بسم الله الرحمن الرحيم
و لا عدوان إلا علي الظالمين
و صلاة و سلاما علي المبعوث الأمين
محمد بن عبد الله
عليه و علي آله و من والاه
إلي يوم الدين
إذا رجعنا إلي الوراء مئة و عشرة من الأعوام , آي قبل اختتام القرن التاسع عشر , لوجدنا أن الأوساط العلمية حينئذ كانت تتحدث عن الإشعاعات الغريبة الشأن التي أكتشفها العالم الفرنسي بيكوريل و التي كانت تنبعث من تلقاء نفسها من بعض أملاح اليورانيوم , ثم ما لبثت مدام كوري و زوجها أن اكتشفا مادة الراديوم و هي ذات إشعاعات أقوي من اليورانيوم بحوالي مليوني ضعفا , و كان العلم في دهشة من هذه الإشعاعات الراديومية التي تجعل الراديوم يتوهج في الظلام , و ترفع من درجة حرارته , و سرعان ما أدركت خواص تلك الأشعة القوية القتالة فاستخدمت للفتك لخلايا السرطان ؛ و نظر العلماء إلي هذه الأشعة كدليل علي جبروت الطاقة المختزنة و التي تغلي في باطن المادة , و لكن كيف ؟ و علي آية صورة ؟
يرجع الفضل الأكبر في كشف حقائق هذا النشاط الإشعاعي إلي العالم الأنجليزى أرنست راذرفورد الذي أدي إلي علم الطبيعة النووية خدمات متتالية جعلته يعتبر بحق أعظم عالم تجريبي ذري هذا القرن ؛ فقد أجري بمساعدة ( F.Soddy ) جملة تجارب أدت إلي أعلانهما عن حقيقة النشاط الإشعاعي ؛ و طبقا لهذه النظرية تنفجر بعض ذرات المواد المشعة و ينبعث من الحطام بقوة إلي الخارج ؛ و قد وجدت أن هذه الإشعاعات ليست متجانسة , بل تشمل ثلاث أنواع سميت بالحروف : ألفا , بيتا , جامل , و هي الحروف الثلاثة الأولي في اللغة الإغريقية ؛ و عند انفجار ذرة اليورانيوم مثلا فإن ما بقي من الذرة يستمر في الانفجار المتتالي حتى تصبح الذرة المتبقية ذرة رصاص فتقف عن التفتت ؛ و لم يكن للذرة تركيب معروف حينئذ , و كان العالم الأنجليزى ج.ج.تومسون مكتشف الإلكترون , قد أقترح بأن تصور الذرة كأنها كرة من الكهرباء الموجبة تحمل في ثناياها الالكترونات السالبة التكهرب ؛ كما توجد البذور داخل ثمرة التفاح أو البرتقال ؛ و لكن هذه الصورة سرعان ما أهملت ؛ إذ أن انبعاث جسيمات بيتا السالبة ( و هي الكترونات ) بسرعة كبيرة من داخل الذرات – كما لاحظ العالم الألماني لينارد – يدلنا علي أن الذرة معظمها فراغ .
و كان أن وضع راذرفورد مرة أخرى في سنة 1911 , و كان حينئذ في جامعة مانشستر , أساس الصورة التي مازالت في جوهرها سائدة حتى الآن ؛ فقد أثبت بتجارب أجراها حينئذ بأن الشحنات الموجبة في الذرة يجب أن يكون مركزها في حيز صغير جدا في وسط الذرة ؛ و أن الالكترونات - ذات الشحنات السالبة – متحركة بسرعة حول النواة علي مسافات كبيرة منها ؛ آي أن الذرة في مجموعها ليست سوي مجموعة شمسية مصغرة تكون النواة فيها هي الشمس , و تكون الالكترونات فيها هي الكواكب التي تدور حولها .
و كانت قوانين الحركة الطبيعية المعروفة حينئذ تستلزم أن يشع الإلكترون ضوءا أثناء الحركة الدورانية و ينتج عن ذلك اقترابه في حركته من النواة , و هكذا يستمر في أشعاع ضوء و الاقتراب من النواة تدريجيا حتى يلتصق بها و تتلاشي شحنات الكهربية في الذرة و يتغير تركيبها ؛ و هذا لا يتفق مع المشاهد عمليا , إذ أن المواد المركبة من ذرات تبقي دائما ثابتة في تركيبها لا تتغير أبدا ؛ و كان من الواضح أن هذه الصعوبة ليس مرجعها نقص في صورة راذرفورد و لكن النقص كان في تلك القوانين الطبيعية التي يجب أن يسير بمقتضاها الإلكترون ؛ و في هذا الوقت الحرج في تاريخ العلم ( 1911 ) سافر شاب دنمركي ( نيلز بوهر ) إلي انجلترا للدراسة و بعد أن قضي سنة في كامبردج مضي إلي مانشستر حيث راذرفورد يواصل تجاربه و أبحاثه ؛ و في سنة ( 1913 ) أقترح بوهر القوانين التي رأى أن يسير علي هديها الإلكترون بدلا من تلك التي كانت سائدة قبلا , و التي ما نزال حتى الآن نطبقها علي الأجسام التي نراها و نقابلها في حياتنا العادية كالعربات و الطائرات و ما شابه ذلك .
فقد قال بوهر أن الالكترونات في حركتها لها قوانين خاصة بها فالإلكترون مثلا يستطيع أن يدور حول النواة دائما أبدا دون أن يقترب من النواة أو يفقد جزءا من طاقته ؛ وذلك في مسارات معينة حول النواة , و أنه إذا أنتقل الإلكترون من مسار إلي آخر من هذه المسارات المعينة فإنه يفقد جزءا من طاقته علي شكل إشعاع ضوئي إذا كان المسار الأخير أقرب إلي النواة , و أنه بعد هذا الانتقال يظل الإلكترون يدور في مساره الجديد دون أن يفقد جزءا من طاقته .
و قد نجحت هذه الفروض نجاحا كبيرا في شرح الظواهر الذرية , و لكن لم يكن العلماء مستريحين تماما للطريقة التي وضع بها بوهر اقتراحه بتحديد هذه المسارات المعينة التي يستطيع بها الإلكترون البقاء دائما أبدا دون إشعاع , فما هو السبب في وجودها ؟ نعم أنها نجحت نجاحا لم يكن متوقعا و لكن حتى سنة 1924 لم يستطع أحد التوصل إلي معرفة الجواب علي هذا التساؤل .
و كان يلزم للإجابة علي هذا السؤال نظرية وضعها عالم فرنسي هو " لويس دى بروجلي " في سنة 1924 , أحدثت رجة كبيرة في الأوساط العلمية حينئذ , فقد لاحظ دى بروجلي – و كان يعمل بمعمل عمه الذي كان يبحث في خواص الأشعة السينية – أن خواص الضوء أمكن شرحها علي أساس الفرض بأن الضوء له خواص الموجات و خواص الجسيمات معا في وقت واحد ؛ أي أن شعاعا ضوئيا متحركا نستطيع أن نشبهه بسيل من الجسيمات الصغيرة المتتابعة , و نستطيع أيضا تشبيهه بمجموعة من الموجات .
أشكال إيضاحية
==========
الشكل الأول
==========
تتركب الذرة من جسيم ثقيل ( النواة ) يحمل عددا من الشحنات الموجبة , و يدور حولها عدد من الإلكترونات ( ذات الشحنة السالبة ) مساو لعدد الشحنات الموجبة علي النواة , و تدور هذه الإلكترونات حول النواة في مسارات ثابتة , أو سطوح قشرية تحيط بالنواة , و تستلزم النظرية الذرية ألا تحمل القشرة الأولي سوي إلكترونين فقط , أما القشرة الثانية فتحمل ثمانية إلكترونات ... و هكذا , و إذا ملئت هذا القشور بالإلكترونات فإن الذرات تصبح ثابتة لا تتحد بغيرها من ذرات العناصر الأخرى , و نري في الشكلين بأسفل صورا لبعض الذرات التي تمتلئ قشورها بالإلكترونات تماما , و لذا فهي تتميز بثبات و استقرار كبيرين , و هذه الذرات هي ذرات الهيليوم و النيون و الأرجون و الكريبتون .
الشكل الثالث
========
نري في الشكل بأسفل تمثيلا لأول تجربة أجريت في تحويل عنصر إلي عنصر آخر بضرب نواته بجسيمات صغيرة تلتحم به و تغير عدد ما به من بروتونات , آي تحوله إلي عنصر آخر , و كان اللورد راذرفورد هو الذي قام بهذه التجربة في سنة 1919 إذ قذف نواة النيتروجين بجسيم ألفا ( الذي يتكون من 2 بروتون + 2 نيوترون ) فتحولت إلي نواة الأكسيجين بأن ضمت إليها نيوترونين و بروتون واحد من جسيم ألفا تاركة البروتون الآخر ؛ و يبين العدد المذكور في أعلي " أسم " العنصر علي اليمين وزن النواة , في حين يبين العدد المبين علي اليسار إلي أسفل عدد البروتونات ؛ و نري في أسفل الصورة الجهاز البسيط الذي أستخدمه راذرفورد في تجربته هذه , و كان غاز النيتروجين يملأ الجهاز و تصطدم جسيمات ألفا المنبعثة من الوسط بنوي الغاز محدثة التحول النووى المذكور , و يشاهد هذا التحول من التوهجات التي تظهر علي لوحة كبريتيد الزنك .
شكل رقم (5) , (6)
=============
نرى في الشكلين ( 5,6) بعض أمثلة التفاعلات النواوية , التي تقذف فيها النواة بجسيمات صغيرة مختلفة , فيتغير تركيبها و ينتج من هذا التفاعلات جسيمات مختلفة بروتونات و نيوترونات أو أشعة جاما .
و هذه التفاعلات – فضلا عن إحداث مواد مشعة – تمكننا من دراسة و تفهم القوي الموجودة في النواة .