونها حقيقة ولم يكن في نفوسهم استبعاد لذلك اليوم بل كان يقينهم بذلك اليوم واقعا تشهده قلوبهم وتحسّه وتراه وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول وتكيفت حياتهم على هذه الأرض بطاعة الله وكأن النار إنما خلقت لهم قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما. وحق لهما أيها الإخوة ولكل مؤمن أن يخاف من النار وأن يستعيذ بالله منها لأن الخبر ليس كالمعاينة يقول : ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد)) رواه مسلم وقال في وصف النار محذرا منها: ((نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم)) ولهذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إذا رأى أحدهم نارا اضطرب وتغير حاله فهذا عبد الله بن مسعود   مر على الذين ينفخون على الكير فسقط مغشيا عليه وهذا الربيع بن خثيم رحمه الله مر بالحداد فنظر إلى الكير فخر مغشيا عليه، وكان عمر بن الخطاب   ربما توقد له نار ثم يدني يديه منها ويقول: (يا ابن الخطاب هل لك صبر على هذا). وكان الأحنف رضي الله عنه: يجئ إلى المصباح بالليل فيضع إصبعه فيه ثم يقول: (حس، حس ثم يقول يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا يحاسب نفسه) وفي الحديث: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم)).
أيها الاخوة :إن أمر القيامة أمر عظيم رهيب، يرجّ القلب ويرعب الحس رعبا مشاهده يرجف لها القلوب والله سبحانه أقسم على وقوع هذا الحادث لا محالة فقال في سورة الطور   إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع   فهو واقع حتما، لا يملك دفعه أحد أبدا والأمر داهم قاصم ليس منه دافع ولا عاصم كما أن دون غد الليلة، فما أعددنا لذلك اليوم، وما قدمنا له وهل جلس كل منا يحاسب نفسه ما عمل بكذا وما أراد بكذا بل الكل ساهٍ لاه، والكل في سكرته يعمهون ويلعبون ويضحكون ويفسقون ويفجرون وكأن أحدهم بمنأى من العذاب وكأنهم ليس وراءهم موتا ولا نشورا ولا جنة ولا نارا   ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون  ليوم عظيم  يوم يقوم الناس لرب العالمين  يقول الحسن البصري رحمه الله: (إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي ما أردت بحديثي، وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاقب نفسه). فحقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها يحاسب نفسه ويتذكر ذنوبه ويستغفر منها.
أيها الأحبة: لقد كان المسلمون يعيشون مع القرآن فعلا وواقعا عاشوا مع الآخرة واقعا محسوسا، لقد كانوا يشعرون بالقرآن ينقل إليهم صوت النار وهي تسري وتحرق وإنه لصوت تقشعر منه القلوب والأبدان كما أحس عليه الصلاة والسلام برهبة هذا الأمر وقوته حتى أنه وعظ أصحابه يوما فقال: ((إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله عز وجل، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني شجرة تعضد)) رواه البخاري وفي رواية قال: ((عرضت علي الجنة والنار فلم أرى كاليوم في الخير والشر)) ثم ذكر الحديث فما أتى على أصحاب رسول الله  يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين و الخنين هو البكاء مع غنّه، ولطول المطلع وشدة الحساب وتمكن العلم والمعرفة لدى رسول الله  تمنى أن يكون شجرة تقطع وينتهي أمرها فكيف بنا نحن؟ عجبا لنا نتمنى على الله الأماني مع استهتارنا بالدين وبالصلاة وبكل شيء فماذا نرجو في الآخرة؟ وكما قيل:
يـا آمنـا مـع قبـح الفعـل منـه  هل   
أتاك توقيـع أمـن أنت تملكه
جمـعت شيئيـن أمنـا و اتبـاع هـوى    
هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب الخوف قد ساروا  
و ذلـك درب لسـت تسلـكه
فرطـت في الـزرع وقت البذر من سفه   
فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعـجب شيء فيـك زهـدك فـي   
دار البقاء بعيش سوف  تتركه
نعم والله هذا حال الكثير من الناس اليوم لا يريدون أن يعملوا ولا يريدون أن يتذكروا فإذا ذكرت لهم النار قالوا: لا تقنط الناس، وهذا والله هو العجب العجاب يريدون أن يبشروا بالجنة ولا يذكروا بالقيامة وأهوالها ولا بالنار وسمومها وعذابها وهم على ما هم فيه من سيئ الأعمال وقبيح الصفات، قال: الحسن البصري: لقد مضى بين أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى، لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم، وقد ورد في الترمذي عن أبي هريرة   عن النبي  أنه قال: ((ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها)) والسبب في ذلك ضعف جانب الخوف عند هؤلاء، لقد كان بعض السلف من شدة خوفه ووجله وكثرة تفكيره في أحواله الآخرة لا يستطيع النوم ولا الضحك ولا اللهو حتى يعلم أهو من الناجين أم لا، فهذا شداد بن أوس   كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم ويقول (الله إن النار أذهبت مني النوم فيقوم يصلي حتى يصبح)، وهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكى عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بنيّ أصبت نفسا، أو قتلت قتيلا؟ فقال: يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي، وهذا معاذ بن جبل   لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله  وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن هما القبضتان، قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا. يقول الحسن بن عرفه: رأيت يزيد بين هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعد ذلك بعين واحدة ثم رأيته بعد ذلك وقد ذهبت عيناه فقلت له: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان، فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار.
والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم.
ولما جاء عقبة بن عامر إلى النبي  يسأله: ما النجاة؟ نعم والله ما النجاة كيف ننجو من عذاب الله؟ فقال له: ((أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)) وفي رواية قال: ((طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى على خطيئته)).
وقد بين  أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقال ((...ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) بل حرم الله النار على من بكى من خشيته قال  : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع))، وفي رواية قال: ((حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله)) وكلا الحديثين صحيح.
وفي الأثر الإلهي: ((ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي)).
أيها المسلمون :إن سلفنا الصالح كانوا يتوجهون إلى الله في خشية وبكاء ووجل وطمع الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته والخوف من غضبه والطمع في رضاه والخوف من معصيته والطمع في توفيقه   يدعون ربهم خوفا وطمعا   والتعبير القرآني يصور هذه المشاعر المرتجفة في الضمير بلمسة واحدة حتى لكأنها مجسّمة ملموسة   إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين  إنها الصورة المشرقة المضيئة لسلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا يخافون ويرجون وكانوا يبكون حتى يؤثر فيهم البكاء فبكاؤهم ثمرة خشيتهم لله قال تعالى عنهم:   ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا   وقال أيضا:   والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، فبالخوف والخشية تحترق الشهوات وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانـة والتواضع والخضوع، ويفارق الكبر والحسد، بل يصير مستوعب الهم يخوفه والنظر في خطر عاقبته، فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمحافظة على الأوقات واللحظات ومؤاخذة النفس بالخطرات والخطوات والكلمات، ويكون حاله حال من وقع في مخالب سبع ضار لا يدري أنه يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك، فيكون ظاهره وباطنه مشغولا بما هو خائف منه لا متسع فيه لغيره. هذا حال من غلبه الخوف واستولى عليه وهكذا كان حال جماعة من الصحابة والتابعين يقول بلال بن سعد: عباد الرحمن، هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم تقبلت منكم أو شيء من خطاياكم غفرت لكم والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم من العبادة، وتنافسون في جنة   أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ، ويقول أيضا: رب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فويل لمن بان له الدليل ولا يشعر يأكل ويشرب ويضحك، وقد حق عليه في قضاء الله عز وجل أنه من أهل النار فيا ويل لك روحا والويل لك جسدا فلتبك ولتبك عليك البواكي لطول الأبد. فبمثل هذه العبارات كان الرسول وكان السلف يجاهدون أنفسهم ويعظون غيرهم حتى ينتبه الناس من غفلتهم ويصحوا من رقدتهم ويفيقوا من سكرتهم رجاء أن يدركوا من سبقهم إلى الطريق المستقيم ويكون الخوف دافعا لهم على الاستقامة ما كانوا على وجه الأرض أحياء مكلّفين.
وفي الختام أحب أن أذكر نماذج من خوف بعض الصحابة والتابعين:
فهذا أبو بكر   أفضل رجل في هذه الأمة بعد رسول الله نظر إلى طير وقع على شجرة فقال: ما أنعمك يا طير، تأكل وتشرب وليس عليك حساب وتطير ليتني كنت مثلك، وكان   كثير البكاء وكان يمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله، وهذا عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر قال لابنه عبد الله وهو في الموت: (ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر لي ويل أمي إن لم يغفر لي)، وأخذ مرة تبنة من الأرض فقال: (ليتني هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت منسيا)، وكان  يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما معاد يحسبونه مريضا، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء، وهذا عثمان   كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ)، وهذا علي  كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثا فعمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية  على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.
وهذا ابن عباس  كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء.
وهذا أبو عبيدة  يقول عن نفسه: وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي، وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم كانوا مبشرين بالجنة فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول: لقد رأيت أصحاب محمد   فلم أرَ أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا أو قياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقعون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب. وهذا سفيان الثوري رحمه الله يقول: والله لقد خفت من الله خوفا أخاف أن يطير عقلي منه وإني لا أسأل الله في صلاتي أن يخفف من خوفي منه.
أيها الإخوة: هل من مشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علما وعملا خوفا ورجاء ومحبة فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
ثم أما بعد:
أيها الإخوة: لم يكن سلفنا الصالح يخافون ويبكون ويتضرعون نتيجة تقصيرهم أو نتيجة عصيانهم وكثرة ذنوبهم، كلا بل كانوا يخافون أن لا يتقبل الله منهم ولهذا لما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله  عن قوله تعالى:   والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه))، قال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية وإن المنافق جمع إساءة وأمنا.
وكان خوفهم أيضا من أن يسلب أحدهم الإيمان عند قوته يقول ابن المبارك: إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر واستدراج وضلالة قد زينت له فيراها هدى ومن زيغ القلب ساعة ساعة أسرع من طرفة عين قد يسلب دينه وهو لا يشعر.
وهذا سفيان الثوري رحمه الله كان يكثر البكاء فقيل له: يا أبا عبد الله بكاؤك هذا خوفا من الذنوب، فأخذ سفيان تبناً وقال: والله للذنوب أهون على الله من هذا ولكن أخاف أن أسلب التوحيد. وهذا أبو هريرة  كان يقول في آخر حياته: (اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل كبيرة في الإسلام)، فقال له بعض أصحابه: يا أبا هريرة ومثلك يقول هذا أو يخافه وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي   وبايعته وأخذت عنه، قال: (ويحك، وما يؤمنني وإبليس حي).
وكان بلال بن سعد يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب، وتبعات الذنوب ومن مرديات الأعمال ومضلات الفتن، قال أبو الدرداء : (مالي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم، والله لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته، ما خاف عبد على إيمانه إلا منحه وما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه) وكان من دعائه : (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك وطاعة رسولك)، ولما احتضر عمر بن قيس، الملائي بكى فقال له أصحابه: على ما تبكي من الدنيا فوالله لقد كنت غضيض العيش أيام حياتك فقال: والله ما أبكي على الدنيا وإنما أبكي خوفا من أن أحرم الآخرة.
يقول الإمام الغزالي: ولا يسلم من أهوال يوم القيامة إلا من أطال فكره في الدنيا فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد فمن خاف هذه الأهوال في الدنيا أمنها في الآخرة وليست أعني بالخوف رقة كرقة النساء تدمع عينيك ويرق قلبك حال الموعظة ثم تنساه على القرب، وتعود إلى لهوك ولعبك، فما هذا من الخوف في شيء فمن خاف شيئا هرب منه، ومن رجا شيئا طلبه، فلا ينجيك إلا خوف يمنعك من المعاصي ويحثك على الطاعة، وأبعد من رقة النساء خوف الحمقى إذا سمعوا الأهوال سبق إلى ألسنتهم الاستعاذة فقال أحدهم: استعنت بالله اللهم سلم سلم، وهم مع ذلك مصرون على المعاصي التي هي سبب هلاكهم، فالشيطان يضحك من استعاذته كما يضحك على من يقصده سبع ضار في صحراء ووراءه  حصن فإذا رأى أنياب السبع وصرلته من بعد قال بلسانه: أعوذ بهذا الحصن الحصين وأستعين بشدة بنيانه وإحكام أركانه، فيقول ذلك بلسانه وهو قاعد في مكانه فأني يغني عنه ذلك من السبع وكذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن إلا قول: لا إله إلا الله صادقا ومعنى صدقه أن لا يكون له مقصود سوى الله تعالى ولا معبود غيره)، فالله أسأل أن يجعلنا ممن إذا خافه أطاعه وابتعد عن معاصيه.
موقع المنبر

الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله العظيم القرآن الكريم

الحمد لله وبعد .. فان هذا السؤال يختلف الجواب عليه بحسب حال السائل وطاقته ووقته وظروفه وسنه..ونحو ذلك
, ولكن يمكنني أن أذكّر بقواعد عامة أسأل الله العظيم أن ينفع بها والله المستعان وعليه التكلان:
1. اخلاص النية لله عز وجل,ومعرفة فضل القرآن وحفظه وفضل أهله وآداب حمله وحملته.
2. العزم وطلب المعالي وتحديد الهدف وهو اتمام حفظ كتاب الله تبارك وتعالى كاملا,وعدم استعجال هذه الثمرة,فمن رام الحفظ جملة ذهب عنه جملة.
3.وضع خطة مناسبة للحفظ اليومي,كماً وكيفاً,بحيث لا يترك يوم بحال من الأحوال,فالحفظ سهل لكنّ المداومة عليه هو الصعب ، ووضع حداً أدنى للكم "من الآيات".
4.تحديد الوقت والمكان المناسب وتثبيت ذلك قدر الامكان.
5.تحديد طبعة معينة للمصحف,حسنة الخط وحسنة الوقوف والابتداء,والاقتصار عليها.
6.الشروع في الحفظ وترك التسويف حتى لو تعسر في البداية,فالحفظ كاللياقة البدنية تزيد وتتحسن بالاستمرار وكالعضلة تقوى بالتدرج والمِران .
7.تصحيح مقدار الحفظ على شيخ متقن مجاز من شيوخ عصره,صحيح العقيدة حسن الأخلاق,ثم القراءة عليه غيباً "أي تسميعاً دائماً" بقراءة مجودة صحيحة والاستعانة أيضاً بأشرطة القرآن الكريم ونحوها,ثم ترك الانشغال بتكلّف التجويد والتغني وابراز دقائق الاعراب فهذا يصرف عن الحفظ,ويُذهب الخشوع كما قيل:"اذا جاء الاعراب ذهب الخشوع",ولا يعني هذا أن نترك التجويد والتغني بالكلية لأنّ القراءة لها صفة معينة تؤخذ من أفواه المقرئين, فالتجويد والتغني يزيدان القراءة حُسناً وهما من وسائل تثبيت الحفظ والتدبر أيضاً اذا كانا من غير تكلف فالقراءة سنة متّبعة يأخذها الآخر عن الأول فاقرأوه كما علّمتموه ,كما قال زيد رضي الله عنه وغيره.
8.فهم الآيات والتركيز فيها وتدبرها بالاستعانة بتفسير وجيز مختصر حتى لا تنشغل في غير الحفظ.
9.القراءة بصوت مرتفع "يُسمعكَ" لتشغّل أكثر من حاسّة , والتدرج في حفظ آية آية , وربطهما , وتكرارهما وهكذا فيما يليهما,والتهيؤ لذلك كله بحضورالقلب والطهارة ومراعاة آداب التلاوة.
10.تسميع المحفوظ غيباً لغير الشيخ كالأهل والأصحاب وفي هذا فوائد منها : خلق الجو الايماني في المنزل وفي غيره,واستغلال الوقت بما ينفع القارىء والسامع.
11.مراجعة المحفوظ وتمييز المتشابهات , واقتناص ذلك بشتى الطرق وفي جميع الأحيان خاصة في الصلوات المكتوبة وبين الأذان والاقامة وفي النوافل وقيام الليل .
12.العمل بهذا القرآن العظيم باتباع أوامره واجتناب نواهيه,فالخطايا تذهب العلم نسأل الله العافية.
13.الحذر من العجب والاغترار فانّ الانسان متى ما أعجب بنفسه فلن يزداد من الخير بل ربما تردّى وهلك كما في الحديث " ثلاث مهلكات: ....وذكر منها....اعجاب المرء بنفسه",نسأل الله السلامة .
14.استعن بحلقات التحفيظ ,ولا تعتمد عليها خاصة ان لم تكن يومية بل اجعلها وسيلة مساعدة.
15.عرض القرآن الكريم من أوله الى آخره على شيخ مجاز متقن فطن لبيب لمّاح للأخطاء يحسن ايصال المعلومة يجيزك بالقراءة والاقراء, وليست العبرة بعلو السند " الاجازة " بل العبرة في صحة وجودة القراءة.
16.لا تنشغل بالتخطيط عن الحفظ , ولا تتنقل في طرق الحفظ من طريقة الى أخرى ، (كالحفظ بالكتابة أو الأجهزة الحديثة........الخ) بل اجعل لك طريقة ثابتة تناسبك لكي لا يضيع عليك الوقت بهذا التنقل.
17.للطعام أثر في الحفظ فينبغي تنظيمه والتقليل منه واجتناب (التخمة) والحوامض والدسم فالبطنة تُذهب الفطنة وينبغي أيضاً تزويد الجسم بالطاقة وتنشيط العقل ببعض الأطعمة المفيدة للبدن والعقل كالعسل.
18.اجتنب الكسل والخمول وبادر بعلاجه قبل أن يستفحل ثم يحلّ محلّه الندم والحسرة.
19.استغلال الصغر, وأوائل العمر, والحرص في الكبر, وعدم تضييع الأجر.
20.الاستعانة بالدعاء وتحري مواطن الاجابة.
كتب \ القارئ مشاري بن راشد العفاسي
المصدر : موقع العفاسي

ذو القرنين ويأجوج ومأجوج

محمد حسان
ملخص الخطبة
1- جدد إيمانك 2- قسوة القلب وقلة الخوف من علاّم الغيوب 3- أين المصير يوم القيامة 4- صفة النار 5- دعوة للتوبة
الخطبة الأولى



أما بعـد:
فحياكم اللـه جميعا أيها الآباء الفضلاء وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعا من الجنة منزلاً، وأسأل اللـه العظيم جل وعلا الذي جمعنا وإياكم في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في اللـه:
في رحاب الدار الآخرة:
سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي الهدف منها:
تذكيـر النـاس بحقيقـة الدنيـا للإنابـة والتوبة إلى اللـه جل وعلا قبل أن تأتيهـم الساعة بغتة وهم يخصمـون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.
وهذا هو لقاءنا السادس من لقاءات هذه السلسلة، وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن علامة من علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى  في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أُسَيد الغفاري قال: اطلع علينا النبي صلى اللـه عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون))؟ فقالوا: نذكر الساعة، قال المصطفى: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).
تكلمنا عن الدجال ونزول عيسى عليه السلام وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن يأجوج ومأجوج.
وكعادتنـا حتـى لا ينسـحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم اليوم عن يأجوج ومأجوج في العناصر التاليـة:
أولاً: تأصيل لغوى شرعي مختصر.
ثانياً: بعث النار.
ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج.
رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة.
خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب.
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللـه وأولئك هم أولوا الألباب .
أولاً: تأصيل لغوى وشرعي مختصر:
أيها الأحبة: لقد أورد كثير من المؤرخين والمفسرين أخباراً عجيبة وروايات غريبة عن يأجوج ومأجوج، ذكروا في هذه الروايات والأخبار أصلهم، ونسبهم، وأشكالهم، وألوانهم، ومكانهم!!
وهذه الأخبار والروايات لا تعدو أن تكون مجرد خرافات وأوهام وخيالات وأساطير، لأنها أُخِذَت من الإسرائيليات.
أُخِذَت من غير المصادر اليقينية أي القرآن والسنة النبوية الصحيحة، فلا يجوز لأحدٍ بحال أن يتكلم في مثل هذه الأمور الغيبية إلا بالدليل الصريح من القرآن أو بالدليل الصحيح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
فلسنا في حاجة على الإطلاق لأن نلهث وراء الإسرائيليات والأخبار العجيبة والموضوعة لنتكلم عن يأجوج ومأجوج أو عن ذي القرنين ،وإنما يجب علينا جميعا أن نقف عند النص اليقيني في كتاب ربنا وفي سنة الحبيب نبينا ففيه الغنى.
يأجوج ومأجوج أُمَّتَانِِ من البشر من ذرية آدم عليه السلام يتميزان عن بقية البشر بالاجتياح المروع والكثرة الكاثرة في العدد والتخريب والإفساد في الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل.
وقال المحققون من أهل اللغة نقلا عن ابن منظور في لسان العرب وغيره قالوا  :
يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان مشتقان من أجيج النار أي من التهابها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة والحرارة .
فشبَّهوهم بالنار المضطرمة المتأججة وبالمياه الحارة المحرقة المتموجة لكثرة تقلبهم، واضطرابهم، وتخريبهم، وإفسادهم في الأرض .
هذا هو التأصيل اللغوي الذي لابد منه بداية حتى لا نطلق لخيالنا العنان لنلهث وراء الخرافات والأساطير والأوهام .
لذا أخبرنا المصطفى أن يأجوج ومأجوج هم بعث النار يوم القيامة وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء:
ثانياً: بعث النار:
ففي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري رضي اللـه عنه أن النبي  قال: ((يقول اللـه يوم القيامة: يا آدم فيقول آدم: لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول اللـه جل وعلا: أَخْرِج بعث النار فيقول آدم عليه السلام: وما بعث النار يا رب؟، فيقول الملك: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم، وواحد إلى الجنة)) فشق ذلك على أصحاب النبي المختار، وفي رواية ((فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة))، وفي رواية ((فبكى أصحاب الرسول وقالوا: يا رسول اللـه وأينا ذلك الواحد))؟ فقال المصطفى :((أبشروا! أبشروا! فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد)) ثم قال المصطفى : ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة)) فكبرنا. قال: ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة)) فكبرنا . فقال المصطفى  في الثالثة: ((واللـه لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة)).
أمة النبي  أمة مرحومة.. أمة النبي  أمة ميمونة .
و كدت بأخمصي أطأ الثُّريــا

ومما زادني فخــرا وتيهــا
وأن أرسلت أحمد لـي نبيــا

دخولـي تحت قولك يا عبادي
اسجد له شكراً أنك من أمة الحبيب محمد ، فأمة المصطفى أمة مرحومة أثنى عليها ربها وأثنى عليها نبيها .
قال اللـه لها:  كُنتُم خَيرَ أُمَّةِ أُخرِجتْ لِلنَّاسِ .
قال اللـه لها:  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا   [البقرة: 143] .
وفـى الحديـث الذي رواه الترمذي وأحـمـد وابـن ماجـه بسند حسن قال المصطفى : ((أنتم موفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللـه جل وعلا))([2]).
أنتم خير الأمم.. أنتم أكرم الأمم على اللـه جل وعلا .
بل وفي صحيح البخاري من حديث أبى سعيد الخدري أن الحبيب النبي  قال: ((يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: يا نوح هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم يا رب. فيدعى قومه ويقال لهم: هل بلغكم نوح؟ فيقول قوم نوح: لا ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقول الحق جل وعلا: وهو أعلم، من يشهد لك يا نوح؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته، يقول المصطفى: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أدعى فأشهد عليكم ))([3]).
وذلك قول اللـه جل وعلا : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا .
بل ومن الأحاديث الممتعة التي تبين فضل السابقين واللاحقين من أمة سيد النبيين ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبي أتى المقبرة يوما فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنّا إن شاء اللـه بكم لاحقون)) ثم قال الحبيب 0: ((وددت أنَّا قد رأينا إخواننا)) فقال الصحابة: أو لسنا إخوانك يا رسول اللـه؟ قال : ((أنتم أصحابي، وإخواننا قوم لم يأتوا بعد)) فقال الصحابة: فكيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول اللـه؟ فقال المصطفى : ((أرأيت  لو أن رجلا له خيلُُ غُرُّ مُحَجَّلَة بين ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ (أي سود) ألا يعرف خيله))؟ قالوا: بلى يا رسول اللـه، فقال المصطفى : ((فأنهم يأتون غُراً محجلين من الوضوء ))([4]).
أحبتي في اللـه:
أقف الآن وحضراتكم مع هذا الحوار الجميل بين ذي القرنين وقوم تعرضوا للفساد والإيذاء على أيدي يأجوج ومأجوج وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز .
ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج:
لقد حكى اللـه قصة ذي القرنين في سورة واحدة من سور القرآن ألا وهي سورة الكهف قال اللـه تعالى:  وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا  [الكهف:83-98].
هذه هي قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج وأقول لك أن قصة ذي القرنين هي الأخرى قد نُسِجَ حولها من الأساطير والخرافات والخيالات والأوهام ما يندى له جبين التحقيق خجلاً وحياءً.
لا يجوز لأحد يحترم علمه وعقله أن يتجاوز النص القرآني في قصة ذي القرنين فما ذكره اللـه في القرآن عن ذي القرنين فيه الغنى وفيه الكفاية، ولسنا في حاجة لأن نلهث وراء الإسرائيليات لننسج حول شخصية ذى القرنين الأساطير والخرافات والأوهام .
والآن أدعوك لنتجول سوياً لنتعرف على قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج بالنص القرآني والتفسير اليسير.
ذو القرنين عبد صالح اختلف أهل التفسير في نبوته لكن لا يستطيع أحد أن يجزم بذلك.
والقصة تبدأ بسؤال المشركين للنبي المصطفى  ويأتي الجواب من اللـه جل وعلا: "قل" يا محمد، وكلمة "قل" يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة قل التلقينيه أي القصة ليست من عند رسول اللـه بل هي وحي من عند اللـه جل وعلا:   قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا :         كلمة " منه " التبعيضية: أي سأتلوا عليكم بعض الشيء من قصة ذي القرنين ولو علم اللـه في الزيادة عن النص القرآني خيراً لذكرها لنا فلنقف عند ما ورد في القرآن وما ثبت في حديث النبي عليه الصلاة والسلام:   إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض : تدبر ... فمن الذي مَكَّنَ لذي القرنين؟
فالتمكين إن نقبت عنه في القرآن سترى أنه في كل مرة وردت لفظة التمكين تنسب إلى اللـه رب العالمين، وهذه القاعدة البلاغية تؤصل في القلوب قاعدة إيمانية .
فالذي يُمَكِّن للدول والأمم والشعوب هو اللـه، فيجب علينا جميعا أن نعلق قلوبنا بالملك الذي يفعل كل شيء، مع الأخذ بالأسباب فهذا من حقيقة التوكل على اللـه .
لا تسود أمة إلا بإذن اللـه ولا تزول أمة إلا بإذن اللـه .
قال تعالى:  قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [آل عمران:26].
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا . أخذ بهذه الأسباب والوسائل للتمكين والنصر والفتح والظهور .
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ  [الحج:41].
فهناك من الأمم من يمكن اللـه لها فتأخذ بأسباب التمكين فيزيدها اللـه ثباتا وتمكينا فإن فرطت أذهب اللـه عنها التمكين. وهناك من الناس من إذا مكن اللـه له أخذ بوسائل التمكين فزاده اللـه رفعة ونصرا فإن فرط في هذه الأسباب والوسائل أمر اللـه عز وجل بزاوله وهلاكه .
وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا . أعطاه من الأسباب ما يستطيع أن يفتح وأن ينتصر وأن يجوب البلاد شرقا وغربا .
يبدأ ذو القرنين الرحلة الجهادية الأولى في سبيل اللـه نحو المغرب .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا .
ومن المعلوم أنه ليس للشمس مشرقاً واحداً ولا مغرباً واحداً بل لها عدة مشارق ومغارب .
قال اللـه تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ   [المعارج:40].
فالشمس لها مشارق ومغارب بحسب فصول السنة وأيامها وشهورها، لها مشارق ومغارب بحسب المكان، لها مشارق ومغارب بحسب رؤية الرائي إلى قرص الشمس أثناء الشروق أو الغروب .
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا .
فبين ذو القرنين منهجه العادل ودستوره الحكيم، فقال كما ذكر في كتاب ربنا:  قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا .
وأما من ظلم نفسه بالشرك وعدم اتباعي فسوف أعذبه وله عند اللـه العذاب العظيم، أما من اتبعني وآمن بما جئت به ووحد اللـه واستقام على منهج اللـه فله الحسنى وهى الجنة، أما من ناحيتي فسنقول له يسرا .
ثم انطلق نحو المشرق في رحلة ثانية :
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . لا يحمى هؤلاء الناس والقوم شيء على الإطلاق، لا يحول بينهم وبين الشمس شيء.
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا : أي علم اللـه عز وجل كل ما يدور في قلبه وفي نفسه.
وتبدأ الرحلة الثالثة التي هي محل الشاهد في موضوعنا:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ   والسدين: الجبلين العظيمين .
وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا  .
لا يعرفون لغة ذي القرنين أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم، فهم قوم منعزلون على أنفسهم، تعرضوا إلى أشد الهجمات وأعنف الضربات على يدي يأجوج ومأجوج، فلما رأوا ذا القرنين الملك الفاتح العادل توسلوا إليه وانطلقوا وقوفا بين يديه وقالوا:  يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا .
هؤلاء القوم يقولون لذي القرنين هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد على أن تبنى لنا سدا منيعا يحمينا من يأجوج ومأجوج .
فرد عليهم بزهد وورع وقال:  قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ .
لقد أعطاني اللـه عز وجل من وسائل التمكين ما أغنانى به عن مالكم ولكنه لمح فيهم الكسل، فأراد أن يشركهم في هذا المشروع العظيم وفي هذا العمل الضخم، فقال لهم ولكن!
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . أي قال بلغة العصر: التخطيط الهندسي والمعماري والإنفاق المادي لبناء هذا السد ولإقامة هذا المشروع، سنتكفل نحن بذلك، ولكننا في حاجة إلى العمال، في حاجة إلى عمالة يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل:  فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا .
وبدأ ذو القرنين المهندس البارع الذي سبق علماء الهندسة المعاصرين بعدة قرون .
أمر بالبدء في المرحلة الأولى من مراحل هذا المشروع .
ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ  : أي اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة وأمرهم بوضع هذه القطع في مكان ضيق بين هذين السدين، فلما وضعت قطع الحديد حتى ساوت قمة الجبلين قال: انفخوا النار المشتعلة التي تصهر هذا الحديد، ولك أن تتصور حجم هذه النيران التي اشتعلت لتصهر أطناناً من الحديد لا يعلم وزنها إلا العزيز الحميد، اشتعلت النيران تحت هذا الحديد بين السدين في مكان ضيق، يريد أن يسد على يأجوج ومأجوج الطريق الذي ينفذون منه إلى هذه الأمم المسكينة المغلوبة على أمرها .
فأشعل النيران حتى انصهر الحديد وذاب بين السدين أي بين الجبلين، فأمر ذو القرنين أن يدخلوا في المرحلة الثانية من مراحل البناء، ألا وهي أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر .
فلما انصهر النحاس أمرهم بصب النحاس على الحديد فتخلل النحاس الحديد فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً ليزداد صلابة وقوة فلا تستطع يدى يأجوج ومأجوج أن تتسلقه أو أن تنقبه .
وبذلك يكون ذو القرنين قد سبق العلم المعاصر في تقوية الحديد بالنحاس فلما ساوى بين الصَّدَفين بهذا الحديد وبهذا النحاس ليبين لنا سمات القيادة الفذة الناجحة التي تستطيع أن تجمع بين الخيوط والخطوط .
التي تستطيع أن تجمع بين المواهب والطاقات والقدرات والإمكانيات لتستغل الموارد والطاقات أعظم استغلال.
ذو القرنين يبين لنا سمات القيادة الناجحة، وما أحوج الأمة إلى هذه القيادة الفذة، فلما نظر إلى هذا السد العظيم لم تسكره نشوة القوة والعلم، لم يقل فن الإدارة!!
لم يقل: إنما أوتيته على علم عندي!! وإنما نسب الفضل لصاحب الفضل جل وعلا فقال:  قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
درس عظيم .. هذا رحمة من ربي ثم بين للحضور معتقده الصافي في الإيمان بالبعث والإيمان بيوم القيامة فقال لهم إن الذي أمر ببناء هذا السد هو اللـه، وأن الذي أمر بحجز يأجوج ومأجوج هو اللـه، وأن الذي سيأذن لهم بالخروج هو اللـه، وحتما سيأتي يوم على هذا السد المنيع ليجعله اللـه عز وجل دكاء أي ليسويه بالأرض وذلك لا يكون إلا بين يدي الساعة كما سيسوى جبال الأرض كلها بالأرض .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .
هكذا يبين ذو القرنين العقيدة الصافية في الإيمان بالبعث، في الإيمان بيوم القيامة وعلامته الكبرى حين يأذن الحق تبارك وتعالى ليأجوج ومأجوج في الخروج حينئذ يستطيعون أن ينفذوا هذا السد ويخرجوا وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء:
رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة:
في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش رضي اللـه عنها: أن النبي  دخل عليها يوما فزعا وهو يقول: ((لا إله إلا اللـه، لا إله إلا اللـه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بأصبعه السبابة والإبهام فقالت زينب بنت جحش: يا رسول اللـه أَنهلِكُ وفينا الصالحون فقال المصطفى:((نعم إذا كَثُرَ الخبث))(4).   
يهلك الصالح والطالح ويبعث اللـه الصالحين والطالحين على نيـاتهـم .
وتدبر معي هذا الحديث: الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك وصحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين وأقر الحاكمَ الذهبيُ والألبانيُ في السلسلة الصحيحة من حديث أبي هريرة أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال: ((إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قالوا: ارجعوا فستحفرونه غداً فيرجعون فيعيد اللـه السد أشد مما كان، حتى إذا أراد اللـه أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد فقال الذي عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس: ارجعوا وستحفروه غدا إن شاء اللـه تعالى فيعودون فيرون السد كهيئته التي تركوه عليها فيحفرونه ويخرجون))(5)
وفي رواية مسلم في حديث النواس بن سمعان ((فيمرون على بحيرة طبرية فإذا مَرَّ أوائل يأجوج ومأجوج شربوا ماء البحيرة كله فإذا مر آخرهم قال: لقد كان في هذه البحيره ماء)).
فيخرجون فيخاف الناس ويتحصنون منهم في الحصون، يتركون لهم الشوارع والطرقات لا قدرة لأحد بقتالهم كما سأذكر في رواية النواس بن سمعان قال المصطفى : ((أوحى الله إلى عيسى: يا عيسى إني قد بعثت قوما (أي يأجوج ومأجوج) لا يدان لأحد بقتالهم (أي لا طاقة لأحد بقتالهم) فحرز عبادي إلى الطور أي اجمع عبادي من المؤمنين إلى جبل الطور في سيناء)). ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيقول يأجوج ومأجوج: لقد قتلنا أهل الأرض تعالوا لنقتل أهل السماء.
انظر إلى الفجور!! وبهذه العبارة فقط تستطيع أن تتصور حجم الفساد في الأرض إذ تجرأ هؤلاء وفكروا في أن يقاتلوا أهل السماء وبالفعل يوجهون النشاب (أي السهام) إلى السماء فيريد الملك أن يبتليهم فيرد اللـه عليهم نشابهم ملطخة دماً فتنة من اللـه تعالى فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء. في الوقت الذي تبتلى فيه الأرض بهذه الفتنة تكون فتنة أخرى عصفت بأهل الأرض عصفاً ألا وهى فتنة الدجال فينزل عيسى عليه السلام وهذا ما سنتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة.
وأقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم

([1]) سبق تخريجه .
([2]) رواه البخارى رقم (4478) فى التفسير ، باب قوله تعالى  وكذلك جعلناكم أمة وسطاً والترمذى رقم (2965) فى التفسير ، باب ومن سورة البقرة ، وهو فى صحيح الجامع رقم (8034) .
([3]) رواه البخارى رقم (3339) فى أحاديث الأنبياء ، باب قول الله عز وجل  ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه  ورواه الترمذى ، والنسائى ، وابن ماجة ، ورواه أيضاً أحمد فى المسند رقم (11222) .
([4]) رواه البخارى رقم (136) فى الوضوء ، باب فضل الوضوء والغر المحجلون ، ومسلم رقم (249) فى الطهارة ، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء ، والموطأ (1/28-30) والنسائى (1/93/95) فى الطهارة .
(4) رواه البخارى رقم (3346) فى أحاديث الأنبياء ، باب قصة يأجوج ومأجوج ، ومسلم رقم (2880) فى الفتن ، باب اقتراب الفتن ، والترمذى رقم (2188) فى الفتن .

(5)  رواه ابن ماجة رقم (4080) والحاكم وهو فى صحيح ابن حبان (1908) .


الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللـهم صلّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب:
يُنزل اللـه تعالى عيسى عليه السلام كما في حديث النَّواس بن سمعان الذي رواه مسلم قال المصطفى: ((فبينما هو كذلك (أي الدجال) إذ أنزل اللـه عز وجل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين (أى ثوبين مصبوغين) واضعاً كَفَّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ)) إذا رفع نبي اللـه عيسى رأسه تقطر منها الماء كحبات اللؤلؤ الأبيض .
يقول المصطفى : ((فيطلب عيسى بن مريم الدجال حتى يدركه بباب لُدّ (مدينة بفلسطين) )). فيقتل عيسى بن مريم الدجال عليه لعنة اللـه: ((ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم اللـه منه فيمسح عن وجوههم ويبشرهم بدرجاتهم في الجنة  فبينما هو كذلك إذ أوحى اللـه: إلى عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطـور)) (أي لا طاقـة ولا قـدرة لأحـد بقتـالـهم) يقـول المصطفى : ((ويبعث اللـه يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون)). ينتشرون، يغطون وجه الأرض من فوق المرتفعات والجبال.
فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مَّرةً ماءُُ ويحصر نبي اللـه عيسى عليه السلام وأصحابه فيـرغـب نـبي اللـه عيسى وأصحابه أن يتضرعـوا إلى اللـه عز وجل أن يهلـك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاء عيسى وأصحابه من أمة النـبي محمد .
اسمع ماذا قال المصطفى : ((فيرسل اللـه على يأجوج ومأجوج النغف)) النغف: هو الدود الصغير.
تدبر قدرة الملك وعظمة الملك، واللـه ما أحوج الأمة إلى أن تمتلئ قلوبها يقينا بقدرة الملك جل جلاله.
ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة اللـه وعلى جلال اللـه، وعلى قوة اللـه، وعلى قدرة اللـه، فإن أمر اللـه بين الكاف والنون .
فيرسل اللـه عليهم النغف أى الدود الصغير في رقابهم فيهلكهم الحق جل وعلا فيقول المصطفى : ((فيصبحون فرسى (أي قتلى) كموت نفس واحدة)) في رواية ((يطلب نبى اللـه عيسى واحداً من هؤلاء المتحصنين الخائفين أن يخرج وأن يبذل نفسه ليرى ماذا فعل يأجوج ومأجوج في الأرض فيخرج وهو مستعد للقتل والهلاك فيرى هذه الكرامة والمعجزة والآية فيرجع لنبي اللـه عيسى وينادي عليه وعلى أصحابه: أبشروا لقد أهلك اللـه يأجوج ومأجوج )). يقول المصطفى : ((ثم يهبط نبي اللـه عيسى مع أصحابه فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم (الزهم: الدهن والشحم) لا يقوى الناس على هذه الرائحة الكريهة النتنة. فيرغب نبي اللـه عيسى وأصحابه إلى اللـه أن يطهر الأرض من هذه النتن، فيرسل اللـه عز وجل طيراً كأعناق البخت (أي كرقاب الإبل) فتحملهم فتطرحهم حيثما شاء اللـه ثم يرسل اللـه مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقَة (أي تصبح الأرض كالمرآة في صفائها ونقائها) وحينئذ يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردِّى بركتك)). يقول المصطفى : ((فبينما هم كذلك إذ بعث اللـه ريحاً طيبة تأخذ الناس تحت آباطهم فتقبض هذه الريح روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون في الأرض تهارج الحمر (أي الحمير) وعليهم تقوم الساعة)).
وبذلك يكون قد أنهيت الحديث عن يأجوج ومأجوج من المصادر اليقينية من كتاب اللـه والسنة الصحيحة، وأنصح أحبابي أن لا يقفوا بعد ذلك وراء الأساطير والأوهام والإسرائيليات التي وردت في ذلك.
أحبتي في اللـه..
هذا وما كان من توفيق فمن اللـه وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان واللـه ورسوله منه براء وأعوذ باللـه أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويُلقى به في جهنم ثم أعوذ باللـه أن أذكركم به وأنساه.
وصلِّ اللـهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى اللـه عليه وسلم.
وأقم الصـلاة.

مركز تحميل الصور الاسلامية

تحدي بين مدرس يهودي وطالب مسلم

su-34

أركان الإسلام

a7dathalnihaya