وأضاف لـ . لكلير في كتابه ( تاريخ الطب العربي :" يجب أن لا ننسى أن فترة نشوء الحضارة العربية تميزت بالأصالة العريقة التي أصبحت منطلقها ، فالشعوب المختلفة التي أتت إلى مسرح العلم كانت تنهج على وجه التقريب قانونا واحدا في تنشئة العلوم وتطويرها ، ولكن ذلك اختلف عند علماء المسلمين ، إذ كانت طريقة اكتسابهم للعلوم واستيعابهم لها مثلا فريدا في التاريخ " .
وقد حاول الكثير من علماء الإسلام أن يعرفوا الحضارة ومنهم عبد الرحمن بن خلدون فقال في كتابه ( مقدمة التاريخ) : " أحوال زائدة على الضروري من أحوال العمران ، أو بمعنى آخر رفاهة العيش . لذلك فهي تظهر في المدن والأمصار والبلدان والقرى أي في الحضر ، ولا تظهر في البادية " .
أما مصطفى السباعي فقد ذكر في كتابه ( من روائع حضارتنا ) : " يعرف الحضارة بعض الكاتبين في تاريخها بأنها ( نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي ) ،
وتتألف الحضارة من العناصر الأربعة الرئيسية : المواد الاقتصادية ،والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ، ومتابعة العلوم والفنون . . . . إن أبرز ما يلفت النظر لحضارتنا أنها تميزت بالخصائص التالية : -
1- أنها قامت على أساس الوحدانية المطلقة في العقيدة
2- أنها إنسانية النزعة والهدف . ، عالمية الأفق والرسالة .
3- أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية المحل الأول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها .
4- أنها تؤمن بالعلم في أصدق أصوله ، وترتكز على العقيدة في أخص مبادئها ، فهي قد خاطبت العقل والقلب معا ، وأثارت العاطفة والفكر في وقت واحد .
5- وآخر ما نذكره في خصائص حضارتنا هذا التسامح الديني العجيب الذي لم تعرفه حضارة مثلها قامت على الدين .
وإنه ليصعب كثيرا على المثقف أن يعرف أسس الحضارة الإسلامية بوجه عام ، لأنها بالحقيقة خلاصة حضارات سابقة لها ، ولا شك فإن علماء العرب والمسلمين استفادوا من إسهام الأمم التي سبقتهم ، والأمم التي اختلطوا بها بعد الفتوحات الإسلامية وذلك بحصولهم على نتائج تجاربهم .
ويوضح ذلك عبد المنعم ماجد في كتابه ( تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ) : " ليس من السهل معرفة أسس الحضارة الإسلامية ، ذلك لأنها كأي حضارة لم تظهر من العدم وإنما سبقتها حضارات هي مصادرها .
فالحضارة القائمة تكون دائما خلاصة أو انتقاء لما في الحضارات السابقة وإن أضافت إليها عناصر جديدة ، حتى تتميز بشخصية خاصة .
فالحضارة أخذ و عطاء ونتيجة مشتركة لعناصر قديمة وأخرى جديدة وإن القديم والجديد يوجد بعضه بجانب بعض ، كما يحجب بعضه البعض ،
وأحيانا يغير بعضه على بعض ، ومع ذلك يمكننا أن نقول ببساطة أن أسس الحضارة الإسلامية ترجع أولا إلى العرب ، وثانيا إلى سكان البلاد التي فتحها العرب ،
لكل حضارة مقومات ويسرد ناجي معروف في كتابه ( أصالة الحضارة العربية ) بعض مقومات الحضارة العربة والإسلامية فيحدد أنها :
(1) المبتكرات العلمية ،
(2) البدائع الفنية التي أنتجتها اليد العربي الماهرة ، من بناء المدن والقصور الجوامع والمدارس ، والجامعات إلى الفنون والحرف والصناعات والميكانيك الذي عرف بعلم الحيل .
(3) النظم الإسلامية المختلفة مثل (أ) النظم الدينية في العبادات (ب) النظم المالية والاقتصادية (ج) النظم الثقافية ( د) النظم العسكرية (هـ) النظم الإدارية ( و) النظم القضائية ( ز) النظم السياسية . . . .
(4) النظم الاجتماعية .
(5) مبادئ الإسلام الجليلة التي قدمها للإنسانية كالدعوة إلى تكريم الإنسان ، وإنقاذه من الرق والعبودية والضلال .
(6) السجايا الحميدة والأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام وأضافها إلى ما كان عند العرب من كريم الخصال . وتتلخص في إشاعة المحبة بين الناس ، والدعوة إلى الطيبة والإيثار والتضحية ، ونبذ البغض والغل والحقد والتحاسد ، والنهي عن الترف والظلم والاعتداء .
(7) الكمال الروحي .
إن الحضارات العربية والإسلامية سجل تاريخي يوضح تطور العقل البشري ، فهي بالحقيقة امتداد الحضارات السابقة لها ، ولكنها ذات شخصية متميزة ومفتوحة ، وليست كالحضارة الغربية خلال العصور الوسطى مغلقة على نفسها وعقيمة .
1-(إبداع علماء المسلمين في العلوم عموما)
اتجه المسلمون بمنازعهم الفكرية إلى ميادين العلوم منذ المطالع الأولى لصدر الإسلام . وكان هدف المسلمين من الاهتمام بهذه الموضوعات معرفة أسس تحديد المواقيت واتجاه القبلة . . . فاستطاعوا باستخدام الهندسة أن يحددوا اتجاه القبلة ، وباستخدام الفلك أن يحددوا بداية شهر رمضان المبارك .
ولم يقتصر المسلمون في تطبيق العلوم التي طوروها على مطالب العبادة ، بل استخدموها في كل ما فيه خير البشرية .
ولا ريب أن ما ورد في القرآن الكريم من حث للإنسان على النظر في ملكوت السماوات والأرض كان القوة الدافعة وراء هذه الأبحاث العلمية . . قال الله تبارك وتعالى : ( يَرْفَعُ الله الذِّينَ آمَنُوا مِنْكم والذين أوتوا العلم درجات ).
وقال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء ).
وقال جل شانه : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) (9)
وقال جلت أسماؤه : ( وما يستوي الأعمى والبصير (19) ولا الظلمات ولا النور) .
وكذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على طلب العلم من المهد إلى اللحد ، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وأن الملائكة لتضع أجنحتها تواضعا لطالب العلم ، رضا بما يصنع والعلماء ورثة الأنبياء . . .
قال صلوات الله وسلامه عليه : "إن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة . . " وهكذا فإن العرب بدافع من مبادئ الإسلام السامية تحولوا إلى ؟أمة فتحت العالم في أقصر مدة . . ففي القرون الهجرية الستة الأولى انتشرت دار الإسلام من الهند إلى الأندلس ، وكانت بغداد وقرطبة مركز الخلافة والبحث العلمي . .
ويمكن اعتبار القرنين الثالث والرابع الهجريين ( التاسع والعاشر الميلاديين ) القرنيين الذهبيين للعلماء العرب والمسلمين الذين يدين لهم العالم بالكثير لحفظهم التراث القديم وتنميته ، ولما ابتدعوه من فتوحات علمية جليلة .
وفي هذه الفترة عينها كانت أوروبا غارقة في عصر مظلم من حيث العلم والحضارة . .
ولقد أكدت الأبحاث الحديثة مدى ما يدين به العالم للعلماء المسلمين من فضل واسع ، فهم الذين حثوا على نمو المعارف بينما كانت أوربا تعيش في ظلام دامس . . بل إن العلوم الإغريقية لم تصل إلى العالم المعاصر إلى عن طريق المصادر الإسلامية . والترجمات اللاتينية القديمة للمخطوطات الإغريقية تعتمد في الأغلب على مؤلفات إسلامية أكثر من اعتمادها على المؤلفات الإغريقية الأصلية . .
وهكذا انقلبت علوم الحساب و الفلك والطب والكيمياء والجغرافيا والعلوم الطبيعية الإغريقية إلى أوربا عن طريق المسلمين . . وطبيعي أن الخدمة التي أسداها المسلمون إلى العلوم لم تقتصر على حفظ ما قامت به الأمم السابقة ، ونقله بل تجاوزت ذلك إلى كونهم أسهموا إسهامات واسعة في فتح الميادين المختلفة . .
وصدق سيد حسين نصر عندما قال في كتابه الحضارة والعلوم الإسلامية : " إن الكثير من المؤرخين في العلوم والطب والفلسفة يعتقدون أن الحضارة الإسلامية كانت أرضا جرداء وصل إليها العلم اليوناني فرواها وأخصبها . . هذا خطا في جملته ، فالمسلمون أهل علم قطعوا فيه شوطا ملحوظا . . فمن علومهم وحدهم الفقه ، ولعله أكمل العلوم الإسلامية وأعرقها ، وكذلك علمهم باللغة والنحو والعروض ، ولهم فيها بحوث عميقة وافية و قواعد مستقرة وشروح مستفيضة " .
كان خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي المتوفى سنة 90 هجرية (708 الميلادي ) خطيبا وشاعرا بليغا ، قوي الشخصية مغرما بالعلم محبا له . . فاهتم بعلمي الطب و الكيمياء في بداية الأمر وطلب من اسطفانوس وماريانوس أن يترجما إلى اللغة العربة كل المؤلفات التي تتعلق بهذين الميدانين .
ومما يعتقده كثير من المؤرخين أن خالد بن يزيد بن معاوية هو أول من اشتغل من بني أمية بالعلوم المختلفة وأمر بترجمتها من لغات أجنبية إلى عربية . . وبعد وفاة أخيه معاوية بن يزيد اختير خليفة فقضى في الحكم مدة قصيرة ، ثم تخلى عنه لرغبته في التفرغ للعلم ، فلقب بـ " حكيم آل مروان " . . وله مؤلفات في الكيمياء وضح فيها صنعة الإكسير ( الإكسير مادة مركبة كان الأقدمون يدعون أنها تحول المعادن الخسيسة إلى ذهب ) . .
ويقول أبو عثمان بن بحر الجاحظ في كتابه البيان و التبيين ( تحقيق حسن السندوبي ) : " إن خالد بن يزيد بن معاوية أول من قام بترجمة كتب النجوم والطب والكيمياء بالإضافة إلى كونه خطيبا وشاعرا فصيحا ، وأديبا جيد الرأي " .
2-(إبداع علماء المسلمين في علم الرياضيات)
(أ)مقدمة عن ذلك الإبداع في فروع الرياضيات
عرف علماء المسلمين أن للثقافة الرياضية أهمية عظيمة في ماضي المنجزات البشرية وحاضرها ومستقبلها ، وأن الرياضيات كانت في عصر المصريين القدماء والبابليين والرومان والإغريق أداة لحل المشكلات اليومية، وأن دراسة تاريخ أي ثقافة يكون دراسة لتطوير الرياضيات فيها تعطي صورة ناقصة ومشوهة . لهذا ركز علماء المسلمين في بداية الأمر على علم الرياضيات .
ويقول البروفيسور أريك بل في كتابه (الرياضيات وتطوراتها):"في جميع العصور التاريخية كافحت الأمم المتحضرة من أجل علم الرياضيات . ومهما كان مصدر الرياضيات فإنها تنحدر إلينا من أحد نبعين رئيسيين ، سواء من ناحية عددها أو شكلها . ويمثل النبع الأول علم الحساب والجبر، ويمثل النبع الثاني علم الهندسة . على حين يشير جورج سارتون في كتابه ( الأجنحة الستة )إلى أننا إذا أردنا أن نفهم تاريخ البشرية فيجب علينا تركيز اهتمامنا على العناصر التي سببت تطور الرياضيات .
يقول المؤلف هارلو شابلي في كتابه ( الثورة الجديدة في العلوم ) :" إن تأثير الرياضيات على الحضارة العربية كان كبيرا ، ويظهر هذا من العلاقة بين الحساب ، والجبر ، والهندسة ، والفلسفة والدين ، والعلوم الاجتماعية .
وأبدى علماء العرب والمسلمين اهتماما بالغا بالعلم الرياضي بفروعه المختلفة، وركزوا في دراستهم على اتجاهين : الاتجاه الأول هو استيعاب الموضوع نفسه ، والقيام بالعديد من الابتكارات الجديدة التي لم يسبقهم أحد بها ،
أما الاتجاه الثاني فهو الناحية التطبيقية في المجالات المختلفة ، مثل الفلك ، والهندسة الميكانيكية ، والضوء والهندسة المعمارية ، وحساب المواريث ، والأعمال التجارية ، وغيرها مما يستدعي معرفة الرياضة .
(ب) مآثر المسلمين في علم الرياضيات .
إن مآثر المسلمين في العلوم وما أدته من دور عظيم لم تنل ما تستحقه من إشادة . يقول و . كركومور في مقالة نشرها في " مجلة مدرس الرياضيات " بعنوان " منزلة الرياضيات في الهند وفي البلاد العربية خلال العصور المظلمة الأوربية " : لا نعرف عملا واحدا من أعمال العصر الذهبي الإغريقي لم يترجمه العرب ويفهموه فهما جيدا . وجدير بالذكر أن مدارس العلوم الإسلامية بدأت تنتشر بالتعاقب في بغداد ، والقاهرة ، وقرطبة ، وصقلية بمجرد انتهاء دور المدارس الرومانية والإغريقية .
وقد حمل المهاجرون الإغريق إلى القسطنطينية مؤلفات الفلاسفة الإغريق فترجمها طلبة العلم المسلمون إلى العربية .ويقول جورج سارتون في كتابه ( حضارة الثقافة الغربية في الشرق الأوسط ) : "حاول بعض المؤرخين التقليل من أهمية المآثر العظيمة للحضارة العربية بإنكار ما فيها من أصالة والإدعاء بأن العرب مقلدون ليس إلا . إن حكما كهذا خطأ في جملته . إذ يمكن القول إلى حد ما أنه ليس أعمق أصالة من الأصالة التي تملكت الرواد العرب في التعطش الحقيقي إلى المعرفة .
وقد تمكن المسلمون من تطوير معارف كثيرة خاصة بهم في حقل الرياضيات وغيرها ، وكانت لهم فتوحات علمية رفعت العلوم إلى مستوى يعلو بكثير عن المستوى الذي رفعها إليه الإغريق وكان هذا على وجه الخصوص في علمي الجبر وحساب المثلثات اللذين كانا من ابتكارهم " .
3- أشكال أرقام الرياضيات عند المسلمين .
فقد وفق الله تبارك وتعالى علماء الأمة الإسلامية والعربية في تطوير نظامين لكتابة الأرقام : النظام الأول : ويسمى بالأرقام الغبارية وهذا الاسم جاء بسبب كتابتها على منضدة أو لوحة من الرمل عند إجراء العمليات الحسابية ، وهي المنتشرة في المغرب العربي بما في ذلك الأندلس ، ومنها دخلت إلى أوربا وسميت بالأرقم العربية ( Arabic Numbers )، والنظام الثاني : الأرقام الهندية التي انتشرت في الأقطار الإسلامية والعربية المشرقية .
وتستعمل اليوم معظم شعوب العالم الأرقام الغبارية(0,1,2,3,4,5,6,7,8,9,.
ويقول ياسين خليل في كتابه ( التراث العلمي العربي ): " يعود الفضل إلى معرفة الأرقام الحسابية إلى الخوارزمي الذي ميز بين سلسلتين من الأرقام : الأولى ، وتسمى بالهندية ، وهي التي يستعملها عرب المشرق الآن (1،2 ، 3 ، 4 ، 00000) ، والثانية ، وتسمى الغبارية ، وهي التي يستعملها عرب المغرب ، وعبرت من الأندلس إلى أوربا ، ولا تزال مستعملة عندهم الآن(1,2,3,4,5).
ولقد بنى علماء العرب والمسلمين معرفتهم للأرقام الغبارية على نظرية الزاوية ، وذلك بتعيين زاوية لكل رقم ، فمثلا الرقم (1) له زاوية واحدة ، وللرقم (2) زاويتان وهكذا كما يظهر بالشكل الآتي :-
وقد مر على هذه الأرقام تعديلات كثيرة نتيجة الاستعمال المستمر في الدولة الإسلامية . ولكن عندما وصلت إلى أوربا كانت في شكلها الحاضر تقريبا .
ولقد كان الساميون يستعملون الحروف الأبجدية العربية ، فدونوا الأرقام بهذه الحروف .
وكذلك كانت الحال في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في القرن الأول الهجري ، حيث كان بعض علماء المسلمين يستعملون الحروف الأبجدية في كتابة مؤلفاتهم ، لكل حرف رقم خاص يدل عليه .
كما قسم المسلمون الأعداد العربية إلى قسمين رئيسين هما : زوجي وفردي ، وعرفوا كلا منهما . فالعدد الزوجي هو العدد الذي يقبل القسمة على (2) ويكتب على الصيغة ( 2ن ) حيث "ن" عدد صحيح والفردي ما ليس كذلك .فقد قسم أبو الوفاء البوزجاني العدد إلى " عدد مركب إذا جمعت أجزاؤه كانت مساوية له " .
فمثلا (6) عدد تام ، لأن مجموع قواسمه =1+2+3=6 وأيضا (28)= 14+7+4+2+1=28 عدد تام ، أما العدد الزائد فهو العدد الذي يكون مجموع قواسمه أكبر منه ، فمثلا (12) عدد زائد ، لأن مجموع قواسمه 1+2+3+4+6=16 ، وأخيرا العدد الناقص ، هو العدد الذي مجموع قواسمه أقل منه ،
فمثلا (8) مجموع قواسمه =1+2+4=7 وكذلك
(10) فإن اجزاؤه 1,2,5, وجموع هذه الأجزاء يكون 5+2+1=8 . كما أهتم العرب بتطوير الأعداد المتحابة ، وعرفوا العددين المتحابين بأن يكون مجموع عوامل العدد الأول مساويا للعدد الثاني ، ومجموع عوامل الثاني يساوي العدد الأول ،
فمثلا ( 220، 284 ) هما عددان متحابان لأن مجموع قواسم 220 هو 1+2+4+5+10+11+22+44+55+110=284 وجموع قواسم 284 هو 1+2+4+71+142= 220 . كما بحثوا في النسبة والمتواليات وقسموها إلى ثلاثة أنواع :-
(1) المتواليات العددية .
(2) المتواليات الهندسية .
(3) المتواليات التوافقية التي استعملوها في استخراج الألحان والأنغام .
4- ابتداع الصفر .
هناك بعض المؤرخين في تاريخ العلوم يعتقدون أن الصفر يعتبر ابتكارا بابليا ، وهذا يظهر من قول ياسين خليل في كتابه (التراث العلمي العربي ) :" كما أن استعمال الصفر في الحساب إبداع بابلي ظهر في العصر السلوقي ،
وانتقل إلى اليونان وعاد إلى العرب . أو أن الحسابيين العرب والفلكيين منهم الذين استخدموا النظام الستيني قد ورثوا الصفر ضمن ما ورثوه من علم الحساب البابلي " .
ولاشك أن علماء العرب والمسلمين هم الذين طوروا مفهوم الصفر الذي سهل العمليات الحسابية تسهيلا لا حدود له ، وعرفوه بأنه المكان الخالي من أي شيء .. ولكن هذا المفهوم يعني في الحقيقة الشيء الكثير .
فمثلا الفرق بين أربعة وبين أربعين هو الصفر . ويعتبر الرياضيون (الصفر ) أعظم اختراع وصلت إليه البشرية ، وفعلا فانه يستحيل دون الصفر وجود الكمية الموجبة والكمية السالبة مثلا في علم الكهرباء ، والموجب والسالب في علم الجبر .
ويصعب جدا دون الصفر الوصول إلى نظريات الأعداد التي تستعمل ويعتمد عليها بكثرة في الرياضة المعاصرة لأجراء عمليات الجمع والطرح باستخدام خط الأعداد .
والجدير بالذكر أن أوربا ظلت تتردد طيلة 250 سنة قبل أن تقبل مفهوم الصفر ، ورغم فوائده الجمة ، واستمرت إلى القرن الثاني عشر في استعمال الأرقام الرومانية البالية ، وحاولت بكل جهدها أن تبتعد عن استخدام الأرقام العربية بصفرها ، حتى فرضت هذه نفسها لتفوقها الكبير على كل الأرقام الأخرى ، فما وسع أوروبا إلا أن تستوردها أخيرا من المسلمين عبر البلدان الأوربية الإسلامية ، مثل الأندلس وصقلية .
أطلق الهنود على الصفر اسم (صونيا ) ويعنون بهذا مكانا أبيض فارغا .
والإيطاليون اسموا الصفر ( زينورا ) وكذلك الفرنسيون أسموه (تربيارتي ) وتوجد له أسماء عديدة في مختلفة اللغات ولكن كلها تعني المعنى الذي أعطى للصفر باللغة العربية ، بواسطة علماء المسلمين . وأخيرا سيطر اللفظ العربي نفسه على الألفاظ الأخرى في جميع لغات العالم
وقبل اختراع الصفر كان العرب يستعملون اللوحة لكي يحفظوا للأرقام خاناتها الحقيقية وهذه اللوحة يمكن توضيحها بالرسم التالي :-
فمثلا 203 تكتب كما هي في السطر الأول من الرسم ، 4020 تكتب كما هي في السطر الثاني ، و 100 كما هي في السطر الأخير .
وطبعا كانت هذه الطريقة متعبة وتأخذ وقتا طويلا ، ولهذا اندثرت بعد اختراع الصفر . وعندما طور المسلمون الصفر عبروا عنه بدائرة ومركزها نقطة . ففي المشرق ( ونعني بذلك مصر وما في شرقها من بلاد المسلمين ) احتفظ المسلمون بالنقطة " مركز
ج ب
ب د
أ
الدائرة " واستعملوها مع أرقامهم فكانت 1و2و3و4و5و6و7و8و9و0 أما في المغرب وهي البلاد الإسلامية غرب مصر بما فيها الأندلس فقد احتفظوا بالدائرة دون مركزها فكانت أرقامهم كالآتي 1,2,3,4,5,6,7,8,9,0 ولقد كتب الأستاذ توفيق الطويل في كتابه ( العرب والأعداد ) : " الدائرة ومركزها تعتبر من اختراع المسلمين ، وهم الذين طوروه إلى الدرجة التي أصبح العالم الآن لا يمكنه الاستغناء عن استخدامه .
والجدير بالذكر أن العرب اختاروا النقطة لتعبر عن الصفر لأن النقطة ذات أهمية كبيرة في الكتابة العربية ، ويعتبرها العرب المميز والضابط بين الحروف . فعلى سبيل المثال إذا وضعت النقطة فوق الحرف (ب) كانت نونا . وإذا كانت النقطة أسفل كانت باءا .
وإذا كانت نقطتان فوقها كانت تاءا . وإذا كانت النقطتان من أسفل كانت ياء وهلم جرا . من هذا المنطلق استعمل العرب النقطة لتعبر عن الصفر مع الأعداد العربية فأعطوها الوظيفة التي لها مع حروف الضبط والتمييز ،
فمثلا : الواحد إذا وضع نقطة من اليمين صار عشرة ، والخمسة إذا وضعت نقطتان من اليمين صارت خمسمائة ،
وهكذا يتضح من هذا أن العرب ابتكروا الصفر واستعملوه في عملياتهم الحسابية وكتابتهم اللغوية . كما أن للصفر مميزات عديدة ومن أهمها الإلكترونية (Camputers )
مثلا .. فقد اخترع المؤرخ الألماني لوكي المشهور في تاريخ الرياضيات أنه يجب أن ينسب اختراع الكسور العشرية إلى العالم الرياضي المسلم الشهير جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي الذي توفي عام 1436 ميلادية . وهو رياضي وفلكي ومن كتبه مفتاح الحساب والرسالة المحيطية .
ولقد أدعى الغربيون تعصبا أن ستيفن هو مبتكر الكسر العشري رغم أنهم يعرفون أن ستيفن هذا أتى بعد الكاشي بقرابة 175 سنة . كما ورد أيضا في الرسالة المحيطيه للكاشي النسبة بين محيط الكرة وقطرها التي يطلق عليها "ط" بالكسر العشري ، وقد أعطى قيمة "ط" صحيحة لستة عشر رقما عشريا كالآتي :-
2ط =283185071795865 ,6 ولم يسبقه أحد من العلماء في إيجاد قيمة "ط" بهذه الطريقة المتناهية . كما أن المسلمين استعملوا الكسر العشري في عملياتهم الحسابية وأوصلوها إلى الأندلس في نفس القرن الذي أوصل الأرقام العربية بصفرها إلى أوربا ليوناردفيبونلسي الآيطالي الجنسية الذي عاش فيما بين 1225 – 1270 ميلادية ،
ولقد تلقى فيبوناسي علم الرياضيات عن علماء المسلمين المشهورين ، فقد كان والده من التجار الإيطاليين الذين يتعاطون مع المسلمين التجارة ، وكثير من المؤرخين في علم الرياضيات يعتبرون خطأ أن فيبوناس هذا هو الذي أنقذ أوربا باستعمالها الأرقام العربية بصفرها .
5- علوم الرياضيات .
شهد النيل نهضة الرياضيات عند قدماء المصريين شهد دجلة والفرات نهضة الرياضيات عندما كان التاريخ يسجل نهضة أمة ضربت للأمم مثلا في عناية الدولة بالعلم ، ففي عهد الخليفة أبي جعفر المنصور حوالي 766م كانت بغداد منارة علم بفضل تشجيع الخليفة للعلماء .
وسار غيره من الخلفاء على دربه ، فكان في قصر الخلافة سواء في عهد المنصور أو الرشيد أو المأمون حلبة للعلماء يتسابقون فيها ويجدون التشجيع . حتى غير المسلمين من العلماء جاءوا إلى بغداد مركز العلم ومرتع العلماء وكانوا هم أيضا يجدون العطف والتشجيع من أولي الأمر مما جعل كثيرين منهم يحطون الرحال ويستقرون في البلاد الإسلامية .
من أجل ذلك حفظ المسلمون تراث من سبقوهم من البشر من الضياع في ظلمات الجهل فترجموا أعمال الهنود وأعمال الإغريق واستفادوا من كل ما وصلت إليه أيديهم في أسفارهم وبعثاتهم إلى خارج البلاد . وبعد أن دالت دولة العلم في أرض المسلمين وجد علماء أوروبا ، بعد صحوتهم من غفوة العصور المظلمة ، في أعمال المسلمين ما فتح أمامهم طرق الكشف العلمي الذي وضع أوروبا اليوم في طليعة التقدم العلمي والتقني .
ولم يعط المسلمون أوروبا أعمال من سبقوهم فقط بل أعطوا أيضا كل كشوفهم في الحساب والجبر والهندسة والطب والطبيعة والكيمياء والفلك وغيرها من مختلف العلوم التي أبدعوا فيها وأجادوا والتي وجد فيها الأوربيون منهلا عذبا . وعن هذا المنهل ، سوف نتحدث فيما يأتي باختصار :
أ-الحساب. ب- الجبر. جـ - الهندسة وحساب المثلثات .
( أ )-علم الحساب
لعل أول ما ينبغي أن يذكر للعلماء المسلمين في مجال العلوم الرياضية والفلكية هو استعمالهم لنظام الترقيم ، بدلا من حساب الجمل الذي كان سائدا في العصور الهندية القديمة ، وقد أخذ العلماء المسلمون نظام الترقيم عن الهنود الذين كانت لديهم أشكالا عديدة للأرقام ،
هذب المسلمون بعضها وكونوا منها سلسلتين عرفت السلسلة الأولى بالأرقام الهندية ، وهي الأرقام المستعملة اليوم في معظم البلاد العربية الإسلامية (1،2،3،4،5 إلخ ) وعرفت السلسلة الثانية بالأرقام الغبارية وهي (1,2,3,4,5,6,7 ) وهي المستعملة الآن في بلاد المغرب العربي ، وكانت سائدة في بلاد الأندلس ، ومنها انتقلت إلى أوروبا ،
وتعرف هناك بالأرقام العربية ، ويعزى إدخال مبادئ الحساب الهندي إلى العالم الهندي الذي وفد على بلاط الخليفة العباسي المنصور ومعه كتاب (السندهند ) ، ويقال أنه أدخل الأرقام الهندية ، ومعها الصفر ، وعلى ذلك فإن هذه الأرقام الهندية دخلت العالم الإسلامي عن طريق ترجمة الكتب الهندية التي قام بها الرازي ،
ثم ظهرت تقاويم محمد بن موسى الخوارزمي ، فذاعت هذه الأرقام بواسطتها في أرجاء العالم الإسلامي . كما يرجع إلى علماء المسلمين إيجاد طريقة الإحصاء العشري ، كما أنهم عرفوا الكسر العشري والصفر ، واستعملوا له النقطة ، كما ابتكروا علامة الفاصلة للكسر العشري ، وأحدثوا بذلك ثورة ضخمة في علم الحساب ، فكان لاستعمال الصفر ، وإدخاله في الترقيم مزايا عديدة ، منها تسهيل العمليات الحسابية مهما كبرت ،
وساعد على حل المعادلات الرياضية بسهولة ، فلولا الصفر لما فاقت الأرقام العربية والهندية غيرها من الأرقام ، ولما كان لها أي ميزة ، ولما فضلتها الأمم المختلفة على الأنظمة التي كانت مستعملة في الترقيم ، مثل الأعداد الرومانية التي تعتمد على الرموز مثل II.III.IV.V.VI .I التي يمكن استعمالها في عملية العد والجمع ،
ولكن يصعب استعمالها في عمليات الضرب والقسمة ، ومن الغريب أن الأوربيون لم يستعملوا هذه الأرقام بما فيها الصفر . إلا بعد انقضاء قرون من اطلاعهم عليها ، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا والعالم إلا في أواخر القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي .
والفضل في اختراع المسلمين للكسر العشري يرجع إلى العالم الرياضي الفلكي غياث الدين الكاشي ، ومن الحقائق المؤكدة أن العلماء المسلمين سبقوا الأوربيين في استعمال النظام العشري .
وقد وضع العلماء المسلمون مؤلفات كثيرة في الحساب ، ترجم الغربيون بعضها ، وتعلموا منها ، وتميزت مؤلفاتهم بحسب التبويب والترتيب ، فقد قسموا الحساب مثلا إلى أبواب ، منها ما يتعلق بحساب الأعداد الصحيحة ، ومنها ما يبحث في حساب الكسور ، أو الضرب والقسمة ، أو استخراج الجذور ، ويذكرون لكل من هذه العمليات طرائق مختلفة لحلها .
( ب )-علم الجبر.
عند الكلام عن الرياضيات المعاصرة لا يليق أبدا تناسى الذين بدءوا في الخطوات الأولى ، حيث أن الكشوف العلمية للرياضيات في العصور الوسطى هي التي ساعدت على تطور علم الجبر إلى ما هو عليه الآن . أي أن اكتشافات ما قبل القرن السابع عشر الميلادي هي أساس تطور الرياضيات المعاصرة التي تعرفها مناهجنا التعليمية المعاصرة .
والجدير بالذكر أن علماء الرياضيات المسلمين بدءوا ابتكاراتهم في الجبر في القرن الثالث الهجري ( الموافق التاسع الميلادي ) ، وعلى وجه التحديد في عهد الخليفة العباسي المأمون .
وفي مقدمة هؤلاء العلماء محمد بن موسى الخوارزمي الذي عاش فيما بين (164- 235 هجرية ) (780- 850 ميلادية ) والذي أشتهر برسالته حساب الجبر والمقابلة ، وقد لعبت دورا كبيرا في الحضارة الإسلامية والوعي العالمي الرياضي .
ولا شك أن اسم الجبر يعود في الحقيقة إلى المسلمين ، حيث أنهم مبتكروا هذا العلم . فكلمة ( الجبر ) هي نفسها المستعملة اليوم في اللغات الأوروبية .
وقد عرف المسلمون الجبر بأنه فرع من فروع الرياضة التحليلية التي تعطى الكميات رموزا ، ويمكن أن يكون لهذه الرموز قيم مختلفة .
والقصد بعلم الجبر جمع وطرح مقدار ثابت إلى أي طرف المعادلة الجبرية . وفي القرن الثاني الهجري حتى القرن السابع الهجري ( الثامن حتى الثالث عشر الميلادي ) كانت بلاد المسلمين مركز النشاط العلمي . وأهم ألوان النشاط العلمية في العالم في ذلك الوقت كانت تجرى في دار الحكمة التي طورها الخليفة المأمون في بغداد .
وفي دار الحكمة هذه كان تأثير الخوارزمي في الفكر الرياضي أكبر من تأثير أي رياضي آخر في العصور الوسطى ، إذ أنه اكتشف سنة 210 هجرية ( 825 ميلادية ) طرقا هندسية وجبرية لحل المعادلات من الدرجتين الأولى والثانية ذات المجهول الواحد وذات المجهولين . وقد قال الدكتور جورج سارتون في كتابه (المدخل إلى تاريخ العلوم ) : " إن الخوارزمي هو أعظم رياضي في ذلك الوقت ،
وإذا أخذنا في اعتبارنا كل الأحوال فإن الخوارزمي أحد أعاظم الرياضيين على الإطلاق " . وأضاف الأستاذ وايدمان : " إن الخوارزمي يثبت أنه شخصية ذات عبقرية قوية ويجب أن يفخر المسلمون به " . والدكتور ديفيد يوجين سمث ذكر في كتابه تاريخ الرياضيات ( المجلد الأول ) أنه يجب علينا أن نعترف أن المسلمين ترجموا معظم مؤلفات الشرق والغرب وحفظوها للبشرية .
ولكن علم الجبر هو عمل الخوارزمي من أساسه ، كما يقول الأستاذ محمد خان في كتابه ( مآثر المسلمين على العلوم ) :"إن الخوارزمي يعتبر من طبقة الرياضيين الرئيسية في العصور كلها " . وقد نظم الخوارزمي البحوث الشرقية القديمة في حقلي الحساب والجبر .
وكانت أعماله هذه مصدرا للمعرفة الرياضية في الشرق والغرب لقرون عديدة . ويجب ألا ننسى أن الخوارزمي هو عالم فلكي كذلك وقد ألف جداول كثيرة في هذا المجال تعرف حتى الآن باسمه . والدافع الأساسي وراء ابتكار عالمنا المسلم الجليل الخوارزمي للجبر هو علم الميراث المعروف بعلم الفرائض حيث أنه ابتدع طرقا جبرية لتسهيل هذا الحقل فكتب كتابا مشهورا باسم ( الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة ) ،
وبهذا الكتاب حول الخوارزمي الأعداد التي قيمتها المعينة إلى رموز تمثل هذه الأعداد حتى يمكن أن يعوض لهذه الرموز قيما مختلفة . وأشار العالم المشهور في تاريخ الرياضيات سليمان قندز في مجلة Isis في مقالة بعنوان " مصدر الجبر للخوارزمي " معترفا ، وذلك بقوله : " إن كتاب الخوارزمي هو اللبنة الأولى في العلوم الحديثة . ويستحق الخوارزمي أن يسمى والد الجبر ، حيث لم يكن عند العلماء الرياضيين الذين سبقوه فكرة عن الجبر ، بل كانوا يحاولون معرفة علم الأعداد فقط " . وقام روبرت شاستر – العالم الإنجليزي – بترجمة كتاب ( الجبر والمقابلة ) لمحمد بن موسى الخوارزمي من اللغة العربية إلى اللاتينية عام 534 هجرية ( 1140 ميلادية ) ، ونقلها إلى أوروبا ، فبقى علماء الغرب يستعملونها في جامعاتهم حتى القرن السادس عشر الميلادي .
كما نوه جورج سارتون المشهور في تاريخ العلم في كتابه ( المخل إلى تاريخ العلوم ) بأن ترجمة روبرت شاستر لكتاب الخوارزمي المعروف بكتاب حساب الجبر والمقابلة " يعتبر بدون مبالغة بداية وعي أوروبا في علم الجبر " .
(جـ)- علم حساب المثلثات .
كما يعرف الآن هو نوع من فروع الرياضيات الذي له صلة وثيقة بعلم الجبر . وكان علم الفلك في بداية الأمر يعتبر اليونان المادة الوحيدة لتطبيق النظريات الهندسية . وفي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي بدأ علماء الرياضيات في أوروبا يتعلمون علم حساب المثلثات من المسلمين ، وذلك بترجمة مؤلفات المسلمين من اللغة العربية إلى لغاتهم المختلفة ، وخاصة اللغة اللاتينية .
وقد قال رام لاندو في كتابه ( المؤثر على حضارة العرب ) : " إن حساب المثلثات في أوروبا كان مأخوذا من علم حساب المثلثات عند المسلمين " . وقال المؤلف المشهور ديفيد يوجين سميث في كتابه ( تاريخ الرياضيات ) المجلد الثاني : " ولم تدرس المثلثات الكروية المائلة بصورة جديدة وجدية إلا على أيدي العرب والمسلمين في القرن العاشر الميلادي " . ويعترف جميع علماء الرياضيات الأوربيين بأن المسلمين أسهموا الإسهام الأساسي في إنشاء علم المثلثات ، وأن الفضل يرجع إليهم في جعله علما منتظما ومستقلا عن علم الفلك . ويلمح الأستاذ عباس العزاوي في كتابه ( تاريخ الفلك في العراق ) إلى أن الدافع الوحيد إلى انشقاق علم حساب المثلثات عن علم الفلك هو أن المسلمين كانوا يحاولون إيجاد حل عددي لبعض مسائلهم في علم الفلك .
ويظهر أن علم حساب المثلثات كان بطئ التطور بحكم سيطرة علم الفلك عليه ، فعمل علماء المسلمين ما في وسعهم لاستغلال هذا العلم الجديد ، ولكنه لم يظهر كعلم مستقل بذاته تماما عن علم الفلك إلا عام 854 هجرية ( الموافق 1450 ميلادية ) .
ولاشك أن ، علم حساب المثلثات علم عربي إسلامي ، فقد وضعه العرب ، وفصلوه . ووصلوا به إلى مستوى حل المثلث الكروي والمستوى .
ولم تزد معرفة البشرية بالذات في علم حساب المثلثات فوق الحد الذي وصل إليه المسلمون إلا في أواخر القرن الثالث عشر الهجري ( التاسع عشر الميلادي ) ، عندما نضجت مفهوم الكميات التحليلية ، وأصبح علم حساب المثلثات علم عربي ، كما كان علم الهندسة علما يونانيا .
ولقد اعترف المؤلف الكبير في تاريخ العلوم فلورين كاجوري في كتابه ( تاريخ الرياضيات ) " أن هناك أمور كثيرة ، وبحوثا عديدة في علم حساب المثلثات ، كانت منسوبة إلى ( ريجيومونتانوس ) ثبت أنها من وضع المسلمين والعرب ، وأنهم سبقوه إليها ) ". واتفق الكثير من علماء تاريخ العلوم مثل فلورين كاجوري ، وجورج سارتون ، وديفيد يوجين سمث ، وغيرهم ، أن جميع مؤلفات ريجيومونتانوس ) اعتمدت على كتب العرب والمسلمين ونقل عنهم الكثير من البحوث ، وخاصة فيما يتعلق بعلم حساب المثلثات .
والفكرة الأساسية في علم حساب المثلثات هي قياس المساحات الكبيرة والمسافات الطويلة بطريقة غير مباشرة ، كقياس الأهرام مثلا ، أو أي بعد صعب المنال مثل ممر بين جبلين ، والأبعاد في حقل الملاحة .
وكلمة علم حساب المثلثات في جميع اللغات تعني قياس الارتفاعات . وقد عرف جورج هوي في كتابه ( الرياضيات للرجل العلمي ) : " أن علم حساب المثلثات هو علم الزوايا وعلاقتها بالأبعاد " . وأضاف شاركز هتن في كتابه ( طريق الرياضيات في تعريفه لعلم حساب المثلثات ) : " أنه الطريق لقياس وحساب أضلاع وزوايا المثلث " .
وعرف العرب علم حساب المثلثات بعلم النسب ، حيث أنه يقوم على الأوجه المختلفة الصادرة من النسبة بين أضلاع المثلث . وفي رأي هذا المؤلف أن هذا أحسن تعريف أعطي لعلم حساب المثلثات ، لما فيه من الاختصار والدقة في التعبير
( د )- علم الهندسة :
الهندسة من العلوم القديمة التي لعبت دورها في جميع الحضارات وحدثت فكرة الهندسة عند الإنسان القديم عندما اعتبر أن المسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم ، وأن المسافة بين ثلاث نقاط نحدد سطحا مستويا ، وجدير بالذكر أنه حتى الحيوانات تبدو وكأنها تعرف أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم ، وكان الدافع الأساسي إلى ابتكرا علم الهندسة هو قياس الأراضي التي على شكل مثلث ومستطيل ومربع ، فمثلا عندما كان الإنسان القديم يريد أن يبني سورا ليحدد به أرضه كان يقوم بتحديد أركان الأرض ثم يوصلها بخطوط مستقيمة ، واستنتجت فكرة الخطوط المتوازية والعمودية من بناء الجدران والمنازل كذلك وقد حدد السومريون والبابليون منذ أكثر من 4200 سنة مساحات المستطيل والمثلثات القائمة الزاوية ، وشبه المنحرف ، وعرفوا خواص الدائرة وأحجام عدد من الأجسام ، منها : الجسم المستوي مثل السطوح المستطيلة ، ومقطوع المخروط ، والهرم التام والهرم المقطوع قطعا مكافئا ، لعلم الرياضيات أصل عريق في تاريخ الإنسانية حيث أن الإنسان يحتاج إلى العمليات الحسابية وإلى المقاييس في حياته اليومية ، مما دعاه إلى تطوير علمي الحساب والهندسة اللذين نشأ قرينين .
كل منهما تكملة للآخر . كما كانت الهندسة المعمارية من أبرز ظواهر الحضارة الإنسانية ، فمن اليوم الذي بدأ فيه الإنسان يبني البيوت ، ويعد الأراضي للزراعة والري ، احتاج فيه إلى الهندسة .
والجدير بالذكر أن علم الهندسة يعتبر الموضوع الوحيد الذي يثير التفكير عند الطالب ، ويعمل على تقدم عقليته من الناحية الابتكارية والمنطقية .
ولذا نرى أن لو استؤصلت الهندسة من المناهج التعليمية لأدت إلى الكساد وعدم الاقتدار على التفكير عند المتعلم . ولم يترك الفيلسوف اليوناني المشهور " أفلاطون " الذي عاش ما بين ( 430- 349 قبل الميلاد ) موضعا للتردد في أهمية علم الهندسة بقوله : " أي فرد لا يعرف علم الهندسة لا يحق له الدخول في بيتي " . وكتب هذه الجملة في لوحة معلقة على باب داره . وهكذا كان قدماء العلماء لا يعتبرون المختص في الرياضيات كاملا إلا إذا كان من المبدعين في علم الهندسة . وهذا بالطبع علاوة على تفوقه في أحد الاختصاصات الأخرى ، كالحساب ، أو الجبر ، أو المثلثات .
الهندسة فرع من الرياضيات ، ساعدت على دراسة الفضاء وخواصه. وهي الوسيلة الوحيدة لقياس الطول والعرض والارتفاع ، ومصدر علم الهندسة باللغات الأوروبية مشتقة من كلمة يونانية الأصل معناها علم المقاييس .
وكان أكثر علماء المسلمين الرياضيين يعتبرون الهندسة هي العلم الوحيد الذي أوصلهم إلى معرفة الفضاء وحقائقه . وقال الكاتب وليم ديفيد ريف في كتابه : ( الطريقة التربوية لتدريس علم الهندسة ( : " إن علم الهندسة فرع من فروع الرياضيات التي تتعامل مع النقطة والخط والسطح والفضاء" .
ولو أردنا أن نعطي لعلم الهندسة تعريفا مختصرا لقلنا أنه العلم الذي يؤدي إلى دراسة الأشكال من حيث الحجم والمساحة .
(هـ)علم اللوغاريتمات .
تعريف اللوغاريتمات المتداول في معظم كتب الرياضيات التقليدية والحديثة هو : لوغاريتم العدد (ع) هو أس القوة التي يرفع إليها عدد ما ، وليكن (ن) ويسمى العدد (ن)الأساس ، لينتج العدد (ع) ، كما يتضح ذلك في العلاقة " ع= ن م" وقد اتفق على استعمال " لو" اختصارا لكلمة لوغاريتم ، وتسمية (م) بلوغاريتم العدد (ع) للأساس (ن) . لذا يكتب قانون اللوغاريتمات بالصيغة الآتية : -
لو ع = م .
يقول عمر فروخ في كتابه ( تاريخ العلوم عند العرب ) : " اللوغاريتمات في الأصل حد في متوالية حسابية تبدأ بالصفر يقابل الحد المطلوب في متوالية هندسية يبدأ بالواحد ، وفي الاصطلاح : هو الأساس الدال على المقدار الذي يجب أن نرفع إليه عددا معينا أكثر من الواحد ، نسميه الأساس حتى نحصل على العدد المطلوب "
ومما لا يقبل الشك أن استخدام اللوغاريتمات ساعد على تبسيط العمليات الحسابية المعقدة ، كالتي تحتوي على القوى والجذور الصم .
وصدق كارل بوير عندما قال في كتابه ( تاريخ الرياضيات ) : " أن اكتشاف علم اللوغاريتمات له أثر كبير على تقدم الرياضيات بوجه عام ، حيث أن علم اللوغاريتمات هو الوسيلة الوحيدة لتبسيط العمليات الحسابية التي ترد في مسائل العلوم التطبيقية مثل الفيزياء والهندسة والإحصاء والحساب التجاري وغيرها " أما أريك بل فيقول في كتابه ( تطور الرياضيات ) : " مما لا يقبل الشك أن علم اللوغاريتمات الآن يؤدي دورا هاما في الرياضيات التقليدية والحديثة على السواء ، وقد برز علم اللوغاريتمات بعد اكتشاف التفاضل والتكامل " . ونورد مثالا أكثر تعقيدا من المثال السابق ، حتى نتمكن من إقناع القارئ بالدور الذي يلعبه علم اللوغاريتمات في العمليات الحسابية .
6- علماء المسلمين في الرياضيات.
(أ) الخوارزمي :
هو عالم الرياضيات المسلم الشهير أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي .
• وهذا العالم الكبير مثل من الأمثلة الرائعة على الثمرات الناضجة التي أينعت في ظل هذه الثقافة الإسلامية المتفتحة على الكون ، الداعية إلى التأمل والتفكير ، المميزة في المراتب تمييزا واضحا بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون .
نبغ أبو عبد الله في عصر المأمون العباسي في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ، ونشأ في إقليم خوارزم وهو الآن من أعمال جمهوريات الاتحاد السوفييتي ، وكان من أعظم مراكز الثقافة الإسلامية وقد خرج عددا كبيرا من علماء المسلمين .
ثم انتقل إلى بغداد عاصمة الدولة والخلافة ، ومطمح أنظار العلماء والنابهين ، ولا يبعد أن يكون المأمون الذي كان يرعى في ذلك الحين حركة علمية واسعة – قد سمع بنبوغه وتقدمه ، فأرسل يستقدمه إلى بغداد ، فقد كان يعلم جيدا ما للعلم من أثر في الشعوب والجنس البشري .
وفي بغداد ارتفعت مكانته العلمية ، وتحققت فيه آمال المتأملين ، فقد ولاه الخليفة أحد المناصب الهامة في بيت الحكمة ، وأحاطه بالكثير من الرعاية والتكريم والتقدير ، واستفاد منه في الصلات الثقافية التي عقدها مع البلاد الأخرى فقد أوفده في عدد من البعثات العلمية إلى البلاد المجاورة ، وكان الهدف من هذه البعثات ، القيام بالتحقيقات العلمية والبحث والدرس وتحقيق الاتصال المباشر بعلماء تلك البلاد وزيارة مكتباتها ومراكز الثقافة فيها ، والحصول على أنفس الكتب والمخطوطات .
*- ومن بغداد انتقلت شهرة عالمنا الكبير إلى سائر أرجاء العالم الإسلامي بل والعالم أجمع ، وقد أصبح معروفا بإبداعه في علوم الرياضيات ، وبالإضافات الكثيرة التي أضافها إليها من اختراعه وتفكيره .
*- وإلى هذا العالم ينسب " علم الجبر"
* - خلف عالمنا النابه مؤلفات عديدة من أهمها : الجبر والمقابلة ، الحساب ، كتاب هيئة الأرض ، تقويم البلدان ، كتاب في الهندسة والفلك . أجزل الله لعالمنا ثواب العاملين .
* - أما عن غرضه من وضع كتابه فقد بين أنه كان بأمر من الخليفة المأمون الذي طلب إليه أن يؤلف مختصرا لكتاب له كبير ، كي يسهل الانتفاع به في كل ما يحتاج إليه الناس في حساباتهم وتقديراتهم ، وحتى يساعد على قضاء مصالحهم الحيوية .
(ب) ثابت بن قرة .
أبو الحسن بن قرة بن عرفاني الحراني ، وطنه الأصلي حران الواقعة بين النهرين ، عاش ثابت بن قرة بين 221 – 288 هجرية ( الموافق 826 – 901 ميلادية ) . واشتهر بعلوم مختلفة مثل الرياضيات ، والطب ، والفلك ، والفلسفة . وكلن ثابت يجيد ، مع اللغة العربية عددا كبيرا من اللغات الأخرى منها السريانية واليونانية ، والعبرية ، وقد ترجم من مؤلفات بطليموس المجسطي وكتاب ( جغرافية المعمورة ) يقول الدكتور جورج سارتون في كتابه المعروف ( المدخل في تاريخ العلوم ) : " إن ثابت بن قرة يعد من أعظم المترجمين ،
وأعظم من عرف مدرسة حران في العالم الغربي ، وقد ترجم كتبا كثيرة من علوم الأقدمين في الرياضيات والمنطق والتنجيم والطب ، وذلك بسبب مقدرته على إجادة مختلف اللغات الأجنبية .
ومدح المؤلف المشهور لين ثورنديك ثابت بن قرة في كتابه ( ملخص تاريخ الحضارة ) : " إن ثابت بن قرة كان رياضيا واغويا بارعا ، وله مخطوطة مهمة جدا في علم الجبر ، وفيها حل المعادلة ذات الدرجة الثالثة س3+أ ب = جـ س2 وأضاف الدكتور فرانسيس كارمودي في كتابه (أعمال ثابت بن قرة الفلكية ) : " إن ثابت بن قرة طور وترجم معظم الإنتاج العلمي لأقليدس ، وأرخميدس ، وأبولونيوس ، وبطليموس ، حتى صارت مؤلفاتهم كتبا مدرسية معتمدة في جميع الدول الإسلامية " .
يتفق اليوم علماء الرياضيات في المشرق والمغرب أن ثابت بن قرة مهد تمهيدا علميا لحساب التفاضل والتكامل ، وذلك بإيجاد حجم الجسم المتولد عن دوران القطع المكافئ حول محوره .
أما ما آثره فتظهر خصوصا في تناول موضوع إيجاد مركز الثقل لأشكال هندسية مختلفة اهتدى بنورها عدة كتاب أتوا بعده .
كان ثابت بن قرة حجة في جميع فروع المعرفة ، فأعطى اهتماما خاصا لدراسة الشمس وحركتها ، فكتب المؤلف المعروف سيدني فيش في كتابه ( الشرق الأوسط ) : " إن ثابت بن قرة درس حركة الشمس وحسب طول السنة الشمسية 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثوان بالضبط أكثر من الحقيقة بأقل من نصف ثانية . كما حسب ميل دائرة البرج 23 درجة و 33 دقيقة و 30 ثانية " .
وكذلك لمع بين علماء عصره في مقدرة فائقة النظير بإدخاله علم الجبر على علم الهندسة . لهذا يعتبر ابن قرة أبا الهندسة التحليلية . ويقول المؤلف المشهور كارل فنك في كتابه ( المختصر في تاريخ الرياضيات ) : " إن ثابت بن قرة من مواليد ما بين النهرين دجلة والفرات ، وهو يعتبر أعظم عالم هندسي في القرون الوسطى . ولقد ترجم وعلق على ثمانية كتب من القطاعات لابولونيوس ، وأرخميدس ، وبطليموس ، التي بقيت مدة طويلة مرجعا أساسيا في مكتبات العالم " . أشتهر ثابت بن قرة بين علماء العصور الوسطى بعلم الهندسة ، فكانوا يصفونه بسرعة البديهة وبأصالة التفكير .
فأبدع ثابت بن قرة في الهندسة ، والجبر ، والأعداد المتحابة ، والمربع السحري .
(جـ ) الكرخي .
هو أبو بكر محمد بن الحسن الكرخي ، ولد في كرخ من ضواحي بغداد ، ولا يعرف تاريخ ولادته ، قضى حياته في بغداد وأعطى إنتاجه في تلك المدينة الزاهرة ( في أواخر القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر الميلادي ) ، وتوفي هناك في عام 421 هجرية ( الموافق 1020 ميلادية ) .
وقد قضى جزءا كبيرا من حياته في المناطق الجبلية حيث اشتغل بأعمال الهندسة . وهذا يظهر في كتابه المسمى ( حول حفر الآبار ) . ويذكر الدكتور أوستين أور المشهور في نظريات الأعداد في كتابه ( تاريخ الأعداد ) : " إن الكرخي الذي عاش وتوفي في بغداد يعتبر الخليفة الوحيد لديوفانتوس في علم الحساب " . وأضاف ديفيد يوجين سمث في كتابه ( تاريخ الحضارات ) المجلد الثاني " إن الكرخي من أعظم الرياضيين الذين كان لهم أثر وإسهام حقيقي في تقدم العلوم كلها " .
اهتم الكرخي اهتماما كبيرا بعلمي الحساب والجبر ، فكان نتاجه عظيما في هذين الحقلين ، وبقيت أوروبا تستخدم نتاجه العلمي مدة طويلة من الزمن . وقد أتبع الكرخي الطريقة التحليلية لعلم الجبر والمقابلة ، مقتديا بأستاذية الخوارزمي وأبي الكامل وبعلماء المسلمين الأفاضل حتى أبدع وبرز بهذا الحقل وقد علق الأستاذ هورد ايفز في كتابه تاريخ الرياضيات : " أن كتاب الفخري في الحساب أحسن كتاب كتب في علم الجبر في العصور الوسطى ، مستندا على كتاب محمد بن موسى الخوارزمي الجبر والمقابلة .
امتاز كتاب الفخري في الحساب بطابعة الأصيل في علم الجبر لما فيه من الابتكارات الجديدة والمسائل التي لا يزال لها دور في الرياضيات الحديثة . وأضاف موريس كلاين في كتابه تطور الرياضيات من الغابر إلى العصر الحاضر : " أن الكرخي البغدادي العالم المشهور الذي عاش في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي يعتبر مفكرا من الدرجة الأولى ، وهذا يظهر من كتابه الفخري في الحساب .
فطور هذا الحقل إلى درجة يمكن التعرف على عقليته الجبارة خلالها " .
مؤلفات الكرخي :
1- رسالة في بعض النظريات في الحساب والجبر .
2- رسالة في النسبة .
3- رسالة في استخراج الجذور الصماء وضربها وقسمتها ، كما أعطى فيها طرقا مبتكرة لحلها وقواعد جديدة في التربيع والتكعيب .
4- رسالة في برهان النظريات التي تتعلق بإيجاد مجموع مربعات ومكعبات الأعداد الطبيعية .
5- رسالة علق فيها على الحالات الست في الجبر التي وردت في كتاب الجبر والمقابلة لمحمد موسى الخوارزمي .
6- رسالة تشمل ما يزيد على 250 مسألة متنوعة من معادلات الدرجة الأولى والدرجة الثانية ، ومعادلات ذات درجات أعلى .
7- رسالة في علاقة الرياضيات بالحياة العملية
8- رسالة ذكر فيها الطرق الحسابية لتسهيل بعض العمليات الحسابية كالضرب .
9- رسالة حسب فيها مساحات بعض السطوح .
(د) عمر الخيام .
هو أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري فيما بين 440- 525 هجرية ( الموافق 1048 – 1131 ميلادية ) . كان في صغره يشتغل في حرفة صنع وبيع الخيام ولذا لقب ب "الخيام " . ومنذ نعومة أظافره أكثر من التنقل في طلب العلم حتى أستقر في بغداد عام 466 هجرية 1074 ميلادية .
وقد أبدع الخيام في كثير من فنون المعرفة ، مثل الرياضيات ، الفلك ، واللغة ، والفقه ، والتاريخ ، والأدب . ويذكر المؤلفان إدوارد كاسنار وجيمز نيومان في كتابهما التخيلات الرياضية : " أن عمر الخيام بالرغم من شهرته في قصائده المسماة بالرباعيات التي لا تخلو منها أية مكتبة من مكتبات العالم – أجمع – إلا أنه فوق هذا كان رياضيا بارعا وفلكيا أصيلا " .
وأضاف المؤلف الغربي و.و.روس بول في كتابه مختصر لتاريخ الرياضيات : " إن عمر الخيام يعتبر بين علماء الرياضيات في القرن العشرين نابغة في الرياضيات ولا سيما في الجبر" والجدير بالذكر أن شعره اشتهر برباعياته التي ترجمت إلى لغات مختلفة نظما ونثرا ، وقليلون يعرفون ممن يلمون بشعره ، أنه أبدع بالعلوم المختلفة ، وأن علماء الشرق والغرب يلقبونه بـ" علامة الزمان " .
ويقول المؤلف المشهور سيد حسين نصر في كتابه ( العلوم والحضارة في الإسلام ) : " إن عمر الخيام يعتبر فلتة زمانه ، حيث أنه كان شاعرا ، ورياضيا بارعا في آن واحد وهاتان الخصلتان يندر وجودهما في شخص واحد .
ومما لا شك فيه أن إنتاج عمر الخيام في علم الجبر يدل على عبقريته ، حيث أنه اشتغل في المعادلات ذات الدرجة الثانية ، مقتديا بأستاذه محمد بن موسى الخوارزمي ، بالبحث في المعادلات ذات الدرجة الثالثة والرابعة ، فتفنن في ذلك " .
لقد اهتم عمر الخيام اهتماما خاصا بالمقدار الجبري . اهتم عمر الخيام بتصنيف المعادلات ذات الدرجة الثالثة حسب درجاتها وحسب عدد حدودها ، فأبدع في ذلك إبداعا كبيرا . عمر الخيام حل كثيرا من المسائل المستعصية في علم حساب المثلثات مستعملا معادلات جبرية ذات الدرجة الثالثة والرابعة .
مؤلفات الخيام :
1- رسالة تبرز محاولاته المنهجية المنتظمة لحل المسائل التكعيبية .
2- مقدمة في المساحة .
3- رسالة عن المصادرة الخامسة من مصادرات إقليدس .
4- رسالة في مشكلات الحساب .
5- رسالة في حساب الهند .
6- كتاب المقنع في الحساب الهندسي .
7- رسالة في المعادلات ذات الدرجة الثالثة والرابعة .
ويمكن عد عمر الخيام من مؤسسي مدرسة علم الجبر ، فقد درس المعادلات الجبرية من الدرجة الأولى ، والثانية ،والثالثة ، والرابعة ، بمنهج مدهش لمن تبعه ، كان فائقا في الدقة ، والعمق ، والأصالة ، والتمحيص .
والجدير بالذكر أن عمر الخيام هو أول من فكر أن المعادلات الجبرية ذات الدرجة الثالثة لها جذران . كما حصل على الجذور التربيعية والتكعيبية بطرق رياضية بحتة .
7-الخاتمة
لقد كانت دراسة العلوم مزدهرة عند المسلمين في وقت كان العالم الأوروبي يتخبط في جهل وهمجية .. واكتسب المسلمون علوما من مصادر شتى ، فأتقنوها وزادوا عليها ، ونشروها في العالم أجمع ، بما فيه حوض البحر المتوسط ، اعتبارا من بداية القرن الثاني إلى نهاية القرن السابع الهجري ( القرن الثامن إلى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي ) . وكان موقف علماء المسلمين من اكتساب العلوم والتوسع فيها سببا رئيسيا في جعلهم يدعون علماء العالم أجمع على اختلاف مللهم ونحلهم إلى جامعاتهم الإسلامية ومخابرهم للدراسة والبحث .. ويذكر فرانتز روزنتال في كتابه ( استمرار علوم الإغريق القدماء في الإسلام : " أنه لابد من فهم موقف الدين الإسلامي ذاته من العلم ، وكان موقفه المحرك الكبير لا للحياة الدينية فحسب ، بل كذلك للحياة الإنسانية من جميع جوانبها .. وموقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي وراء العلوم ، وفي فتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية ، ولولاه لانحصرت الترجمة في أشياء ضرورية للحياة العلمية وحدها " .. وكانت الرغبة الدافعة إلى طلب العلم هي تعاليم الرسول العربي صلى الله عليه وسلم وحثه المتواصل على وجوب طلب العلم ..وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تأمر المسلمين بطلب المعرفة والوقوف على آيات الخالق ..
فالعقيدة الإسلامية هي إذن أساس هذه الانطلاقة العلمية ، وهذا الاهتمام المفرط بالعلوم والتربية ، وهي التي حدت بعلماء المسلمين إلى الاجتهاد في كشف حقيقة كل مجهول .. وقد أتبع خلفاء المسلمين الأوائل أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في تشجيعهم للعلماء لاكتساب المعرفة ، بتشييدهم مراكز للتعليم كالتي كانت في بغداد والشام وقرطبة .
وكان عصر الخلفاء الراشدين والأمويين عصر نمو وتأصل وتماسك وترابط .. ثم جاء العصر العباسي فكان عصر الحضارة الإسلامية .
وجدير بالذكر أن علماء العرب والمسلمين توافروا على الترجمة خمسين عاما ثم انكبوا على التصنيف والابتكار ، وإليهم يعود الفضل في تقديم كثير من الاكتشافات ..
8- المراجع
أ- العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية
بقلم الدكتور / علي عبد الله الدفاع عميد كلية العلوم بجامعة البترول والمعادن – الظهران.
والأستاذ الزائر بكلية العلوم لجامعة الرياض.
ب- العلوم والفنون في الحضارة الإسلامية الدكتور/تاج العسر أحمد حران.
3-الاتجاهات الحديثة في تدريس الرياضيات
تأليف الدكتور/ محمود أحمد شوقي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
4- معالم الثقافة الإسلامية تأليف الدكتور/عبد الكريم عثمان
5- تاريخ العلوم عند العرب للكليات المتوسطة الطبعة الأولى 1403-1983 م
0 التعليقات:
إرسال تعليق