في عام 1787 بنى الكسندروفيتش بوتمكين (عشيق كاترين الثانية إمبراطورة روسيا) عددا من القرى النموذجية المزيفة من أجل جولة الإمبراطورة في أوكرانيا والقرم. ثم تحول مصطلح "قرية بوتمكين" ليعني في دلالته أية واجهة مشرقة (ومزيفة) تخفي خلفها كآبة الجوهر الحقيقي.
و حقيقة قد وقع العلمانيون في نفس الخطأ حين رسموا لأنفسهم حجما إعلاميا زائفا، وهم يتصورون أن ذلك يصب في مصلحتهم. وفي واقع الأمر أنهم قد أضروا بأنفسهم من حيث لا يشعرون.
فقد تسببت الحملة الإعلامية التي شنها العلمانيون في:
· كسب التيار الإسلامي لتعاطف جموع الشعب المصري المتدين معه. فلو أنك قمت باستبيان بعد الثورة بأيام على شعبية الإسلاميين ثم قمت به في الوقت الحالي لأدركت الفارق الذي أعنيه.
· بالضد تتميز الأشياء: فلولا الليل، ما عرف فضل النهار، ولولا القبيح، ما عرف فضل الحسن، ولولا الظلمة ما عرفت منفعة النور، ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا. فنظرة على دعاة الزواج المدني و غياب المرجعية الإسلامية، و رد فعل الجماهير إزاء ذلك، بالإضافة إلى تدني شعبية الإعلاميين الذين تبنوا محاولات إسقاط الإسلاميين تجعلك تدرك ما أعني تماما.
· علو الهمة في تحديد الأهداف: لولا تلك الحملة الشرسة و استشعار الخطر على هوية مصر من جانب الإسلاميين، لما وجدت تلك الروح الجميلة التي ظهرت بين الإسلاميين بمختلف أطيافهم. و تقديم الأهداف الرئيسية على بعض الاختلافات المنهجية و الحركية، وهو ما صب في النهاية في مصلحة هوية مصر الإسلامية. وفعلا أتمنى أن تستمر تلك الروح بين الجميع.
· حشد لم يسبق له مثيل: لا أظن أن الحشد الكبير في جمعة 29 يوليو كان بسبب دعوة الإسلاميين فقط، بل أن المحرك الرئيسي له حقيقة هو الاستفزاز الذي قامت به بعض الحركات لجموع الجماهير.
· تصديق الكذبة: لو كنت في موقع العلمانيين لقمت بالضغط على الإخوان للترشح على المقاعد البرلمانية بالكامل وليس العكس. فهم قد تصوروا أنفسهم في حجم أكبر بكثير من حجمهم الطبيعي، وظنوا أنهم قد ضمنوا ال50% الباقية من المقاعد الأخرى. في حين أن ذلك فتح الباب أمام قوى إسلامية أخرى ستشكل جماعات ضغط من أجل تطبيق الشريعة، كما أوجد نوعا من الارتياح بتقسيم التورتة بين القوى الإسلامية.
· تأجيل الانتخابات: من المضحك أن يظن البعض أن تأجيل الانتخابات يصب في مصلحة أحد غير القوى الإسلامية. بل على العكس يزدادون قوة كل يوم. فالساحة السياسية أصلا كانت و لازالت مفتوحة أمام الجميع ما عدا الإسلاميين حيث كان عليهم العديد من القيود، ومن الطبيعي أن يؤدي رفع القيود إلى إعطائهم مزيدا من الزخم. ولك أن تقارن مثلا الشعبية التي يكتسبها حازم صلاح أبو اسماعيل كل يوم بحجم الأرضية التي يخسرها البرادعي كل يوم لتدرك حقيقة ما أقول.
· شكرا أيها الأعداء: لا أستطيع أن أنكر أبدا أن النقد المستمر والوضع تحت المجهر أدى إلى أن تتدارك القوى الإسلامية لكثير من أخطائها الإعلامية و التنظيمية.
و أخيرا تأتي قاصمة الظهر حين تحالف العلمانيون مع الخرافة، فمن المضحك جدا أن تقوم قوى تدعي الحداثة و التقدم بالتحالف مع الطرق الصوفية و بقايا الخرافة في المجتمع المصري من أجل مواجهة المد الإسلامي، فلك أن تتخيل وزيرا مثلا من ذلك التحالف يقوم بحضور الموالد و مشاهدة من يقوم بتطويح نفسه من أجل ربح بضعة أصوات!!! إنه مشهد يثير الشفقة أكثر من الضحك على هذا الهزل العجيب
إن ما يقومون به من خلال هذا التحالف سيكون سبة للعلمانية قد تشكل المسمار الأخير في نعشها على أرض مصر الحبيبة.
وختاما لم يعد هناك مجالا للإنكار أن المستقبل في مصر للإسلام السياسي بعد أن أعلن الشعب أنه لم يعد وجبة خفيفة يسهل تناولها. و ما علينا في المرحلة القادمة أن نفكر في كيفية وضع برامج نهضوية تتعامل مع الواقع و تحاول النهوض بهذه الأمة لبناء دولة العلم و الإيمان، وحقيقة يقدم الشيخ حازم أبو اسماعيل برنامجا رائعا في هذا المجال. و نرجو أن يتبعه غيره من خلال طرح قضايا تمس الحياة اليومية للشعب المصري و كيفية النهوض بها.
محمد نصر
7 - رمضان - عام 1432 هـ
7 - أغسطس - 2011 م
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق